الخميس, فبراير 20, 2025

تركيا تضاعف ضغوطها على الأكراد: أوجالان نحو توجيه «نداء تاريخي»؟

محمد نور الدين

إذا كان تاريخ المسألة الكردية في تركيا يعود إلى بدايات تأسيس الجمهورية عام 1923، فإن ظهور مسألة كردية في سوريا لا يتعدّى بدايات الحرب فيها عام 2011، وظهور ما يسمّى «روجافا» في شرق الفرات وإعلانها الحكم الذاتي.

على أن معارضة أنقرة لـ»وحدات حماية الشعب» الكردية، واعتبارها إيّاها امتداداً لـ»حزب العمال الكردستاني»، تسبّبا في تشعُّب المشكلة؛ علماً أن كل هذا السياق سابق على أمرَين: الأول، إعلان رئيس «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، في الأول من تشرين الأول الماضي، أنّ في الإمكان حلّ المشكلة الكردية في تركيا، عبر توجيه عبد الله أوجالان، زعيم «الكردستاني» المعتقل منذ عام 1999 في جزيرة إيمرالي، نداءً للحزب بترك السلاح والتخلّي عن «الإرهاب». والثاني، سقوط نظام الرئيس بشار الأسد على يد «هيئة تحرير الشام» المدعومة بالكامل من تركيا.

ومع توسُّع نفوذ أنقرة في سوريا عقب سقوط الأسد، وجّهت الحكومة التركية نداءات متواصلة إلى «الوحدات» الكردية بضرورة تسليم سلاحها، ومن ثم دخل الرئيس السوري، أحمد الشرع، على الخط والتقى قائد «قسد»، مظلوم عبدي، وطلب منه أن تنخرط القوات الكردية في الجيش السوري الجديد كجزء منه، وليس كلواء مواز، وهو ما رفضه عبدي.

لكن أحد التطوّرات المهمّة بالنسبة إلى المسألة الكردية، كان انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، والأهمّ منه، منحه تركيا تفويضاً غير رسمي لإدارة سوريا، وإشادته برئيسها رجب طيب إردوغان.

«في حال فشل حلّ المسألة الكردية، ستكون في المنطقة 50 غزة جديدة بدلاً من غزة واحدة، وتركيا ستكون ضمن هذا الواقع»

ووضع ما تقدّم، الأكراد في موقف صعب، وخصوصاً بعدما بدأت بعض التسريبات من واشنطن تتحدّث عن احتمال انسحاب القوات الأميركية من سوريا. وقد دفع رفض دمشق انفصال الوحدات الكردية، مظلوم عبدي، إلى الانفتاح على إدارة إقليم كردستان في شمال العراق، والتباحث مع مسعود بارزاني في مسارات الحلّ ووحدة الصف الكردي، على رغم الخلافات القائمة بين «الكردستاني» وإدارة بارزاني.

لكن التحوّل في سوريا شكّل أيضاً عاملاً سلبيّاً بالنسبة إلى المسار الكردي في تركيا، وهو ما يراهن عليه إردوغان لإقناع أوجالان بتوجيه نداء لحزبه للتخلّي عن الكفاح المسلّح. ونتيجة لذلك، كان وفد من «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» الكردي في تركيا قد التقى، للمرة الثانية، أوجالان في سجنه قبل أيام، من دون صدور إشارات ملموسة إلى إحراز تقدُّم في هذا الخصوص، علماً أن السلطة لا تزال تنتظر من الزعيم الكردي موقفاً لا لبس فيه في موضوع تسليم السلاح.

ومع أن أنقرة تعرف موقع أوجالان بالنسبة إلى «الكردستاني»، وكونه رمزاً للشعب الكردي في تركيا وفي أماكن أخرى، لكنه لا يزال مستبعداً أن يعرض الرجل ما يمكن تسميته «تنازلات مؤلمة» من دون الحصول على مقابل رسمي تركي مهمّ لجهة الاعتراف بالهوية الكردية في الدستور وفي الممارسة العملية. كما أن أوجالان لا يمكن أن يحاول فرض أمر واقع على قيادة «الكردستاني» في جبال قنديل (شمال العراق) من دون موافقتها.

وفي هذا الإطار، حذرت صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية من ألاعيب الحكومة التركية، على اعتبار أن إردوغان يكنّ كلّ العداء للأكراد في سوريا والعراق وغيرهما، وفي الداخل يتحدّث عن «الأخوّة بين الأتراك والأكراد»، في حين قال رئيس تشكيل «كونغرا غيل» الكردي، رمزي كارتال، إن الدولة التركية تريد حلّ المشكلة الكردية من دون توفير أيّ أساس دستوري للحلّ، وهو ما لا يمكن أن يوافق عليه القائد «آبو»، لافتاً إلى أنه لا توجد أيّ شروط تسهّل الحلّ، و»مَن يتحدّث عن الحلّ يتم اعتقاله».

ومع ذلك، تنشط الماكينة الإعلامية للسلطة في تركيا في الضغط على أوجالان لاتّخاذ موقف متقدّم. وبحسب ما ذكره مظلوم عبدي، في حوار مع صحيفة إيطالية، فإن أوجالان قد يوجّه، في الـ 15 من شباط الجاري، نداءً لتسليم السلاح، بما يوافق الذكرى الـ 26 لاعتقاله في كينيا عام 1999، واقتياده إلى تركيا.

وأشار إلى أن النداء قد يكون مسجّلاً على شريط فيديو بالصوت والصورة، فيما أكد رئيس «حزب المساواة والديموقراطية»، تونجير بكرخان، في اجتماع لكتلة نواب الحزب، أن «آبو» يتهيّأ لتوجيه نداء تاريخي في الأيام المقبلة، قد يكون منتصف هذا الشهر. لكن صحيفة «حرييات» أشارت إلى أن المسؤولين الأتراك لا يحبّذون النداء عبر الفيديو، بل من خلال تصريح «مكتوب وواضح ومحدَّد». ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن النداء سيكون شاملاً لكل المجموعات القيادية والتشكيلات الكردية في تركيا وسوريا والعراق وأوروبا.

في هذا الوقت، كان تلفزيون «روداو» يجري حواراً لافتاً في توقيته، باللغة الكردية، مع النائب الكردي، عمر أوجالان، ابن شقيق عبد الله أوجالان، والذي كان التقى عمه في السجن قبل ثلاثة أشهر. ونقل عمر، خلال الحوار، عناوين أساسية لِما يفكّر به «آبو»، علماً أن اللقاء بينهما عقد بعد إطلاق باهتشلي مبادرته الشهيرة.

وقال عمر أوجالان إن «هناك أشياء من المهمّ أن تقال الآن، وردت على لسان أوجالان؛ ومنها أن حلّ المشكلة الكردية يجعل الشرق الأوسط ينتظر مستقبلاً واعداً. أمّا في حال فشل ذلك، فإنه سيكون في المنطقة 50 غزة جديدة بدلاً من غزة واحدة، وتركيا ستكون ضمن هذا الواقع».

ونبّه عمر، نقلاً عن عمّه، إلى أنه «إذا لم تكن تركيا مستعدّة للحلّ، فإن هناك احتمالاً قويّاً للإعلان عن دولة كردية (لم يقل أين)، وهذا قد يكون بداية لحرب كبيرة»، مشيراً إلى أنه «لا شيء واضحاً حتى الآن، فاللغة التي تستخدمها الدولة التركية ورئيسها والحكومة والسلطة ليست إيجابية». واعتبر أن «السلام يحتاج إلى إرادة من الجانبين، والأكراد لم يحملوا السلاح إلّا لقضية واضحة، وأوجالان لم يدعُ إلى ترك السلاح ولا بدّ من حلّ جذري ومخلص». وأضاف أن «أوجالان لديه تصوُّر للحلّ، وهو قال إنه إذا حلّت تركيا هذه المشكلة، فستكون نموذجاً، وفي حال الإصرار على اللاحلّ، فستنكمش إلى الأناضول وتعيش جهنّمها».

وعلى ما يبدو، فإن أيّ نداء لأوجالان سيكون مؤثّراً على وضع العلويين في تركيا، بالنظر إلى أن قسماً مهمّاً من «الكردستاني»، قيادات وقواعد، هم من الأكراد العلويين، فيما الجهود لحلّ المسألة الكردية يجب أن تتوافق مع جهود إعطاء العلويين حقوقهم والاعتراف بهويتهم. والتقت الرئيسة الموازية لـ»حزب المساواة والديموقراطية»، تولاي خاتم أوغوللاري، ممثلين عن تنظيمات علوية، وأبلغتهم أن أيّ سلام لا يمكن أن يقتصر على حلّ المشكلة الكردية، بل يجب إعطاء العلويين ضمانات بالمساواة الكاملة وعدم التمييز ضدّهم في مجالات الحياة.

المصدر: الأخبار اللبنانية

شارك هذه المقالة على المنصات التالية