الخميس, يناير 23, 2025

تداعيات الصراع التركي الأمريكي على مستقبل القضية الكوردية

د. محمود عباس

الصراع بين تركيا والدولة العميقة في الولايات المتحدة يتفاقم، خاصة بعدما تمكنت أمريكا من تقليص النفوذ الروسي في الساحة السورية، وهو النفوذ الذي استغلته تركيا لصالحها وأظهرت وكأنها هي من حقق هذا الإنجاز، فبدأت تسعى إلى إخراج أمريكا أيضًا من المعادلة عبر استهداف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تعد الحليف الأبرز للولايات المتحدة في المنطقة، ومن ثم التفرد بالسيطرة على سوريا.
من المحتمل أن يشهد الوجود التركي في المنطقة تحولًا جذريًا، خصوصًا مع التسريبات المتعلقة بخطط إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، والتي تتضمن تركيا بشكل مباشر. تدرك أنقرة هذه المخاطر، ولهذا تحاول بشكل استباقي ودفاعي التصدي للقوى التي تراها جزءًا من هذا المشروع، أو أنهم أدواتها، بما في ذلك إسرائيل والقوى الكوردية.
لا شك أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة، التي تحدد استراتيجيات الإدارة الأمريكية الحالية، تعمل على مواجهة التوسع التركي، ما يظهر من اهتمام الإعلام السعودي، مثل قناة العربية، بالإدارة الذاتية ومستقبل الحكومة السورية الانتقالية، بحيث لا تنزلق إلى التطرف الإسلامي، يعكس محاولات أمريكية للحد من الهيمنة التركية في سوريا والمنطقة العربية. تقف خلف هذه التحركات مؤسسات أمريكية قوية، مدعومة من دول التحالف الدولي المتواجدة في غربي كوردستان، المتحالفة مع الإدارة الذاتية.
تركيا، بسياساتها الحالية ودعمها المتزايد للمنظمات الإسلامية المتطرفة تحت مسميات مختلفة، تحفر قبرها بيدها، لن تتمكن من تفادي المصير المحتوم الذي قد ينتظرها، والطريق الوحيد للخلاص ربما يكمن في تطبيق نظام فيدرالي داخل تركيا، مع الاعتراف الكامل بالكورد وقضيتهم ضمن الدستور التركي، وإلا، فإن خطر التقسيم سيلاحقها عاجلًا أم آجلًا، وقد نشهد عودة إلى مخططات شبيهة بمعاهدة سايكس بيكو، التي كانت تقصر تركيا على منطقة محيطة بأنقرة.
يدرك أردوغان وبقايا الدولة التركية العميقة هذه الحقائق، لكن السؤال هو: هل سيواجهون هذا المخطط بنفس أسلوب كمال أتاتورك، الذي استفاد حينها من الصراعات الدولية والخلافات بين دول المعاهدة، وظهور الإتحاد السوفيتي، حول مصير الإمبراطورية العثمانية؟ أم أنهم يعلمون أن الظروف اليوم مختلفة، وأن أمريكا هي المهيمنة؟ المصالح الأمريكية تقتضي ألا يكون هناك منافس قوي لها، وتركيا، رغم أهميتها في حلف الناتو، قد لا تتمكن من النجاة من مصير كارثي.
تركيا تفهم أن الشرخ المتزايد مع روسيا، والتوجهات الجديدة التي يخطط لها ترامب للناتو، تهدف إلى تقليص النفوذ التركي ومنعها من ممارسة إملاءاتها. هذا يقزم الدور التركي في المنطقة ويضعه تحت سيطرة الدولة العميقة الأمريكية.
السؤال المطروح هو: هل سيتعظ أردوغان ويعيد التفكير في سياساته؟ هل سيحاول إنقاذ تركيا عبر الاعتراف بالشعب الكوردي وقضيتهم؟ الكورد شعب يمتلك طاقة خام لا يستهان بها في الشرق الأوسط، ويمكن أن يكونوا عامل استقرار بدلًا من أن يكونوا هدفًا للسياسات التركية العدائية.
في النهاية، تبقى كلمات ترامب الودية تجاه تركيا متناقضة مع أفعاله وما تخططه الدولة العميقة الأمريكية، التي هي في الأساس صنيعة النظام السياسي الأمريكي نفسه.

الولايات المتحدة الأمريكية

21/1/2025

شارك هذه المقالة على المنصات التالية