رغم محاولات تغييب دور حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا في كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي الذي عُقد في 26 نيسان 2025 بمدينة قامشلو، وعدم ضمّ أيٍّ من أعضائه إلى الوفد الكردي المشترك، فإن تأثير هذا الحزب لم يكن هامشيًّا ولا غائبًا عن أروقة المؤتمر، بل كان حاسمًا وراسخًا في جوهر القرارات التي تمخضت عنه، وفي مقدمتها القرار الأبرز: تبني الإدارة الذاتية للمناطق الكردية في سوريا كوحدة سياسية وإدارية متكاملة.
هذا المفهوم الذي تحوّل لاحقًا إلى ركيزة أساسية في المشروع السياسي الكردي في سوريا، لم يكن وليد لحظته، ولا طارئًا على الخطاب السياسي الكردي في العقد الأخير، بل تعود جذوره إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما طرح حزب «الوحدة» هذه الفكرة بجرأة واضحة في مؤتمره الأول عام 1994م، أي قبل تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بتسعة أعوام، وقبل أن تتبلور معالم الأزمة السورية ذاتها.
في مؤتمره السابع عام 2013م، الذي تزامن مع تصاعد الأحداث السورية وتنامي الدور الكردي في المشهد العام، أعاد حزب «الوحدة» التأكيد على هذا التوجه، ورفعه إلى مستوى المطلب المركزي في برنامجه السياسي، مؤكِّدًا أن الإدارة الذاتية ليست مشروعًا سلطويًا ولا انفصاليًا، بل صيغة واقعية وعملية لحلّ الأزمة الوطنية في سوريا، وتلبيةً للحقوق القومية والديمقراطية للشعب الكردي في سوريا.
إنّ ما يميز موقف حزب «الوحـدة»، ليس فقط سبقه التاريخي في تبني فكرة «الإدارة الذاتية»، بل أيضًا التوازن الذي سعى إليه بين الطموح القومي والضرورات الوطنية، إذ كان من أوائل الأحزاب التي تحدثت عن الخصوصية الكردية في إطار سوريا موحدة ديمقراطية، متعددة القوميات، ما جعل الحزب مرجعية فكرية في السجال السياسي الكردي، حتى وإن تم تهميشه سياسيًا أو إعلاميًا في بعض المحطات.
لقد كان واضحًا، أن الرؤية التي سادت كونفرانس وحدة الصف في قامشلو، رغم هيمنة أحزاب أخرى تنظيمية على مخرجاته، كانت امتدادًا للفكر الذي نظّر له حزب «الوحدة» منذ عقود، وإن كانت وثائق الكونفرانس لا تذكر الحزب بالاسم، فإن المتابع للشأن الكردي السوري يدرك أن حزب «الوحدة» كان الغائب الحاضر في ذلك المؤتمر، إذ طغت أفكاره، وتُرجمت رؤاه إلى قرارات سياسية ذات أبعاد استراتيجية.
يبقى أن يُقال، من الظلم أن يُقيّم الدور السياسي للأحزاب الكردية في سوريا فقط من خلال الحضور الشكلي أو التمثيل العددي، فبعض الأحزاب تملك ما هو أعمق من المقاعد: رؤية، وموقف، وثباتٌ في الخطاب السياسي عبر العقود؛ وهذا ما جسده حزب «الوحدة»، الذي بقي وفيًا لنهجه، وأثره ما زال يتردد في شعارات اليوم، وإن نُسبت لغيره.
—————————
* جريدة “الوحـدة” – العدد /349/ – 07 تشرين الثاني 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=79452





