السبت 02 آب 2025

جرائم انفال البارزانيين ذاكرة لا تموت

د. ضياء عبد الخالق المندلاوي

في 31 من تموز عام 1983، شهد التاريخ الحديث واحدة من أبشع الجرائم الجماعية ضد الإنسانية، عندما ارتكبت السلطات البعثية العراقية جريمة إبادة ممنهجة ضد الشعب الكوردي. في ذلك اليوم، تم نقل أكثر من 8,000 من رجال وشباب البارزانيين إلى المجهول، ولم يعد أي منهم أبداً، تاركين وراءهم ألمًا وغموضاً لا يزالان يؤثران على المجتمع الكوردي حتى اليوم.

هذه الجريمة الشنيعة، التي لا تزال جراحها تنزف، تكشف عن الوجه البشع للديكتاتوريات والقمع السياسي، حيث حاول النظام البعثي آنذاك طمس الحقائق، إلا أن شهادات الناجين وأقارب الضحايا أظهرت حجم الكارثة التي حلت بالشعب الكوردي.

إن اختفاء أكثر من 8,000 شخص في ليلة واحدة، دون أي أثر أو معلومة، يعد جريمة ضد الإنسانية لا يمكن تبريرها أو نسيانها. هذه الحادثة الأليمة يجب أن تكون درسًا قاسيًا لكل من يعتقد أن القمع والعنف يمكن أن يكونا أداةً للسيطرة على الشعوب.

هذه الحملة التي استهدفت البارزانيين كانت محاولة يائسة من النظام العراقي آنذاك للقضاء على شعب كوردستان، لكنها فشلت في مواجهة صمود وإصرار الكوردستانيين. وأصبحت وصمة عار في جبين مرتكبيها، وستظل ذكرى مؤلمة في ذاكرة الشعب الكوردي.

اليوم، وبعد مرور عقود على تلك الجريمة النكراء، يظل الشعب الكوردي يحمل جراح الماضي، ويطالب بالعدالة والاعتراف بجرائم النظام البعثي، إن كشف الحقيقة حول مصير الضحايا وتحقيق العدالة لهم يعدان خطوة أساسية نحو بناء مجتمع متحضر قائم على العدالة والمساواة.

رغم الفقد الفادح والآلام الجسيمة التي عانى منها المجتمع الكوردستاني، إلا أنه لم ينجرف وراء منطق الانتقام أو الكراهية العمياء، بدلاً من ذلك، اختار المجتمع الكوردستاني درب العدالة والمساءلة، من خلال اللجوء إلى المحاكم الوطنية والدولية، والمطالبة المستمرة بالاعتراف الدولي بما جرى كجريمة إبادة جماعية.

هذا النهج يعكس نضجًا سياسياً ووعياً حقوقياً كبيراً لدى المجتمع الكوردستاني، حيث يسعى إلى تحقيق العدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة ضده، دون الانجرار وراء ردود فعل انتقامية والعمل على تعزيز حقوق الإنسان والعدالة في المنطقة.

لذا على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه هذه الجرائم، وأن يسعى لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل، كما يجب على الحكومة العراقية أن تعمل على العثور على المقابر الجماعية وتعقب مصير الضحايا لكي تتمكن الأجيال القادمة من بناء مستقبل أفضل خالي من ظلم الماضي.

ختاماً نستشهد بجزء من بيان الرئيس مسعود البارزاني، اليوم في ذكرى انفال البارزانيين: “إن العقلية التي وقفت خلف تلك الجرائم وغيرها كانت عقلية شوفينية وإنكارية، وكانت مصدراً للبؤس والتخلف لكل العراق… يجب أن يدرك الجميع أنه ما دامت تلك العقلية باقية، فلن يهنأ العراق بالراحة والسَكينة أبداً”.

هذه الكلمات التي جاء في بيان البارزاني تعبر عن الحقيقة الصعبة التي لا تزال تؤثر على العراق، وضرورة استخلاص العبر من التاريخ والعمل على بناء مستقبل أفضل للأجيال، أكثر استقراراً وسلاماً.

تحية اجلال إلى أرواح الشهداء البارزانيين وسائر شهداء كوردستان والعراق، الذين قدموا أرواحهم من أجل الحرية والكرامة.