جمهورية مهاباد… أسسها أباة وأسقطتها المصالح والتوازنات
إعداد/ عبد الرحمن محمد
غيرت مجريات الحرب العالمية الثانية جغرافية العالم السياسية والتوازنات العسكرية في العالم وقتذاك، وباتت التوازنات السياسية والعسكرية تحتاج لمزيد من الصفقات والاتفاقات، وكان للكرد نصيبهم من هذه التوازنات الإقليمية التي جاءت كالسم في الدسم، وكانت جمهورية كردستان “مهاباد” خير مثال على ما مر به الكرد في تلك الفترة العصيبة.
الإعلان عن الجمهورية كان قد جاء بعد تلقي الكرد وعودا من السوفييت بدعمهم والوقوف إلى جانبهم، وبعد ذهاب وفد من الكرد بقيادة قاضي محمد إلى باكو عام 1941م. والتقى مسؤولين وقادة بالاتحاد السوفييتي، ووقع الوفد الكردي الذي التقى رئيس الوزراء الأذربيجاني باكيروف العديد من الاتفاقيات مع الإدارة السوفييتية خاصة في المجال الاقتصادي. وفي 16 آب 1943، تم تأسيس جمعية (مجتمع إحياء كردستان)، وفي عام 1944، اجتمعت ثلاث منظمات كردية، وقررت التضامن ووقعت اتفاقية تسمى “الحدود الثلاثة”، وتحققت المرحلة نحو “مهاباد” بفضل وحدة الكرد والفرص التي حصلت بالتوازن في المنطقة.
كان الزعيم السياسي والشخصية المعروفة بثقلها الديني “قاضي محمد” من أبرز قادة المرحلة فقد برز بنشاطه الاجتماعي وتنظيمه لجمعية بعث كردستان عام 1942م. ومن ثم تحولها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني عام1945م. وكان برنامجه يحمل فكرة أساسية وهي الحرية في إيران والحكم الذاتي لكردستان، ويذكر أن عمه “فتاح قاضي” فقد حياته في الحرب ضد روسيا عام 1916، كما اقترح جده شيخ المشايخ بتأسيس “جبهة مشتركة” من خلال اجتماع العشائر الكردية في منطقة ديواندر في عام 1930، ضد البريطانيين.
في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني أصبح الحلم واقعا حقيقيا إذ أعلن قاضي محمد وفي ساحة جارجرا وبحضور جماهيري إعلان قيام جمهورية مهاباد، ومن ثم تسمية حكومة تكونت من 14 وزيراً، ورفع العلم الرسمي للجمهورية بألوانه الكردية في الساحة الرسمية واعتمد نشيد “أي رقيب” الذي كتب كلماته الشاعر الكردي “دلدار” عام 1938نشيدا قوميا.
وأعلن قاضي محمد الجمهورية، وبهذه الكلمات أوضح الكثير مما يريده ويخطط له:” أقسم بالله، بالقومية الكردية والعلم المقدس لكردستان بأنني سأحمي جمهورية كردستان واستقلالها حتى آخر قطرة من دمي وحتى أنفاسي الأخيرة”.
عندما بدأ التعليم الكردي في مدارس المنطقة داخل حدود الجمهورية، انضمت المجموعات المسلحة إلى الجيش النظامي، كان لدى الجيش في الأيام الأولى عشرة آلاف بندقية و20 شاحنة ذخيرة، كان هناك عمل آخر مهم للجمهورية في مجال الثقافة، الفن والأدب، وبقرار من الجمهورية أسست الأوبرا في مدة قصيرة، وتم إنجاز العديد من أعمال النشر الإعلامي، من الكتب العلمية إلى مجلات الأطفال.
تغيرت المعطيات في التوازنات الإقليمية ومصالح الدول الكبرى، فقررت الإدارة في موسكو سحب قواتها فوراً من المنطقة، بعد أن عقدت اتفاقيات نفطية مع طهران، وهنا ظلت جمهورية كردستان بلا دعم، وأصبحت المنجزات ضحايا للقاءات التي تمت على الطاولة، انسحب الجيش الأحمر من أراضي إيران في التاسع من أيار1946، واعتقل الجيش الإيراني الذي دخل مدينة مهاباد في 17 كانون الأول رئيس الجمهورية وثلاثين من خيرة القادة في الجمهورية ، ولجأ رئيس هيئة الأركان العامة الملا مصطفى بارزاني بعد سير طويل على الأقدام، إلى جانب500 من البيشمركة، بعد عبورهم نهر أراس إلى الاتحاد السوفيتي.
كانت جمهورية مهاباد المحاولة الثانية من الشعب الكردي لإقامة دولة خاصة به، بعد جمهورية آرارات في جنوب شرق تركيا في عام 1927م، كان تأسيها بإرادة كردية خالصة لكن انهيارها كان بسبب الخذلان والانسحاب السوفييتي وتم إعدام قاضي محمد في 31 آذار عام1947 م بعد محاكمة صورية.
صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=60871