بعد انهيار الدولة العثمانية وهزيمة دول المحور أو المركز أمام الحلفاء ودخول القوات الأخيرة لم كانت تسمى بمناطق “الخلافة العثمانية” ومن ثم تقسيم تركة الرجل المريض على القوى الاستعمارية الجديدة الأوربية، فكانت سوريا من حصة فرنسا كدولة انتداب وقد دخل الجنرال غورو في 24 تموز عام 1920 بعد هزيمة الجيش السوري في معركة ميسلون وبالتالي إنهاء حكم الملك فيصل بن الحسين والذي كان شكل مع نخبة سورية وعربية عام 1918م المؤتمر الوطني السوري والذي بدوره سن مشروع دستور للملكة السورية، طبعاً النفوذ الفرنسي والأوربي كدول انتداب تعود حتى قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ أي لقبل عام 1918 ولكن بعد ميسلون باتت سوريا تحت الاحتلال العسكري الفرنسي وانهاء لمشروع الدولة السورية.
دخول القوات الفرنسية لسوريا جعلت تركيا وعلى رأسها مؤسس الجمهورية التركية؛ “كمال أتاتورك” مع ضباط جيشه، للإسراع باستغلال الصراع الذي بدء بين النخبة السورية والحكومة الفرنسية، فأرسلت ضابطاً استخباراتياً لديها لقيادة حركة مقاومة في المناطق الكردية المتاخمة لحدودها، وتحديداً في منطقة عفرين، سميت فيما بعد ب”حركة المريدين” تحت قيادة ذاك الضابط التركي الذي عرف فيما بعد ب”شيخ أفندي” أو “الشيخ إبراهيم خليل” حيث يعرفه الصديق الباحث؛ دلدار ميتاني، في إحدى مقالاته حول الموضوع، فيقول التالي: “أبراهيم خليل (1901-1952) انه الضابط في الجيش التركي شارك برتبة عريف في قتال ثورة ’’ شيخ سعيد بيران ’’ ثم أرسل في مهمة مخابراتية كبيرة إلى منطقة عفرين وشكل حركة المريدية المسلحة لقتال الجيش الفرنسي عام 1938 وتحرير عفرين وضمه لتركيا على أن تركيا دولة مسلمة و مصطفى أتاتورك يريد إعادة الخلافة الإسلامية العثمانية وفرنسا دولة كافرة”.
ما دفعنا لإعادة استذكار ما سبق بخصوص الحركة المريدية؛ “حركة شيخ أفندي” هو ما تقوم بها تركيا مجدداً في مناطق عفرين تحديداً حيث وبعد الضخ الإعلامي التركي مع بداية احتلالها للمنطقة، بأن من يسكنون فيها، ويقصد كرد عفرين، هم “كفار” وليسوا بمسلمين وخروج العشرات من أئمة المساجد في تركيا والترويج لهذه الدعاية الاستخباراتية بحيث جعلت الكثيرين من المرتزقة يصدقون هذه الكذبة وتفاجأوا عندما وصلوا للمنطقة وذلك بعد احتلالها من قبل تركيا والميليشيات الإسلامية التابعة لها حيث وجدوا بأن أهلها مثلهم في عقيدتهم وإيمانهم وبأن هناك الجوامع في كل قرية عفرينية، مما جعل الكثيرين يتساءلون عن سبب الترويج لتلك الكذبة وقد صرح العديد منهم بذلك، بل هناك من أفشى بعض الأسرار وقال؛ بأن القادة الأتراك وبعد أن تم ضخ تلك الدعايات عن “الكفر” في عفرين، طلب منهم “غزوها وفتحها” وبأن “حلال لهم ما يفعلون بعفرين وأهلها من سلبٍ ونهب” ولذلك وجدنا حجم الانتهاكات والجرائم الفظيعة وقد أكد البعض من أولئك بالتصريح قائلاً؛ بأن “لو ينفذوا حرفياً ما قيل لهم من قبل قادة أتراك، لم بقي كردياً عفرينياً واحداً بالمنطقة”؛ أي بمعنى إنهم كانوا “أرحم” من القادة الأتراك وما طلب منهم ليرتكبوا من جرائم بحق الكرد في عفرين.
وهكذا وبعد أن باتت المنطقة تحت الاحتلال التركي الميليشاوي الإسلاموي، فإن تركيا تركت المنطقة في حالة فوضى أمنية ولغايات في أنفس دائرة الحرب الخاصة للميت التركي حيث باتت المنطقة عبارة عن إمارات إسلامية ميليشاوية، وكأن كل إمارة دويلة، يتصرف بها “أميرها” كما يريد؛ يعتقل من يعتقل ويجبي من الخوة والضرائب ما يشاء، مما دفع الكثيرين لبيع ما تبقى من أملاك وعقارات، خوفاً من تلك الضرائب المجحفة، ناهيكم عن السرقات والابتزاز بعد الخطف والاعتقال والاستيلاء على أملاك كل من هو خارج المنطقة وتحت ذريعة وحجة واحدة؛ “الولاء للإدارة الذاتية والعمل معها”! والمفارقة أن هؤلاء من مدعي “الثورة” لا يهمهم إن كنت قد خدمت النظام طوال حياتك حتى في أجهزتها الأمنية، لكن فقط لو إنك كنت وقفت -ولو غصباً عنك- على إحدى الحواجز أيام الإدارة الذاتية، فإذاً أنت ضد ثورة اللصوص ويحق لهم الاستيلاء على ممتلكاتك وعقاراتك.. وبعد كل هذا وذاك وتدمير المنطقة تماماً وتدمير حتى بيئتها الطبيعية بعد تدمير غاباتها ونهب ثرواتها حتى الباطنية والثقافية من آثار وترحيل وتغيير ديموغرافيتها السكانية، فها هي (أي تركيا) تحاول أن تزرع الخلايا الداعشية بالمنطقة وذلك في محاولة منها لغسل دماغ من تبقى هناك من الكرد.
وبالمناسبة سبقت وأن قامت تركيا في المناطق التي تحتلها في الجزء الشمالي من كردستان، بعملية غسل دماغ لشعبنا هناك وذلك عبر بناء الجوامع وكتاتيب تعليم القرآن والمزارات وتجنيد رجال الدين من شيوخ الطريقة النقشبندية والرفاعية حيث وبالرغم من “علمانية أتاتورك والجمهورية التركية الحديثة”، إلا أن ما يميز المناطق الكردية في تركيا هي كثرة الجوامع حيث أي زائر لتلك المدن الكردية يلاحظ العدد الكبير من الجوامع بحيث يذكرك بالمثل الديري الذي يقول؛ بأن “بين كهوة وكهوة بي كهوة”؛ أي بين مقهى ومقهى هناك مقهى.. وهكذا تجد في مدن كردستان ب”تركيا” بين كل (جامع وجامع هناك جامع) وإن تركيا تمارس نفس السياسة اليوم في عفرين حيث بناء العديد من الجوامع، بدل الجامعات في عفرين، بل وإعادة إحياء عدد من المزارات؛ منهم مزار إبراهيم خليل نفسه في نبي هوري، وكذلك أصحاب الطرق الصوفية الدينية مثل ما يروّج مؤخراً لأحد مدعي المشيخة الصوفية باسم “الشيخ عزيز الرفاعي” وفتح مراكز له في تركيا وعفرين حيث أصبح له الآلاف من المريدين، كما يدعي، والغاية معروفة طبعاً؛ ألا وهي ابعاد الكرد عن حركتهم الوطنية وقضاياهم القومية بالانشغال بالدين.
طبعاً غايتنا ليس التهجم على الدين ورجالاتها ولا حتى المدعو “شيخ عزيز” هذا حيث بالأخير لكل شخص قناعاته الفكرية والدينية ونعتبر الإسلام مثله مثل أي دين آخر؛ بوذي، مسيحي، يهودي أو زردشتي، لكننا ضد استخدام الدين لغايات سياسية وبالأخص عندما يراد منه استغباء شعب آخر حيث نعلم تمسك تركيا وقيادتها السياسية ب”تركية” (تركيا)، بل يتحالف أردوغان؛ “زعيم السنة” مع أكثر الأحزاب التركية القومية الراديكالية العنصرية في الحكومة وإدارة البلاد وتركيا تقود مجموعة الدول الناطقة بالتركية وما زالت تعمل بدستور أتاتورك “العلماني” والأصح القومي العنصري الذي يعتبر كل من يقيم في (تركيا) هو “تركي” وبأن هناك فقط “اللغة والشعب والعلم الواحد؛ ألا وهو التركي”، وإضافةً على ما سبق تمنع حتى الغناء بالكردي في شوارع استانبول، ناهيك عن التراجع عن بعض الحقوق مثل التعلم باللغة الكردية في المدارس.. الخ ومن ثم تأتي بعد كل هذا وذاك وتقول وتدعي بأننا “أخوة في الإسلام” فهو ضحك ومسخرة واستغباء لذاك الكردي الساذج الذي يصدق مثل هذه الأقاويل والأكاذيب حيث لو كان أردوغان صادقاً في تلك الادعاءات؛ إذاً بعطي الكرد حقوقهم، كما هي للأتراك، ولا نقول بالتفاوض مع حزب العمال الكردستاني، بل من خلال هؤلاء من مدعي “المشيخة” أو من خلال أعضاء برلمانيها من حزبها أنفسهم؛ حزب العدالة والتنمية حيث هناك أكثر من سبعين نائب من أصول كردية في ذاك الحزب الذي يتزعمه أردوغان، فليحل القضية الكردية من خلالهم إن كانوا صادقين، أما أن تمارس “التركية” وبعنصرية وتأتي تطلب من الكردي أن يكون أخوك في الإسلام فأنت تستغبيه ولا تؤاخيه أيها الفاشي.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=38379