عده .. محمد البغدادي
يقع تل براك الأثري على بعد 40 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة السورية وهو من أكبر التلال وصلت مساحته في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد إلى 100 هكتار عدا الأراضي المحيطة به ويرتفع 45م عن سوية السهول المجاورة .

وهو موقع أثري من مئات المواقع الأثرية السورية والذي يعود تاريخه إلى 6000 سنة قبل الميلاد، وتنفرد الممالك القديمة التي سكنته بمعتقدات دينية خاصة وآثار هامة في التاريخ الإنساني ويمثل أقدم الحضارات الإنسانية على الإطلاق في منطقته.

يعود بتاريخه إلى (عصر أوروك) وصولاً إلى (العصر الروماني)، ويبدو أن الموقع استوطن آنذاك و اسمه قديم يرقى لما قبل العصر الروماني.
استمر الاستيطان فيه حتى الألف الأول قبل الميلاد عثر على سطحه على كسر فخارية تعود إلى 6000 سنة قبل الميلاد تقريباً، وعلى كتابة تصويرية من أقدم ما اكتشف حتى الآن في مواقع الشرق الأدنى القديم.كما اكتشف فيه بقايا معبد يقع على مرتفع بيضوي الشكل بارتفاع ستة أمتار، وهو مبني من مادة الآجر، وقد أطلق عليه اسم (معبد العيون) إذ اكتشف فيه كثير من العيون النذرية، التي تعود إلى عصر (جمده نصر) أي3100 -2900 ق.م.

اكتسب الموقع أهميته من خلال وقوعه على الطرق التجارية بين الأناضول وجنوب بلاد الرافدين (سومر القديمة)، وعلى الطريق التجاري الذي يجتاز حوض دجلة باتجاه (جبل سنجار) مارا ب(تل براك) إلى (ماردين) إلى مناجم النحاس القديمة بجانب (ديار بكر).

ويشير مخطط (مدينة براك) وأبنيتها إلى نظام مدني متطور سبق نشوء الكتابة نفسها، وبذا تكون مدينة “تل براك” إحدى أقدم مدن العالم قاطبة,حيث شهد التل تطوراً لافتاً في مختلف المجالات الحضارية منها والتجارية والعمرانية وخصوصاً في مطلع الألف الرابع قبل الميلاد وصولاً إلى نهاية الألف الثالث
وتشهد الأبنية المكتشفة فيها على تطور معماري كبير. بينما تشير اللقى الأثرية الفريدة إلى نظام إداري دقيق في عصر الإمبراطورية الأكادية، كما وجدت في هذا الموقع كتابة تصويرية من أقدم ما اكتشف حتى الآن في مواقع الشرق الأدنى القديم، وقد تم تأريخ هذه الكتابة في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد.

اكتشفت مجموعة من الرقم المسمارية، التي تعبِّر عن أقدم محاولات الكتابة التي قام بها الإنسان، وهي المرحلة التي تدعى مرحلة (الأرقام والدوائر والإشارات)، كما اكتشفت لوحة مسمارية يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، كشفت عن اسم ملك جديد من ملوك الميتانيين لم يكن معروفاً في السابق. هوالملك «طاناشومارا» إبن الملك «شوتارنا» وايضا تم العثور على مجموعة هامة من الأدوات الصوانية تعود إلى (العصر الأكادي)، وعن رؤوس سهام دقيقة الصنع تعود إلى (عصر البرونز القديم) «2300 ق.م».

وطبقات جديدة لأختام مسطحة، وسدادات جرار فخارية نقشت عليها رسوم حيوانات ومجموعة هامة من الأدوات والأواني الفخارية يعود تاريخها إلى الألف الرابع والألف الثالث قبل الميلاد، بالإضافة إلى مجموعة نادرة من الدمى الجميلة.
وفي ساحة الاحتفالات عثر على تمثال لثور جاثم له رأس إنسان وقد بينت الرقم المسمارية أن هذا التمثال كان رمزاً تعبيرياً للمتعبد في ساحة الإله “شمش” الذي خصص له هذا المعبد في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

أغلب المكتشفات النحتية في “تل براك” تمثل شخصية واحدة، وتصور أحياناً أمهات يحملن أطفالهن بأيديهن، وأغلب الظن أنهن يمثلن الآلهة «بالمفهوم المتعارف عليه وقتذاك» كما يرجح أن اسم الموقع الحالي مستمد من «لاكوس بيراكي» المذكور في لوحة «بوتنغر» الشهيرة، التي وردت فيها أسماء المدن والمواقع الشهيرة للإمبراطورية الرومانية.
– استقر تأريخ طبقات التل الحضارية على أن : الطبقة العليا يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة بين 1800 ـ 1600 ق.م.، فيما تعود طبقة السطح الأدنى «بعمق مترين» إلى عهد «أور» • في حين تمتد طبقة العهد الآكادي زمنياً ما بين «2400-2100 ق.م» وعهد السلالات المبكرة «2700-2400 ق.م» وأخيراً عهود أوروك المتأخرة حتى تاريخ «3200- 3100 ق.م».

معبد العيون

وهو أحد أهم المعابد القديمة في هذا الموقع في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد ، وتشير المكتشفات إلى تقدم واضح من الناحية المعمارية، وقد أعيد بناؤه فـي القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، من قبل الملك الأكادي «نارام سن» الذي بنى قلعة على قسم لا بأس به منه , لكن المعبد لم يلبث أن هدم إثر حريق كبير، ليعاد بناؤه في زمن سلالة (أور الثالثة) فـي عهد الملك (أور نامو) ، وتشير الدلائل الأثرية إلى أن هذا الموقع الحضاري الهام قد هُجِرَ في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد.
القصر الاكادي

أحد أهم الأبنية المؤرخة في عام 2400 قبل الميلاد من حيث البنية الإنشائية، بني فوق (معبد العيون) الشهير, وهو قصر ضخم تصل سماكة جدرانه إلى عشرة أمتار، يُرجح أنه مركز عسكري أو تجاري، وهو يشكل موقعاً استراتيجيا على الطريق التجاري المؤدي إلى جنوب الأناضول في عصر (نارم سن )، لم يبق منه سوى بعض الأساسات، التي تمت الاستفادة منها في إعادة تصميم البناء على شكل مربع يصل طول ضلعه إلى مئة متر تقريباً.
ويتألف من غرف طويلة مخصصة للخزن مجمعة حول عدد من الساحات ويتميز البناء بجدرانه الخارجية السميكة، ويبدو أن هذا القصر قد تعرض للسلب والنهب بعد سقوط (الإمبراطورية الأكادية)، ثم التهمته النيران وحل مكانه بناء أقل متانة مما كان عليه في الفترة الواقعة بين أعوام 2113 – 2096 قبل الميلاد.
بعد انتهاء العصر الأكادي لعب “تل براك” دورا هاما كعاصمة محلية لحكام (الحوريين) الذين قاموا على الأرجح بإعادة بناء قصر الملك الأكادي (نارم سن) بعد عام /200/ ق.م، وفي تلك الفترة اقتصر الاستيطان على الجزء الشمالي من التل، وعرف “تل براك” عندها كمركز ديني وموطن للإلهة التي تسمى (سيدة ناغار)..

في القرن السادس عشر قبل الميلاد أصبح تل براك مدينة رئيسية وتركز الاستيطان بشكل رئيسي في هذا العصر في الجهة الشمالية من الموقع , حيث كشف فيها عن غرف استقبال كبيرة ومناطق صناعية، بدليل العثور على كميات من الأواني الزجاجية والعاج والنحاس والحديد والمعادن الثمينة.
تجمعات معمارية:

يوجد تجمع معماري ضخم مقابل القصر يغطي معظم الزاوية الجنوبية الغربية ، من أهم مبانيه المعبد المشيد على طريقة معابد الرافدين الشمالية في الجهة الشمالية الشرقية من التل يوجد تجمع معماري آخر يضم معبدا وثلاث باحات ويبدو انه هجر ربما بسبب كارثة بيئية في بداية (العصر الأكادي) ثم أعيد استخدام هذه المنطقة بعد فترة قصيرة، حيث كرس لتقديم الأضاحي.
أماالبناء الشمالي الغربي فيحوي هياكل عظمية ، ويعتقد بأن المعبد خصص لعبادة (الآله شاكان) آله الراعي وان هذا التجمع قام بدور على طريق القوافل التي عملت في تجارة النحاس استخدمت فيها الحمير لنقل بضائعها.

المصدر: المسرى
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=78947


![منطقة نزاع: العنف العابر للحدود، السياسة والذاكرة في منطقة كرداغ السورية[1]](https://kurd-online.com/wp-content/uploads/2024/12/efrin-kocber-300x165.jpg)

