الخميس, فبراير 27, 2025

ترامب يهمّش تركيا أيضاً: لا مكان لكم في «السلام الأوكراني»

محمد نور الدين

كانت تركيا أولى الدول التي سعت إلى التوسُّط بين روسيا وأوكرانيا، بفعل العلاقة الجيّدة التي جمعتها بطرفَي الحرب. ولهذا الغرض، رفضت الالتزام بالعقوبات الاقتصادية الغربية ضدّ الروس في أعقاب غزو أوكرانيا عام 2022، فكان لموقفها وقْعٌ حسن لدى موسكو، التي شكّلت أنقرة، بالنسبة إليها، نافذة مهمّة للتخفيف من آثار العقوبات. ومع ذلك، لم ينجح الدور التركي في إيصال جهود المصالحة إلى خواتيم ناجحة، بالنظر إلى أن المسألة تتجاوز حجم تركيا وقدرتها على التأثير.

هكذا، تراجع الدور التركي الوسيط كثيراً مع الوقت، وصولاً إلى اختيار السعودية وليس تركيا مكاناً للمباحثات الأميركية – الروسية، ما أثار استياء أنقرة ضمنياً، وذلك بعدما راهن الرئيس رجب طيب إردوغان (ولا يزال) على المديح الذي كاله دونالد ترامب له إثر سقوط نظام الأسد. ولم تكن زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء الماضي، إلى أنقرة للقاء إردوغان، سوى محاولة عبثية لتغيير مسار خطّة ترامب، الذي استبعد كييف، كما الاتحاد الأوروبي، بشكل كامل من محادثات الرياش، إلى درجة أن أوساطاً متعدّدة اعتبرت أن الرئيس الأميركي شنّ الحرب الثانية على أوكرانيا، بعدما كان بوتين بدأ الأولى.

والجدير ذكره، هنا، أن عوامل الصفقة بين موسكو وواشنطن، وما إذا كانت لها علاقة بسقوط نظام الأسد على قاعدة «سوريا مقابل أوكرانيا»، قد لا تتّضح قريباً، خصوصاً أن الأنباء تشير أيضاً إلى خطّة أميركية لنهب الثروات الأوكرانية.
وعلى أي حال، فإن الإعداد جارٍ لمحادثات ثنائية مباشرة تقتصر على واشنطن وموسكو، وتستبعد بروكسل وكييف نفسها، وتهمّش دوراً تركياً كانت تتحمّس له أنقرة. ولم تغيّر كثيراً في الأمر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى تركيا، قبل يومين، والتقى خلالها إردوغان، إذ تقول صحيفة «حرييات» إن الوزير الروسي وضع الأتراك في جوّ المحادثات مع الأميركيين، وربّما نقل رسالةً من بوتين إلى إردوغان حول الوضع في سوريا.

لكن ذلك لم يكن كافياً لئلّا يُستفزَّ الرئيس التركي، الذي أعلى الصوت، أولَ أمس، حين قال بعد اجتماع حكومته إن «تصميم ترامب على إنهاء الحرب في أوكرانيا أمر إيجابي، ولكن من أجل أن يكون الحلّ عادلاً وبنّاءً، يجب أن تشارك أوروبا وأوكرانيا في مفاوضات الحلّ». كما استغلّ التطوّرات الجارية للتذكير بأن «أوروبا التي شاخت، لا يمكن أن تنقذ نفسها إلا بالعضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يعترف بهذه الحقيقة. وحدها تركيا تحرّر أوروبا».

ووفق ما يرى الكاتب التركي، مراد يتكين، فإن ترامب «لا يريد أن يقاسمه أحد الدور الرئيسي في الساحة المتّصلة بالمسألة الأوكرانية. أمّا بوتين فهو منزعج من إردوغان الذي لم يترك حصّة لروسيا في سوريا، علماً أن كل التدخلات العسكرية التركية في سوريا بعد عام 2016، لم تكن لتحصل لولا الضوء الأخضر الروسي». ويضيف يتكين أن الرئيس الروسي «ينظر إلى تركيا على أنها في خندق أوكرانيا، نظراً إلى أنها في النهاية بلد أطلسي. والاثنان، بوتين وترامب، متّفقان على استبعاد أوروبا من المسرح». ويتابع الكاتب أن «بوتين، وبدعم كامل من ترامب، بات في موقع الرابح في أوكرانيا، ولا سيما أن وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيت هيغسيث، قال في اجتماع لحلف شمال الأطلسي إن “عودة شبه جزيرة القرم إلى ما كانت عليه قبل غزو روسيا لها عام 2014 وضمّها إليها، وتحول أوكرانيا إلى عضو في الأطلسي، أمران ليسا واقعيَّين”». وبذلك، فإن «واشنطن تعترف بضمّ القرم ومقاطعتَي دونيتسك ولوغانسك إلى روسيا. والآن يتعهّد ترامب بالدفاع عن أوكرانيا المتبقية مقابل مناجم المعادن الثمينة في الأراضي الأوكرانية»، بحسب يتكين.

من جهته، يرى محمد أوغيتشي أن «سياسات ترامب الواقعية لكن العدوانية، تحمل لتركيا الفرص والمخاطر. ترامب يعرض خريطة جديدة للعالم، وعلى تركيا أن تبحث عن موقعها في هذه الخريطة، وأن تعيد تشكيل دبلوماسيتها على هذا الأساس». وبحسب الكاتب، فإن الإشارات الواردة من واشنطن تعرض «مرحلة عسلية» في العلاقات الأميركية – التركية، يكون إردوغان فيها «مفتاحاً في الإستراتيجية الأميركية في المناطق المحيطة بتركيا»، ولا سيما أن «هناك كيمياء مشتركة بين ترامب وبوتين وإردوغان يمكن أن ينتج منها ما هو مفيد. ويجب على أنقرة أن تستفيد من نافذة الفرص هذه، شرط أن تتخلّى عن سياسات التوتير الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».

أما الجنرال المتقاعد المعروف، نجاتي إيسلين، فيرى أن «ترامب يريد جذب روسيا إلى جانبه، ومنع بريكس من تحقيق أهدافها، والتخفيف من ثقل أوروبا، ومحاصرة الصين التي لن تكون منافساً بل عدواً تنتظره حرب باردة قاسية. وفي الشرق الأوسط، يريد ترامب تشكيل خريطة تنسجم مع الأهداف الإسرائيلية». ويلفت إلى أن لروسيا علاقات جيدة مع الصين، إذ «تسعى معها نحو عالم متعدّد الأقطاب، كما أن لها علاقات جيدة مع ترامب، وهنا يمكن أن تتحوّل روسيا إلى بلد يحقّق التوازن بين الولايات المتحدة والصين».
وعن تركيا، يقول إيسلين إنها «ستكون أمام مرحلة فوضى جديدة في العالم والمنطقة.

وستكون أمام المخاطر الناشئة من الفراغ الحاصل في سوريا مع وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، وأمام مخاطر الدعم الأميركي – الإسرائيلي للجيوبوليتيك الكردي، وأمام السعي بين خيار أن تكون مؤسسة للعبة وبين ثنائي الإرهاب: حزب العمال الكردستاني وأحمد الشرع!»، فيما يرى إبراهيم كيراس، في صحيفة «قرار»، أن «أوكرانيا وقعت ضحية عدم قدرتها على مقاومة روسيا، وعدم دخولها في الأطلسي، والمظلّة التي أمّنها الغرب لها، انهارت مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة. تركيا واجهت وضعاً مماثلاً بعد الحرب العالمية الثانية عندما طالب جوزف ستالين بأراضي أردخان وقارص التي تخلّى عنها لتركيا بعد الحرب العالمية الأولى، كما طالب بالمشاركة في الإشراف على مضيقَي البوسفور والدردنيل». ولكن تركيا، بحسب كيراس، «أنقذت نفسها بالتوجّه مباشرة إلى الغرب والانضمام بعد سنوات قليلة إلى حلف شمال الأطلسي».

المصدر: الأخبار اللبنانية

شارك هذه المقالة على المنصات التالية