عقدت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بالتعاون مع مركز “سيزفاير” للحقوق المدنية وبدعم من الاتحاد الأوروبي، جلسة حوار مركزة في مدينة القامشلي، شمال شرق سوريا، ناقشت فيها فرص وتحديات تحقيق نموذج شامل للعدالة الانتقالية في سوريا، بحضور أكثر من 25 حقوقي/ة وناشط/ة مدني/ة من كل من الحسكة والرقة ودير الزور، بشكل فيزيائي وعبر الانترنت.
وتوزع النقاش في الجلسة التي عٌقدت يوم 12 آذار/مارس 2025، على أربعة محاور، تناولت (1) فرص تطبيق العدالة الانتقالية في السياق السوري وتحدياته، و (2) المحاسبة وتحقيق العدالة الشاملة لجميع السوريين/ات، و (3) كشف الحقيقة و (4) جبر الضرر والإصلاح المؤسساتي والتشريعي؛ وتركزت نقاشات المحور الأخير على تقديم التوصيات والمقترحات لكل من الحكومة السورية الجديدة والأطراف الدولية والمجتمع المدني السوري.
- تحديات تطبيق نموذج شامل للعدالة الانتقالية في سوريا ما بعد الأسد:
تحدث في المحور الأول الكاتب والباحث عباس موسى، منسق مشروع منصة أسر المفقودين في شمال شرق سوريا التي أنشأتها رابطة “تآزر” للضحايا، عن عناصر العدالة الانتقالية والهدف الذي نريد أن تحققه العدالة الانتقالية في سوريا، كما أشار السيد موسى إلى أهمية دور روابط الضحايا في كافة مراحل العدالة الانتقالية، وضرورة تحقيق نموذج عدالة انتقالية شاملة.
من جانبه تحدث المحامي محمود عمر عن تحديات تطبيق نموذج العدالة الانتقالية في سوريا، مشيراً إلى عدم وجود مواد قانونية في القانون السوري تعاقب على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ سنوات في سوريا.
ونظراً لتزامن الجلسة مع تفاقم خطاب الكراهية المرافق لأحداث الساحل السوري، تركزت مداخلات الحضور على ضرورة نشر الوعي القانوني بالعدالة الانتقالية لا الانتقامية، ووجود مسارات موازية تعمل مع المجتمعات المحلية لبناء حوارات فعالة تمهد الطريق أمام تطبيق العدالة الشاملة.
من جانب آخر، أشار أحد المشاركين إلى استمرار عدة أنماط من الانتهاكات، أبرزها التهجير القسري، بعد سقوط النظام، مؤكداً أن مشاركة المتسببين بالانتهاكات في صناعة القرار السياسي في سوريا يعتبر “أهم تحدٍ يواجهه مسار العدالة الانتقالية”.
- فجوات التوثيق وفرص المحاسبة على الصعيدين الوطني والدولي:
تناول المحور الثاني أهمية التعامل مع فجوات التوثيق للوصول إلى الحقيقة، إذ أن 14 عاماً من النزاع واختلاف مناطق النفوذ وتعدد الأطراف المتسببة بالانتهاك، إضافة إلى تحديات الوصول إلى الضحايا في مناطق من سوريا بغرض التوثيق، فاقم هذه الفجوة، ويرى عز الدين صالح، المدير التنفيذي لرابطة “تآزر” للضحايا وجوب “صب التركيز حول المناطق المهمشة سابقاً من قبل النظام ونشر قصص هذه الانتهاكات، إلى جانب التمييز الحاصل بحق الأيزيديين ومعاناة الشعب الكردي من صعوبة حصوله على الهوية السورية” للحد من الانتقام وضمان محاسبة المجرمين والمنتهيكن.
وحول دور روابط الضحايا في مسارات العدالة الانتقالية، يرى صالح إن “مشاركة الضحايا هي الضامن الوحيد لنجاح العدالة الانتقالية في سوريا” مشيراً إلى وجوب “إشراك ضحايا الانتهاكات في تصميم مسار العدالة الانتقالية بقيادة منظمات المجتمع المدني وصولاً للتنفيذ”، ويضيف “من الضروري عدم تجاهل الانقسام في الواقع السوري، وللوصول لسلام شامل ومستدام يجب ضمان المشاركة الحقيقية للضحايا ونشر الحقيقة وتوثيق كامل عمليات الاستبداد والقمع وتعزيزها بالمعلومات مع وجود مراقبة حقيقة من الهيئات الأممية والمنظمات الدولية والمحلية.”
وحول فرص المحاسبة على الصعيد الدولي، أشار المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إلى ضرورة معرفة “آلية عمل هذه الآليات وما اختصاصها وهل الأدلة الموجودة تساعد على إتمام عملية التوثيق وما هي طريقة التقديم المناسبة لوصول الوثائق“، مؤكداً خوف بعض الأهالي من الإدلاء بأرائهم، وهو عائق بحد ذاته للوصول للحقيقة، “آليات العدالة والمحاسبة متوفرة وكل ما علينا فعله هو فهم أساليب وطرق الوصول إليها لضمان الحق والوصول للنتيجة الفعالة، ونقلها للعامة بلغة مبسطة لمعرفة ما هي الآلية المناسبة لكل حادثة”.
أما حول تحديات المحاسبة على الصعيد الوطني، قال المستشار القانوني لدى منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة“، القاضي رياض علي إن افتقار القضاء السوري للاستقلالية وعدم وجود قوانين تحاسب على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تعيق تفعيل القضاء الوطني في عمليات المحاسبة على الجرائم واسعة النطاق التي حصلت في سوريا، مؤكداً ” والتشريعات والقوانين بحاجة ماسة لتعديل بسبب فقدانها للعدالة، وافتقار جهاز الأمن للخبرة وعدم وجود أطباء شرعيين متخصصين”.
فيما أكد مشاركون ومشاركات في الجلسة على سد الفجوة في التوثيق هو أولوية للوصول للمساءلة والمحاسبة، وأشار أحد المشاركين إلى أنه لم يتم الوصول بعد إلى “تغيير سياسي حقيقي يتيح المحاسبة وملاحقة المجرمين ومرتكبي الانتهاكات وداعميهم”، فيما أشار مشارك آخر إلى أن التوجه للولاية القضائية العالمية للمحاسبة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا هو حاجة في الوقت الحالي نظراً لعدم وجود فرص محلية للمحاسبة. ومن جانبها اقترحت إحدى المشاركات وجوب العمل على بناء “مؤسسات قضائية متحررة من أي تأثير سياسي”، مؤكدة “لإنصاف الضحايا، يجب أن تكون العدالة شاملة ومستندة إلى وجود سلم أهلي”.
- كشف الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح المؤسسي والتشريعي:
تناول المحور الثالث من الجلسة الإجراءات غير القضائية في مسار العدالة الانتقالية، وشاركت في الحديث عن أهمية تشكيل لجان الحقيقة والشروط التي يجب أن تستند عليها هذه اللجان لتكون موائمة للسياق السوري، المحامية دلشا أيو، مسؤولة المناصرة لدى رابطة “دار” لضحايا التهجير القسري، مشيرة إلى عدم وجود بديل عن لجان الحقيقة والمصالحة في الظروف الراهنة للوصول إلى العدالة.
وأضافت “يجب أن تكون هذه اللجان ممثلة للتركيبة الاجتماعية، وتكمن أهمية إنشائها في الحفاظ على الوثائق الموجودة قبل ظهور تحديات جديدة قد تشكل عائقاً أمام عملها“، مؤكدة على أهمية “نشر مبدأ المسامحة بعد محاكمة المجرمين محاكمة عادلة، للتخلص من الفكر الانتقامي والوصول للعدالة الانتقالية“.
من جانبه، تحدث المدير التنفيذي لمنظمة “العدالة من أجل الحياة“، جلال الحمد، عن أهمية جبر الضرر كمسار أساسي في سوريا الجديدة رغم التعقيدات الموجودة، وأشار “جبر الضرر ليس ماديا فحسب، بل يجب الأعتراف بالانتهاك والإقرار بتداعيات هذا الانتهاك ومن ثم معالجة هذه التداعيات“.
وأضاف “السياق السوري ليس واحد والتداعيات ليست واحدة، يجب معرفة الاستحقاقات ومطالب المتضررين ومعرفة الشكل المرغوب لدى هذا المجتمع المتضرر للمشاركة في الإصلاح وتحقيق العدل، وأضافة إلى ذلك جبر الضرر يجب أن يرضي المجتمعات المحلية”
الناشطة الحقوقية نالين أسعد من جانبها، تحدثت عن فرص تطبيق الإصلاح المؤسسي والتشريعي، مؤكدة أهمية وجود “دستور جديد مرضي يتلاءم مع تطلعات الشعب السوري وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة والسلطة من وزارة الداخلية والمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، ويجب أن يكون الممثلون عن هذه الهيئات والمؤسسات سوري الجنسية يعملون لصالح الشعب السوري، وصولاً للمصالحة الوطنية وتحقيقاً للعدالة الانتقالية”.
- توصيات ومقترحات وخلاصات من الجلسة المركّزة:
قامت “سوريون” باستخلاص التوصيات التالية من الجلسة المركّزة التي ضمّت فاعلين وفاعلات من المجتمع المدني السوري في شمال شرق البلاد:
4.1. إلى الحكومة السورية الانتقالية:
- وقف الأعمال العسكرية وأعمال العنف وعدم المساس بكرامة المواطنين/ات لبناء جسور الثقة بين الدولة والمواطن.
- العمل على منع خطاب الكراهية والعمل على إطلاق سراح المعتقلين/ات في المناطق السورية التي تسيطر عليها تركيا.
- الاعتراف بوقوع الانتهاكات وفتح المجال للمنظمات الحقوقية للعمل على التوثيق وملئ فجوات التوثيق.
- بناء الثقة مع المجتمع المدني وضحايا الانتهاكات والعمل على ترسيخ ثقافة التسامح ثم البدء بمرحلة العدالة الانتقالية.
- كشف الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر وضمان عدم تكرار الانتهاكات من قبل جميع الأطراف.
- إعادة صياغة الدستور بما يتناسب مع متطلبات الشعب والمشاركة الحقيقية في صياغتها عبر لجان تقنية قانونية وضمان الحقوق والعدالة للجميع.
- كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا عبر إطلاق برامج لجمع الشهادات من الناجين/ات وعائلات الضحايا مع مراعاة الخصوصية والحماية القانونية لهم.
- دعم مبادرات البحث عن المفقودين وإنشاء آلية تعويض المتضررين.
- ضمان حرية توثيق عمليات الانتهاك من قبل المجتمع المدني ودعم آليات توثيق الانتهاكات عبر توفير تمويل وتقنيات متطورة لحفظ الأدلة وعدم ضياعها.
- ضمان آليات المحاسبة القانونية وجبر الضرر عبر قوانين وتشريعات وليس عبر رؤية محددة أو مواقف معينة أو تجارب سابقة.
- التصديق على الاتفاقيات الدولية الغير مصدقة والإسراع بإعادة تأهيل المؤسسات والتأكيد على فصل السلطات وتكون مسيرة من قبل أشخاص ذوي كفاءة وخبرة.
- دعم مسارات المحاسبة سواء الوطنية أو الدولية.
4.2. إلى المجتمع المدني السوري:
- الانفتاح وفتح قنوات تواصل في المجتمع السوري.
- السعي للمشاركة الفاعلة في صنع القرار والإصلاح المؤسسي.
- تعزيز برامج حقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية والدفع لإصلاح المناهج التعليمية.
- نشر ثقافة التسامح بعد استرداد الحقوق كركيزة أساسية في العدالة الانتقالية.
- الضغط على الحكومة السورية لإشراك النساء في مسارات العدالة الانتقالية وفي صناعة القرار.
- نشر مساحات الحوار وتصحيح المفاهيم الخاطئة على المستوى الثقافي والسياسي والجغرافي.
4.3. إلى الإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد:
- تسهيل عمل الناشطين في المجال الحقوقي وتأمين طريق عودة المهجرين قسراً من مناطقهم.
- إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين.
4.4. إلى الآليات الأممية:
- السعي الجاد للعمل بشكل فعلي ومباشر على جميع الأراضي السورية.
4.5. المجتمع الدولي ومجلس الأمن:
- مراقبة على سير عملية العدالة الانتقالية والانتقال السياسي في البلاد وضمان عدم الإقصاء.
- تقديم الدعم المادي والتقني للحكومة السورية الانتقالية في مرحلة العدالة الانتقالية الشمولية فور بدئها.
المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=67608