انتهاكاتُ العدالةِ: القضاءُ، المحاماةُ، والسجلاتُ المدنيةُ – عفرينُ نموذجاً

بيان:
تتابعُ لجنةُ الرصدِ والتوثيقِ والأرشفةِ في اتحادِ المحامينَ الكورد بقلقٍ بالغٍ التطوراتِ المتسارعةَ في المشهدينِ القضائيِّ والمهنيِّ، إضافةً إلى ما يجري في مجالِ السجلاتِ المدنيةِ في منطقةِ عفرينَ، وذلك استناداً إلى معطياتٍ ووثائقَ وشهاداتٍ محليةٍ موثوقةٍ.
أولاً: استقالاتٌ جماعيةٌ وضغوطٌ ممنهجةٌ داخلَ السلكِ القضائيِّ
وفقاً للمراسيمِ الصادرةِ عن رئاسةِ الجمهوريةِ بتاريخِ ٢٥ آبَ ٢٠٢٥، وبناءً على قراراتِ مجلسِ القضاءِ الأعلى، تمّ قبولُ استقالةِ عددٍ غيرِ مسبوقٍ من القضاةِ، وفقَ الآتي:
– المرسومُ رقم ١٥٤ استناداً إلى قرارِ المجلسِ الصادرِ بتاريخِ ٣٠ حزيرانَ ٢٠٢٥، بقبولِ استقالةِ ١٤ قاضياً وقاضيةٍ من النيابةِ العامةِ التمييزيةِ.
– ⁠ المرسومُ رقم ١٦٣ الصادرُ بناءً على قرارِ المجلسِ بتاريخِ ١٤ تموزَ ٢٠٢٥، بقبولِ استقالةِ خمسةِ قضاةٍ من النيابةِ العامةِ التمييزيةِ، إضافةً إلى قاضيينِ من عدليّتَي ديرِ الزورِ وحلبَ.
– ⁠المرسومُ رقم ١٦٥ استناداً إلى قرارِ المجلسِ بتاريخِ ٢١ تموزَ ٢٠٢٥، بقبولِ استقالةِ سبعةِ قضاةٍ من النيابةِ العامةِ التمييزيةِ، وقاضٍ من عدليةِ درعا.
ليبلغَ العددُ الإجماليُّ ٢٦ قاضياً تمت قبول استقالاتهم بموجبِ ثلاثةِ مراسيمَ متتاليةٍ.
تشيرُ مصادرُ داخلَ القصرِ العدليِّ إلى أن هذه “الاستقالاتِ” لم تكن طوعيةً، بل جاءت نتيجةَ ضغوطٍ مباشرةٍ وتمييزٍ على أساسِ الولاءِ للسلطةِ الجديدةِ، مع تغليفِها بطابعٍ رسميٍّ لتبريرِها.
ويُعدُّ هذا التطورُ الأضخمَ في تاريخِ القضاءِ السوريِّ من حيثُ حجمُ الإقصاءِ الجماعيِّ. كما أفادتْ مصادرُ أخرى بوجودِ قراراتِ نقلٍ وندبٍ وإعادةِ تموضعٍ قسريةٍ طالتْ مئاتِ القضاةِ، ما يعكسُ توجهاً لإعادةِ هيكلةِ السلكِ القضائيِّ على أسسٍ غيرِ مهنيةٍ.
ثانياً: انتهاكُ استقلالِ القضاءِ وتعدّي الأجهزةِ الأمنيةِ
تلقتِ اللجنةُ معلوماتٍ مؤكدةً تُفيدُ بتعرّضِ القاضي أحمد حسكل لاعتداءٍ جسديٍّ وإهانةٍ واحتجازٍ تعسفيٍّ على يدِ عناصرَ من جهازِ الأمنِ العامِّ في أواخرِ أيارَ ٢٠٢٥، قبلَ الإفراجِ عنه بعدَ ساعاتٍ، عقبَ إسقاطِه لحقِّه الشخصيِّ ضدَّ المعتدينَ الذين تمت تبرير فعلتهم بدلَ معاقبتِهم.
وقد أثارَ الحادثُ احتجاجاً داخلَ القصرِ العدليِّ في حلبَ، شاركَ فيه قضاةٌ ومحامونَ رفضاً لهذا الانتهاكِ الصارخِ لاستقلالِ القضاءِ.
إلّا أن الاعتصامَ تمّ فضُّه بالقوةِ من قبلِ قواتٍ أمنيةٍ مسلّحةٍ، في سابقةٍ تمثّلُ تدخّلاً سافراً في شؤونِ السلطةِ القضائيةِ تحتَ ذرائعَ تتعلقُ بـ“الولاءِ للنظامِ البائدِ”.
ثالثاً: هيكلةٌ موازيةٌ للسلطةِ القضائيةِ وتدخّلٌ مباشرٌ في عملِ القضاةِ
تشيرُ مصادرٌ موثوقةٌ إلى أن هيئةَ تحريرِ الشام، حكومةَ سلطةِ الأمرِ الواقعِ المؤقتةِ، قامت بإنشاءِ هيكلٍ قضائيٍّ موازٍ في المحافظاتِ التي تحتَ سيطرتِها من خلالِ استحداثِ منصبٍ غيرِ قانونيٍّ تحتَ مسمّى “رئيسِ العدليةِ”، يخضعُ مباشرةً لوزيرِ العدلِ.
ويُعدُّ هذا الإجراءُ مخالفاً لقانونِ السلطةِ القضائيةِ ويكرّسُ تدخّلاً مباشراً في استقلالِ القضاءِ، حيثُ فُرضتْ معاييرُ الولاءِ التنظيميِّ، وأغلبُ رؤساءِ العدلياتِ من أبناءِ محافظةِ إدلبَ، في التعييناتِ الجديدةِ.
كما تمّ تعيينُ أشخاصٍ غيرِ مختصينَ، من بينهم خرّيجونَ من كلياتِ الشريعةِ، في مواقعَ حساسةٍ، ومثالُ ذلك تعيينُ خرّيجِ شريعةٍ إلى جانبِ رئيسِ محكمةِ النقضِ نفسه.
وقد أدّى ذلك إلى تسييسِ القضاءِ وفرضِ تدخّلاتٍ مباشرةٍ في الأحكامِ والدعاوى، مما دفعَ عدداً من القضاةِ إلى تقديمِ استقالاتِهم.
وتوضحُ المصادرُ أن الضغطَ على القضاةِ يبدأُ من المحامي العامِّ الذي يحدّدُ لهم “حدودَ صلاحياتِهم”، ثم تُراجعُ قراراتُهم من قبلِ “رئيسِ العدليةِ” المعيَّنِ من الهيئةِ، فيما تُستخدمُ شكاوى كيديةٌ لنقلِ القضاةِ أو إقصائِهم من مناصبِهم.
وتكشفُ هذه الممارساتُ عن منظومةِ رقابةٍ وضبطٍ غيرِ قانونيةٍ تهدفُ إلى إخضاعِ الجهازِ القضائيِّ كليّاً للسلطةِ الفعليةِ للهيئةِ.
رابعاً: قراراتٌ نقابيةٌ مخالفةٌ للقانونِ
بتاريخِ ٢٦ أيارَ ٢٠٢٥، أصدرَ فرعُ نقابةِ المحامينَ في حلبَ القرارَ رقم ١٠٣١ القاضيَ بتجميدِ عضويةِ عددٍ من المحامينَ.
وقد طعنَ المتضررونَ بالقرارِ أمامَ مجلسِ نقابةِ المحامينَ في سورية، الذي أصدرَ لاحقاً القرارَ رقم ٣٣٤/ن بتاريخِ ١٨ حزيرانَ ٢٠٢٥، بإلغاءِ القرارِ السابقِ واعتبارِه كأنْ لم يكنْ، مؤكّداً أن عقوبةَ التجميدِ غيرُ منصوصٍ عليها قانوناً.
ورغمَ صدورِ قرارِ الإلغاءِ بعدَ ٢٣ يوماً فقط، إلّا أن تنفيذَه تأخّرَ أربعةَ أشهرٍ حتى تاريخِ ١٣ تشرينَ الأولِ ٢٠٢٥، ما يشكّلُ مخالفةً إجرائيةً ومسلكيةً تمسُّ نزاهةَ العملِ النقابيِّ.
وتعكسُ هذه الوقائعُ تراجعَ استقلالِ النقاباتِ المهنيةِ وتزايدَ التدخّلاتِ السياسيةِ في شؤونِها الداخليةِ.
خامساً: انتهاكاتٌ مستمرةٌ بحقِّ المحامينَ وحصانتِهم المهنيةِ
أكدتْ وثيقةٌ رسميةٌ صادرةٌ عن نقيبِ المحامينَ في سورية بتاريخِ ٨ تشرينَ الأولِ ٢٠٢٥، والموجّهةِ إلى وزيرِ الداخليةِ، أن النقابةَ رصدتْ تكرارَ حالاتِ تفتيشِ المحامينَ أثناءَ مزاولتِهم مهنتَهم، في خرقٍ واضحٍ للمادةِ (٧٧) من قانونِ تنظيمِ مهنةِ المحاماةِ، التي تكفلُ للمحامي الحريةَ والاستقلالَ وتحظرُ تفتيشَه أو ملاحقتَه إلّا وفقَ الأصولِ القانونيةِ.
ورداً على ذلك، أصدرتْ وزارةُ الداخليةِ تعميماً رسمياً بتاريخِ ٨ تشرينَ الأولِ ٢٠٢٥ تضمّن توجيهاتٍ واضحةً بـ:
– التزامِ عناصرِ الشرطةِ بحسنِ السلوكِ واحترامِ حصانةِ المحامينَ.
– ⁠ السماحِ للمحامينَ بحضورِ جلساتِ التحقيقِ مع موكّليهم.
– ⁠ تخصيصِ أماكنَ خاصةٍ في الوحداتِ الأمنيةِ لإنجازِ معاملاتهم دونَ عرقلةٍ.
ورغمَ صدورِ هذا التعميمِ، تؤكّدُ مصادرٌ ميدانيةٌ استمرارَ التجاوزاتِ والانتهاكاتِ بحقِّ المحامينَ في عددٍ من المحافظاتِ، ما يدلُّ على أن الإجراءاتِ الرسميةَ بقيتْ شكليةً وغيرَ مطبّقةٍ فعلياً.
ويُعدُّ هذا التعميمُ اعترافاً ضمنياً من السلطاتِ بوجودِ انتهاكاتٍ واسعةٍ تمسُّ كرامةَ المحامي واستقلالَ مهنتهِ، ويُعزّزُ الحاجةَ إلى رقابةٍ فعّالةٍ وتنفيذٍ حقيقيٍّ لأحكامِ القانونِ.
سادساً: غيابُ السجلاتِ المدنيةِ في عفرينَ وتهديدُ الهويةِ القانونيةِ للسكانِ الأصليين
أعربتْ مصادرٌ محليةٌ في منطقةِ عفرينَ عن قلقٍ متزايدٍ نتيجةَ اختفاءِ سجلاتِ الأحوالِ المدنيةِ (النفوسِ) منذ عامِ ٢٠١٨ أي بعدَ الاحتلالِ التركيِّ، وعدمِ معرفةِ مصيرِها حتى الآنَ.
سابقاً كانتِ السجلاتُ موجودةً في مركزِ منطقةِ عفرينَ، موباتو، شيا، وجندريسةَ.
تُثيرُ هذه الحالةُ أسئلةً خطيرةً حولَ الجهةِ التي تتحكّمُ بهذه السجلاتِ والهدفِ من ذلك، لما تمثّله من وثائقَ جوهريةٍ تمسُّ هويةَ المواطنينَ الأصليينَ وحقوقَهم المدنيةَ مثلَ الملكيةِ والأنسابِ والقيودِ العائليةِ.
هذا الغموضُ يشكّلُ تهديداً مباشراً للأمنِ القانونيِّ والمدنيِّ في المنطقةِ، ويُعدُّ انتهاكاً خطيراً لحقِّ الأفرادِ في إثباتِ الشخصيةِ، خصوصاً أن الوثائقَ الصادرةَ حالياً في المنطقةِ مؤقتةٌ وغيرُ معترفٍ بها رسمياً، مما يضطرُّ السكانَ إلى مراجعةِ سجلاتِ حلبَ للحصولِ على وثائقٍ قانونيةٍ صحيحةٍ.
ويدعو هذا الأمر إلى تحقيقٍ عاجلٍ وشفّافٍ يكشفُ ملابساتِ القضيةِ ويضمنُ حمايةَ هذه السجلاتِ من العبثِ أو الإتلافِ.
للتواصلِ مع اتحادِ المحامينَ الكورد
– واتسابٌ مخصّصٌ للتواصلِ:
⁠‎+46 72 555 6665
– البريدُ الإلكترونيُّ:
⁠info@kurdishlawyers.org
mdac@kurdishlawyers.org
– منصةُ التبليغِ الإلكترونيةِ “بلّغ”: forms.office.com/r/Xb17LgF6yF
– الموقعُ الرسميُّ: ar.kurdishlawyers.org
لجنةُ الرصدِ والتوثيقِ والأرشفةِ
اتحادُ المحامينَ الكورد – بون، ألمانيا
٢٦ تشرينَ الأولِ ٢٠٢٥

Scroll to Top