عندما كنت اكتب رسالة لوالدي اميل ، كان يعيدها الي مشفوعة بخطوط حمراء تحت بعض الكلمات دلالة على خطأ لغوي وكأن الرسالة هي ورقة امتحان وكأن والدي هو المعلم، فكان يضيف الحواشي على رسالتي، شارحاً ومنبها لكي اتعلم عدم الوقوع بخطأ لغوي مرة أخرى.
تتعدد الرسائل وتتكاثر لدي بعد اعادتها مُصحَّحة، وتوقعت في مرات عديدة ان يرسل لي والدي رسالة يؤكد فيها رسوبي (في مدرسته الأبوية) بمادة اللغة العربية.
في احدى المرات جلس امامي رجلٌ – هو صديق لوالدي – بسنواته التي قاربت التسعين وجعل ينظر اليَّ ثم قال: هل تعرف ان اسمك كان “باسيل” ثم اقام والدك دعوى قضائية لتغييره الى “باسل” ؟
لم اكن اعرف تماما ذلك، ولم يسبق لي ان استفسرت من ابي رحمه الله، عن سبب تسميتي باسل وليس باسيل كما هو اسم جدي.
كان المحامي جورج عريس يستمتع برؤية آثار الدهشة البادية على وجهي، ثم قال لي: بعد ولادتك في دمشق، عاد والدك الى حلب ليسجلك لدى المختار وكتب له اسمك “باسل” إلا ان المختار اعتقد ان والدك اخطأ باسمك بدل اسم “باسيل” الذي هو اسم جدك، فقام بتسجيلك باسم “باسيل”، ولما علم والدك بالخطأ الذي حصل، ونظرا لعدم امكانية تغيير اسمك بعد التسجيل، أصرّ على تغييره عن طريق القضاء، فجاءني مهموماً – وأنا صديقه – ليقول لي ما حدث معه ويطلب مني ان اقوم بالإجراءات القضائية لتغيير الاسم. فاعتقدت انه يمزح وقلت له “اين المشكلة؟؟؟ اسم باسيل وباسل نفس الشيء” فاحتدَّ والدك كثيراً وقال لي: ” كيف نفس الشيء؟ ….ان اسم باسل هو اسم عربي”.
ثم أردف المحامي جورج – رحمه الله – قائلا ومستغربا من تصرفه ” لقد رفعت الدعوى وتم تغيير اسمك من “باسيل” الى “باسل” ولكن الى الان لم افهم سبب اصرار والدك على تسميتك “باسل”
رحم الله الاستاذ “عريس” لأنه لم يفهم ان صديقه “اميل” هو عربي الهوى والقلب واللسان.
هكذا تربيت وهكذا ترعرعت.
والدٌ نَفَتهُ فرنسا الى البوكمال حيث كانت البوكمال منفىً للسوريين المعارضين لها.
احببت لغة الضاد، مع اعترافي بأنني لا املك ناصيتها تماما.
احسست باندماج مع مجتمعي، وكم من صديق لي يحمل اسمي وهو من اخوتنا المسلمين، لكن لم يخطر لي ان الاسماء العربية ليست مقصورة على فئة دون أُخرى، ففي زيارة لي الى حاكمية الفاتيكان “معقل الكاثوليكية في العالم” تفاجأت بالمسؤول عن المكتب الاسلامي في الفاتيكان هو المونسينيور “خالد” وهو فلسطيني مسيحي، وكم من صديق مسيحي في بلاد الشام اسمه “حسن” وكم من مسلم اسمه او لقبه “الياس”.
كان المسيحييون العرب عندما يهاجرون الى دول العالم يضطرون غالبا الى تغيير اسمائهم الى اسماء مقبولة في مجتمعاتهم الجديدة
كم لي من قريب قام بتغيير اسمه
من سهيل الى انطوان
ومن صديق الى جوزيف
في بلادنا – التي اصر على انها بلادنا جميعاً – احببنا اسماءنا العربية، وفي الهجرة قُمنا بتغييرها.
لن اقول لكم كل ما يصلني من اشخاص سكن الخوف قلوبهم.
اتصل بي عدة أشخاص في حلب ونقلوا لي ان جيرانهم اخبروهم ان محلاتهم تم نهبها وسرقتها بعد ان قرأ “بعضهم” اسم “وارطان” او “جورج” وغيرها من الاسماء التي تدل على الانتماء الديني للشخص.
اقول البعض ولا اقول الكل…
وقال لي احدهم انه خلال سفره بالباص من حلب الى طرطوس اوقفهم حاجزٌ وانزلوا الركاب وخلال تفقدهم للهوية – وقد قرأوا اسمه “جورج” – فقال له احدهم “اسمكَ جورج؟؟؟؟ كيف تريد ان نذبحك؟” ثم اردف بعد فترة من الصمت المخيف قائلاً : “انا امزح”
في القرآن الكريم سورة يعرفها جميع اخوتي المسلمين وتدور عن جواب رُسل (الحواريون) السيد المسيح بقولهم في سورة المائدة ” قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون” صدق الله العظيم.
اتوجه الى اخوتي رجال العلم الاسلامي لأنبه الى وجود فئة تتكاثر على الارض السورية نسيت الحديث الشريف للرسول (ص) ” مَنْ نظر الى مسلمٍ نظرة يُخيفُه بها في غير حق، أخافه الله يومَ القيامة ” .
ويسألوني بعد ذلك “أستاذ…ماذا؟ هل نهاجر؟؟؟؟؟”
وأصمت
وسأبقى افتخر باسمي العربي “باسل”
الله اشهد اني بلغت
*المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سورية
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=49947