انضمام سوريا إلى «التحالف الدولي»: الشرع يفتتح حقل ألغام جديداً

يخوض الشرع مغامرة الانضمام إلى «التحالف الدولي» ضد «داعش»، مُخاطراً بتفجير التناقضات الفصائلية التي تهدّد هشاشة سلطته الانتقالية في سوريا.

عامر علي

منذ وصوله إلى السلطة في سوريا، أظهر الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، تسليماً كاملاً بالموقف الأميركي، الأمر الذي ساعده، بشكل أو بآخر، في توطيد حكمه ومهّد له الطريق أمام التعويم التدريجي لسلطته، رغم «المراوحة في المكان» في ملفات عديدة. ولذا، يُعدّ انضمامه المرتقب إلى «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «داعش»، والمتوقّع الأسبوع المقبل، خطوة طبيعية، وإن كانت تفتح الباب أمام حقل ألغام داخلي يدركه الشرع جيداً، إذ لا يزال المشهد الداخلي السوري بعد نحو عام على تسلّم الأخير السلطة (عقب سقوط النظام نهاية العام الماضي)، متنازعاً بين الفصائل التي يقودها شيوخ أو «أمراء» يملكون سلطة شبه مطلقة ضمن مناطق سيطرتهم، من جهة، وبين تزايد التعقيدات في الملفات الكبرى (على رأسها ملفا «قسد» والجنوب السوري)، من جهة أخرى. وبالنظر إلى تركيبة قوى الأمن الداخلي وقوات وزارة الدفاع في الحكومة الناشئة، يمكن ملاحظة وجود نوعين من التشكيلات: الأولى مركزية، تمّ تكوينها عبر توسيع عدد المنضمّين إلى فصائل محورية في «هيئة تحرير الشام» التي كانت تحكم إدلب سابقاً؛ والثانية غير مركزية، جرى ضمّها إلى الوزارتين عبر عمليات هيكلة شكلية تبعاً لقرار حلّ الفصائل وإلحاقها بالدولة.

وأنتجت هذه السياسة جملةً من المكاسب للسلطات الانتقالية، أبرزها ضمان السيطرة المطلقة من خلال تقاطع المصالح مع الفصائل التي اقتسمت السيطرة على المناطق البعيدة عن مراكز المدن من جهة، ووجود قوات مركزية قوية يمكن استخدامها في أي مواجهات مع تلك الجماعات من جهة أخرى. غير أن هذه المعادلة ما زالت هشّة وبعيدة عن الطابع المؤسساتي، ما يجعلها قابلة للانهيار أمام أي هزّة كبيرة قد تواجهها السلطة. على سبيل المثال، شكّلت أزمة المقاتلين الفرنسيين في حارم في ريف إدلب، قبل نحو أسبوعين، اختباراً حقيقياً لقدرة السلطة المركزية على مواجهة الجماعات الأجنبية، إذ تبيّن، بعد استعانة الفرنسيين بمقاتلين أجانب من أوزبكستان وتركستان، إمكانية تشكّل أحلاف سريعة وقوية تتجاوز قدرة السلطات المركزية على قمعها، ما دفع الأخيرة إلى الرضوخ لـ«جلسة صلح مشائخية» أعادت إلى الأذهان التاريخ الفصائلي القريب الذي شهده شمال غرب سوريا.

في ظل هذه التركيبة، يأتي انضمام الشرع إلى «التحالف»، وهو أحد البنود الأميركية الأولية التي طُلبت منه مقابل الانفتاح على حكومته، ليكون بمثابة سير على حبل شاهق الارتفاع، إذ تُعدّ الولايات المتحدة بالنسبة إلى قسم كبير من المقاتلين المتشدّدين الذين يشكّلون قوات وزارتَي الدفاع والداخلية، «عدوّاً» و«دولة داعمة للكفر». كما أن ثمّة ميلاً وتعاطفاً مع مقاتلي «داعش» الذين كانوا في ما مضى «إخوة» في ساحات القتال، الأمر الذي قد يؤسّس لشرخ مرشّح للتوسّع عند أول مواجهة مستقبلية بين السلطة المركزية وأحد الفصائل، خصوصاً إن استهدف «التحالف» في إحدى عملياته شخصية تحظى بحضور بين الجماعات المتشددة، في ظلّ صعوبة التمييز، في أوقات كثيرة، بين مقاتلي «داعش» الحاليين وقادته ومقاتليه السابقين الذين انضمّ عدد كبير منهم إلى الفصائل.

وتُعدّ الهيكلية الفصائلية الحالية للسلطات الانتقالية أحد أبرز أسباب تأخّر انضمامها إلى «التحالف»، في ما يمكن اعتباره توافقاً بين الطرفين (التحالف والسلطات نفسها) على هذا التأخير. فمن جهة، احتاجت الحكومة الانتقالية إلى فترة تمهيدية قبل الانخراط العلني في أنشطة «التحالف»، وهو ما يفسّر تنفيذ نحو عشرين عملية سابقة من دون إعلان صريح عن هذه الشراكة. أمّا بالنسبة إلى «التحالف»، فبدا أنه احتاج بدوره إلى وقت للتعرّف أكثر إلى طبيعة حليفه الجديد، ما يفسّر اعتماده على فصائل محدّدة، أبرزها «جيش سوريا الحرة» الذي درّبته الولايات المتحدة في قاعدة «التنف» وجرى ضمّه إلى هيكلية وزارة الداخلية.

ورغم حقل الألغام الذي يخلقه انضمام الشرع إلى «التحالف»، تمثّل هذه الخطوة، بالنسبة إليه وإلى تركيا أيضاً، وسيلةً لتسليط ضغوط إضافية على «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، الشريك الأكثر موثوقية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ولربما يدفع ذلك «قسد» إلى التنازل عن بعض مبادئها، ومنها الإصرار على الإبقاء على «الإدارة الذاتية»، خصوصاً أن هذا التحوّل جاء بعد فشل تركيا في إنشاء تحالف إقليمي ضد «داعش» بهدف سحب البساط من تحت «قسد».

بشكل عام، من شأن انضمام سوريا إلى «التحالف» أن يفتح الباب أمام جملة من المتغيّرات المحلية والإقليمية، بما يتوافق مع إعادة التموضع الجديدة للبلاد في عهد ما بعد الأسدَين، كما من شأنه تقديم دفعة للسلطات الانتقالية في تمتين سيطرتها. وفي المقابل، قد يمهّد هذا الانضمام الأرض أمام حرائق عديدة، يبدو أن الرئيس الانتقالي يراهن على الولايات المتحدة في المساعدة على إطفائها.

المصدر: الأخبار اللبنانية

Scroll to Top