ما أن أدخل إلى باحة مسجد الروضة في حلب، حتى يحييني هذا ويسلم علي ذاك ويصافحني الثالث وهكذا حتى أصل الى المسجد، فأدخل حافيا وأنا أسلم بايماءة من الرأس على البعض، ثم اتربع أمام درج المنبر منتظرا سماحة الشيخ أحمد بدر الدين حسون مفتي سورية – عندما يأتي إلى حلب – ليبدأ خطبة الجمعة.
أنسى الزمن مع كلامه، لأني لا أشعر بمرور الوقت، حتى انتهاء الخطبة.
هذا الأمر قد يكون عاديا لأي مسلم، ولكنه غير عادي بالنسبة إلى مسيحي.
منذ سنوات كنت مع شخص مسيحي آخر نستمع إلى الخطبة، وهذا الشخص كان المصري الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وبما أنه لم يكن معتاد مثلي على التربع أرضا، فقد جلسنا في السدة العلوية، وكنت انتبه أنه كان مبهورا بكلمات سماحته، لكنه لم يتوقع أن يدعوه بعد الخطبة لإلقاء كلمة.
أذكر تماما جملته الأولى عندما قال أنه خطب من أعلى منابر في العالم لكنها المرة الأولى التي يخطب في الجامع، مع العلم أن مساجد القاهرة كثيرة جدا، إلا أن أحدا لم يدفعه اليها، وأن هذه هي المرة الأولى التي يتكلم بها في المسجد، والفضل يعود إلى مفتي سورية.
لم يكن من الغريب أن يحضر مسيحي خطبة الجمعة، في مسجد من مساجد سورية.
عندما كنت في باريس نهاية العام ٢٠١٨، لأشارك في مؤتمر حول دعم مسيحيي الشرق، كنت أمثل مفتي سورية، وقد أستغرب الجميع وسأل البعض، لمذا ارسل مفتي سورية مسيحيا ليمثله؟
هل هي نوع من الإثارة الإعلامية؟
فأجبتهم بأن سماحته قال لي بأنني لا أمثل المسلمين فقط بل أنا أمثل كل سورية، ثم قلت لهم: هذا هو الإسلام السوري وهذا ما تعلمته من سماحته، فضجت القاعة بالتصفيق.
ليس غريبا في سورية أن ترى مسيحيا في خطبة الجمعة
ليس غريبا على الإسلام السوري أن يدعوك إلى الإيمان.
ليس غريبا من الاسلام السوري أن يدافع على جناحه الآخر المسيحية عندما تتعرض للضغوط من أجل الهجرة.
ينتظر المسيحيون كلمات مفتي سورية الذي يأتي إلى الكنائس في راس السنة الميلادية وفي مناسبات أخرى مخاطبا ومهنئا شركائه في الوطن.
هذا هو الإسلام بنسخته الشامية، الذي خلقه تعالى في أحسن تقويم،
ليس غريبا أن يحضر المسيحيون خطبة الجمعة ويحضر المسلمون احتفالات الكنائس.
لأنه الإنسان أحمد حسون
لأنها سورية
اللهم اشهد اني بلغت
*المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سورية
تموز نت
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=1823