بعد عام على سقوط الأسد في سوريا، نساء علويات يواجهن الخطف والاغتصاب

وكالة أسوشيتد برس ⁦ AP⁩

‏اللاذقية، سوريا — كانت المرأة، وهي من الطائفة العلوية في سوريا، تسير إلى منزلها في يومٍ مشمس من أيام يوليو في بلدتها على الساحل المتوسطي، عندما أوقفها ثلاثة مسلحين واقتادوها إلى داخل شاحنتهم. كانت تلك بداية أسبوع من العذاب.

‏نقلوها إلى مدينة في شمال سوريا تبعد ثلاث ساعات، حيث حبسوها في غرفة داخل مبنى مهجور. وعلى مدى الأيام التالية، تعرّضت للاغتصاب مرتين، بحسب ما روت لوكالة أسوشيتد برس.

‏قالت إن أحد المغتصبين قال لها: «أنتنّ يا نساء العلويين وُلدتنَّ لتصبحنَ سبايانا»، مستخدمًا مصطلحًا عربيًا شائعًا بين المتطرفين السنّة لوصف النساء اللاتي يؤخذن في الحروب كسبايا جنسيات. المرأة، في منتصف الثلاثينيات، أدلت بشهادتها بشرط عدم كشف هويتها خوفًا من الانتقام.

‏منذ سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد قبل عام، تعرّضت عشرات النساء من الطائفة العلوية — التي ينتمي إليها الأسد — لعمليات خطف واعتداءات جنسية، بحسب منظمات حقوقية. وفي كثير من الحالات، يبدو أن الهجمات ارتكبها متطرفون سنّة وجهاديون بدافع الكراهية الطائفية.

‏وقد أثار ذلك شكوكا بأن بعض المنفّذين من حلفاء هيئة تحرير الشام أو حلفائها السابقين، وهي الجماعة الإسلامية المسلحة التي أطاحت بالأسد وكان يقودها أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت حاليًا. فقد قاتل إلى جانب هيئة تحرير الشام خلال سنوات الحرب الأهلية السورية مقاتلون جهاديون أجانب ومتطرفون سوريون.

‏تقول منظمات حقوق الإنسان إن الهجمات على النساء العلويات تبدو أفعالًا فردية وغير منهجية. لكن نشطاء حقوقيين وضحايا يؤكدون أن السلطات السورية الجديدة لا تقوم بما يكفي لوقف هذه الاعتداءات. واستجابةً للغضب الشعبي، أنشأت الحكومة لجنة للتحقيق في حالات الخطف المبلّغ عنها، لكنها قالت إنها وجدت معظمها ادعاءات كاذبة.

‏وتقول أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، إن عمليات الخطف «لا يمكن إنكارها».

‏وأضافت: «لا يمكن تجاهل المشكلة لمجرد أنها مزعجة أو لأنها تقوّض رسالة السلطات وصورتها».

‏ولم يردّ المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية على الأسئلة المتكررة بشأن هذه الاعتداءات.

‏أجرت وكالة أسوشيتد برس مقابلات مع امرأتين تعرّضتا للاغتصاب وامرأة تعرضت للخطف، إضافة إلى أفراد من عائلات أربع ضحايا أخريات، شملت الاعتداءات في ثلاث حالات منها الاغتصاب. تحدث الجميع بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، خوفًا من الانتقام. وقالت إحدى النساء إنها تخشى ألا توفر لها السلطات الحماية، وطلبت لاحقًا من الوكالة عدم ذكر روايتها.

‏قالت كل النساء والأقارب الذين تمت مقابلتهم إنهم أبلغوا قوى الأمن عمّا جرى، وإن السلطات أخذت إفاداتهم. ولم يتضح ما إذا كانت السلطات قد تابعت التحقيق أو أجرت أي اعتقالات.

‏مشكلة «لا يمكن إنكارها»

‏ذكرت منظمة العفو الدولية في وقت سابق من هذا العام أنها تلقت تقارير موثوقة عن اختطاف ما لا يقل عن 36 امرأة وفتاة علويات بين فبراير ويوليو. وقعت عمليات الخطف في معقل الطائفة العلوية، في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، وفي حمص وحماة المجاورتين.

‏وعلى الرغم من أنها أقل بكثير من حيث الحجم، إلا أن هذه الاعتداءات تعيد ذكريات مظلمة عن استعباد تنظيم الدولة الإسلامية آلاف النساء الإيزيديات قبل عقد من الزمن في العراق. فبعض المتطرفين السنّة يعتبرون العلويين «زنادقة» ويعتقدون أن أسر نسائهم واستعبادهن جائز دينيًا. فيما استهدف آخرون العلويين انتقامًا من الفظائع المرتكبة بحق السنّة خلال حكم عائلة الأسد الذي دام 54 عامًا، والذي تخلله انتشار واسع للعنف الجنسي ضد النساء في مراكز الاعتقال.

وتصاعدت الهجمات ضد النساء منذ مارس، عندما تحولت اشتباكات بين مؤيدي الأسد وقوات الأمن إلى فظائع طائفية قُتل فيها مئات المدنيين، معظمهم من العلويين على يد مقاتلين موالين للحكومة.

‏حققت لجنة وزارة الداخلية في 42 حالة خطف مزعومة، لكنها لم تجد سوى حالة واحدة حقيقية، وفقًا لما قاله المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا منتصف نوفمبر. وذكر أن بقية الحالات كانت ادعاءات كاذبة أو حالات هروب نساء مع شركاء رومانسيين أو فرار من العنف الأسري أو قضايا ابتزاز أو دعارة — دون تقديم أدلة.

‏يقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن تقرير الوزارة «لا علاقة له بالواقع».

‏«خوف مستمر»

‏قالت المرأة التي اختُطفت في سيارة فان إن خاطفيها الثلاثة كانوا سوريين ويرتدون زيًا أسود، لكنها لم تستطع رؤية أي شارات مميزة. وخلال الطريق مروا بعدة حواجز أمنية لكنهم مُرّروا دون تفتيش.

‏قالت إن عشرات المسلحين كانوا داخل المبنى الذي احتُجزت فيه. «شعرت أن الأمر انتهى، وأنني سأموت. لم أكن أتوقع أن أعود أبدًا»،قالت.

‏في اليوم الثالث، اغتصبها رجل مقنع. لاحقًا، وصل رجل يُدعى أبو محمد — هكذا كان يناديه المسلحون — وأمر بإطلاق سراحها قائلًا إن خطفها أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي اليوم التالي، اغتصبها رجل مقنّع آخر، ولم تستطع معرفة ما إذا كان نفسه.

‏بعد أسبوع، تركها المسلحون في قرية بمحافظة حماة. وجدتها امرأة وأدخلتها منزلها، حيث اتصلت بقريب لها.

‏بعد عودتها إلى منزلها، زارت طبيبة نسائية، واكتشفت أنها حامل. وتمكنت من إجراء عملية إجهاض رغم أن الإجهاض غير قانوني في سوريا.

‏زوجها قبل ما حدث بدايةً، لكنه غيّر رأيه بعد أيام وقرر تطليقها وتزوج امرأة أخرى. «لم يكن رجلًا على قدر المسؤولية»، قالت.

‏وهي الآن تعيش مع ابنها الصغير، وتقول إنها تريد مغادرة سوريا.

‏«أعيش في خوف مستمر»، قالت.

‏مقاتلون أجانب

‏قالت امرأة أخرى إن اثنتين من قريباتها، إحداهما مراهقة، اختطفهما مقاتلون أجانب من الشارع في مارس. ووفقًا لروايتها، احتُجزت الفتاتان في قبو منزل يبعد عدة ساعات، حيث تعرّضت المراهقة للاغتصاب على يد الرجل نفسه لمدة عشرة أيام. أما الأخرى، فتعرضت للاغتصاب من شخص آخر لمدة شهرين تقريبًا قبل إطلاق سراحهما.

‏ضحية أخرى، تبلغ 19 عامًا، قالت إنها خُطفت في أوائل يوليو على يد ثلاثة مقاتلين أجانب مقنّعين — عراقي واثنان غير عربيين.

‏قال لها أحدهم: «أنتم يا علويين كفار قذرون». وعندما توسلت إليه وطلبت الرحمة، ضرب رأسها بزجاج السيارة حتى سال الدم.

‏احتُجزت في قبو منزل العراقي. هدّدها بالقتل إن لم تدعه يلمسها. وعندما بدأت بالصراخ، غادر خوفًا من أن يسمعه الجيران.

‏قالت إنها حاولت قتل نفسها بكسر زجاج وقطع وريدها، لكن الجرح لم يكن عميقًا بما يكفي.

‏في اليوم التالي، قال لها العراقي إن «أميره» قرر إطلاق سراحها «بشرط أن تتعلمي الإسلام». وفي الصباح التالي، وضعها في السيارة مع زوجته وأطفاله. وأثناء الطريق، طلب منها ألا تخبر الناس أنها اختُطفت، بل تقول إنها خرجت لتتعلّم الإسلام. ثم توقف واشترى لها حلوى قبل أن يتركها في كراج سيارات في مدينة إدلب.

‏بعد عودتها إلى المنزل، جاء محقق من الدولة وسألها عما حدث. وتمكّنت من التعرف على العراقي من خلال تسجيل كاميرات المراقبة في محل الحلوى. لكن لا يُعرف إن كان قد اعتُقل، ولم تُعلّق السلطات على ذلك.

‏وبسبب خوف الأسرة من الانتقام، غادرت سوريا.

 

Scroll to Top