بصراحة تامة؛ سوريا بين التقسيم الطائفي ودولة وطنية لا مركزية

بير رستم

قرأنا وسمعنا كثيراً خلال الحرب السورية الخطاب الطائفي ومن جهات عدة، لكن ما يحصل مؤخراً بات تجسيداً حقيقياً لتقسيم البلد وفق هذا الخطاب الطائفي حيث سلم الشمال السوري بمحافظاته الثلاث؛ حلب، إدلب وحماة لجماعات إسلامية راديكالية بحيث يمكن تسميته بتشكيل “إقليم سني” في الشمال تحت النفوذ التركي الإخواني الإسلامي، ولا تنسوا بأن هذه المحافظات الثلاث كانت في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات مسرح العمليات الإخوانية ضد سلطة البعث. وهكذا أصبحت سوريا مقسمة بين ذاك الإقليم السني في الشمال الغربي، بينما الشمال الشرقي هناك مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، يلعب الكرد دوراً مهماً فيه وتحت النفوذ الأمريكي، بينما في الساحل وصولاً لدمشق النظام “بصبغة علوية” تحت النفوذ الإيراني الروسي، وربما يصبح الجنوب إقليماً هو الآخر بهوية درزية وبحماية إسرائيلية.

وبالتالي باتت سوريا مقسمة بين أربعة أقاليم وأربع قوى أمر واقع على الأرض وهذه من مصلحة عدد من القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها إسرائيل حيث لا تريد دولة عربية على حدودها مثل سوريا، بل عدد من الدويلات بينها صراعات ونزاعات طائفية دينية وقومية، طبعاً القوى الإقليمية الأخرى وبالأخص؛ تركيا وإيران، تتنازعهما هدفان إستراتيجيان على طرفي نقيض حيث من جهة تريد كل دولة لها إرثها الاستعماري الكولونيالي أن تتمدد على حساب الأخرى وخاصةً بعد إضعاف إيران وضرب أذرعها في المنطقة حيث تجدها تركيا فرصة سانحة لتحل محلها في كل من سوريا والعراق بالأخص، لربما تحيي “الميثاق الملي” بضم محافظتي موصل وحلب ومعهما جنوب وغرب كردستان لنفوذها! وأيضاً يضاف عليها النزاعات الطائفية بين البلدين حيث صراع المذهبين الشيعي والسني، لكن ما يجعل البلدين أن يضبطا إيقاع النزاع بينهما هو الموضوع الكردي حيث المزيد من الصراع وتقسيم جغرافية سوريا، وقبلها العراق مع بروز دور كردي فيهما، يعني بالضرورة امتداد النيران لداخل جغرافية البلدين حيث الامتداد الأكبر لجغرافية كردستان المحتلة من قبل تركيا وإيران.

وبالتالي وإنطلاقاً مما سبق يمكننا القول: بأن سوريا والمنطقة عموماً أمام أحد سيناريوهين لا ثالث لهما؛ إما دويلات طائفية مذهبية دينية إثنية متصارعة ولن يقتصر الأمر على سوريا والعراق، بل سيمتد لكل من إيران وتركيا، أو دولة اتحادية لا مركزية “ديمقراطية” بالمعنى التشاركي والتعددية السياسية وليس بالمفهوم السياسي الليبرالي، والعامل الأساس أو لنقل “اللاصق” في الدولة الوطنية اللامركزية أو “الديناميت” في تفتيت هذه الدول هو العامل الطائفي والإثني، فإما تتوافق مكونات هذه الدول على مشروع وطني يضمن حقوق كافة مكوناتها؛ عرباً وكرداً وفرساً وأتراك، سنة وشيعة وعلويين ودروز ومسيحيين وباقي الطوائف والمكونات، أو تذهب المنطقة إلى تقسيمات جيوسياسية جديدة لنشهد ولادة عدد من الدول، كما حصل الأمر مع أوروبا الشرقية مع نهاية الألفية السابقة.

يعني وباختصار لم تعد إمكانية إعادة أوإستمرار النظم السياسية المركزية ذات الحزب والعلم والطائفة والقومية الواحدة وبات الكرد رقماً أساسياً في معادلات المنطقة وسيكون لهم حصتهم في سياساتها وإدارتها وينالون حقوقهم إسوةً بباقي شعوب المنطقة، إن كانت في دول وطنية فيدرالية اتحادية أو من خلال ولادة عدد من الاقاليم والدويلات الكردية تحت مسميات متعددة، كما حصل الأمر مع العرب مع بداية الألفية السابقة، أما أن تبقى الأوضاع كما في السابق مع دول مركزية يحكمها قومية وأيديولوجية واحدة، فقد باتت من الماضي وكذلك لن تكون هناك أفغانستان وحركة طالبان في هذه الدول حيث التنوع الثقافي والإثني والديني لا يسمح بإعادة التجربة الأفغانية في مشرقنا الجغرافي.