الجمعة 22 آب 2025

حزب “الوحـدة”: من أجل بناء دولة عصرية تعددية لامركزية ديمقراطية، لا بدّ من عقد مؤتمر وطني سوري جامع يضمُّ كلَّ المكوناتِ الوطنية

التقرير السياسي

بناءً على قرارات المؤتمر الثامن لحزبنا الذي عُقد في أيام (17-18-19) من شهر تموز المنصرم في مدينة قامشلو، والمتضمن إصدار تقرير سياسي شهري منتظم، يتناول أهمّ الأحداث والمستجدات السياسية المحلية، وعلى الساحتين الدولية والإقليمية بالشرح والتحليل، بهدف إغناء المعرفة السياسية وإعلاء شأن الفكر السياسي. بدأت اللجنة السياسية المباشرة بهذه المهمة، وإصدار التقرير الأول من سلسلة التقارير التي سوف تصدر بشكل دوري.

قبل الخوض في تناول الوضع السياسي، لا بدّ لنا من الإشارة إلى أن المؤتمرَ قد توقفَ مطوّلاً على الأخطاء التي رافقت مسيرة الحزب، خصوصاً وأن المؤتمر قد تأخر عن موعده كثيراً لأسبابٍ موضوعية تتعلقُ بالحرب والاحتلال التركي للمناطق الكردية (عفرين، تل أبيض وسري كانيه)، وتمّ نقدُ القيادة السابقة بخصوص الأخطاء والنواقص. وتعهدت القيادة الجديدة المنتخبة ببذل كل الجهود بأن يكون العمل مؤسساتياً مبنياً على روحٍ التعاون الجماعي، وكذلك ستبذل قصارى جهودها لتعزيز دور المرأة والشباب في الحزب تحسباً لشيخوخة الحزب، والسعي لتزويده بطاقات النشء الجديد، وإفساح المجال أمامهم للعمل ضمن صفوفه، وبالتالي تشجيعهم على تولي مناصب قيادية، لما يحملون من طاقة متجددة، وروح نضالية متقدة.

بعد هذه المقدمة، سنتطرق باختصار لأهم الأحداث السياسية، والأحوال المعيشية السائدة، انطلاقاً من إيماننا وقرارات مؤتمرنا بضرورة الحفاظ على الإدارة الذاتية القائمة وحمايتها وتطويرها لخدمة المجتمع بكل مكوناته، ونظراً لأن القائمين على هذه الإدارة هم بشرٌ مثلنا يخطئون ويصيبون، فلا بدّ لنا من أن نضع اليد على مَواطن الخللِ والخطأ وننتقدَها بموضوعية، مع اقتراح الحلول المناسبة التي تصبّ في خدمة المجتمع. وبناءً عليه، فإنّ الوضعَ المعيشي وقطاع الخدمات في مناطق الإدارة الذاتية يعانيان من صعوباتٍ وإهمال كبيرين، وفي المقدمة منها موضوع الغلاء الفاحش لأسعار المواد الاستهلاكية الضرورية لمعيشة المواطنين، حيث ترتفعُ الأسعار دون وجود رقيبٍ أو حسيبٍ لحماية المستهلك من الجشع والاستغلال، وكذلك الخلل الكبير في توفير المياه الصالحة للشرب في معظم المدن، فضلاً عن أزمة الكهرباء المزمنة. إضافة إلى ذلك، من الضروري أن توفر الإدارة فرص العمل للشباب للحدّ من الهجرة إلى الخارج، وتحسين الواقع المعاشي للصابرين في مناطقهم داخل البلاد، إضافةً إلى محاسبة الفاسدين مهما كانت مواقعهم.

على صعيد السياسة الدولية:

يبدو أن العالمَ يواجه تحديات كبيرة وخطيرة، لعلّ من أهمها سباق التسلح وتلوث المناخ والاحتباس الحراري، وبالتالي عدم التزام الدول الصناعية الكبرى بمسؤولياتها في تقليل انبعاث غاز الكربون في الغلاف الجوي، الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري والاضطراب المناخي وزيادة درجات الحرارة على سطح الأرض، إضافةًً إلى اتساع رقعة التصحر، وكذلك نُدرة المياه والموارد الزراعية. يرافق ذلك الصراع الدائر بين القوى العظمى على مناطق النفوذ ومكامن المعادن النادرة وغيرها. علاوةً على صعود وتنامي التيارات اليمينية المتطرفة في بعض دول الاتحاد الأوروبي، والتيارات الجهادية التكفيرية في بعض بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا. تجدرُ الإشارة إلى أن الصراع بين هذه القوى أدى إلى تقلص دور ونفوذ هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وظهور الفوضى في العلاقات الدولية، حيث غابت قوة المنطق في التعامل ليحلّ منطقُ القوة مكانه.

في سياق ترتيب العلاقات الدولية وتنظيم مناطق النفوذ، تسعى الإدارة الأمريكية بمنهجية جديدة لمعالجة بؤر التوتر والصراعات لصالحها أولاً، وبحيث تحقق التوازن بين مصالح الشركات والدول الرأسمالية الكبرى، فقد جاء في هذا الصدد اتفاق كل من أرمينيا وأذربيجان برعاية أمريكية في واشنطن، لتعزيز الهيمنة الأمريكية وتموضعها لأول مرة في التاريخ في منطقة القوقاز. حيث من المقرر استثمارها لممر زنگزور الذي يربط ويتحكم بعقدة المواصلات البرية الوحيدة بين كل من إيران وأرمينيا وتركيا وأذربيجان وبالتالي جورجيا فروسيا. وفي حال تطبيق الاتفاق، ستترتبُ عليه تبعات جيواستراتيجة ونتائج اقتصادية غير مسبوقة، تسبب في المقام الأول مزيدًا من العُزلة والحصار لإيران.

كما مهدت قمة بوتين – ترامب يوم 15 آب الجاري في آلاسكا لفتح صفحةٍ جديدة في العلاقات بين الطرفين، وأسست لحل المسألة الأوكرانية لصالح روسيا، مما قد يساهم في تفكيك العلاقات والاصطفافات التي تشكلت طوالَ الحرب الأوكرانية – الروسية، كما قد تمهدُ لانفراجة أوروبية – روسية ستنعكسُ إيجاباً على مجملِ بُؤر التوتر والصراع في العالم.

وبهذه المناسبة نؤكد على أن العلاقات الدولية لن تستقيم ما لم يتمّ تدارك هذا الخلل في المصالح، وإعادة التوازن إلى العلاقات الدولية، عن طريق وقف الحروب المشتعلة التي تحرقُ نيرانُها الإنسان وتدمر الاقتصاد دون تأخير، وإشاعة أجواءِ السّلم وحلِّ النزاعات عبر لغة الحوار، والضغط على الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية لتتراجعَ عن سياسات الاستبداد، لتحصلَ الشعوب المظلومة على حقوقها وحرياتها وتمارسَ عاداتِها وطقوسَها، وتعملَ معاً يداً بيد على نشر ثقافة السلام والتعايش بين جميع الأمم والأقوام.

وفي هذا الصدد، فإن كلّ قوى السّلم والحرية ودعاة حقوق الإنسان وقوى ومنظمات المجتمع المدني مطالبة بالعمل على مواجهة هذا الانهيار الكبير في القيم الانسانية والضوابط القانونية والسياسية، وأن تعمل معاً لوقف سفك دم الإنسان تحت أية ذريعةٍ كانت.

على الصعيد الكردستاني:

يؤمنُ حزبنا عبر تجربته الطويلة بأن السلام هو البيئة المناسبة والضرورية لحلّ المسألة الكردية، وأن قضية الشعب الكردي قد تقدمت أشواطاً واسعة في كافة أجزاء كردستان، حيث تبرزُ عدالتُها عاماً بعد آخر، وتتمظهر في صيغ متباينة. ففي كردستان تركيا يُعقد الأمل على مسيرة السلام، التي تسير ببطء، وشُكلت لهذا الهدف لجنة برلمانية لمناقشة تفاصيلها، وتعد هذه الخطوة قفزةً تاريخية نوعية في مسارها، ومنعطفاً مهماً بعد مئة عامٍ من سياسات إنكار وجود الشعب الكردي والإبادة التي مارستها الحكومات المتعاقبة في جمهورية تركيا بحق المجتمعات الكردية. لذلك يقف حزبُنا مع مسيرةَ السلام بين الحركة الكردية وجمهورية تركيا دون تردد.

أما في كردستان إيران، فمازالت حكومة طهران تمارسُ سياسات الإنكار والإعدامات المدانة والمُشينة بحق نشطاء ومناضلي شعبنا وغيرهم، ومع اشتداد الحصار والضغوط العسكرية والاقتصادية على حكومة طهران، تزدادُ الآمال باقتراب انفراجة سياسية كبرى، تعيدُ إلى شعبنا الكردي حقوقه المسلوبة. أما في كردستان العراق، فما زالت حكومة بغداد تمارسُ الضغوط الاقتصادية والسياسية على حكومة إقليم كردستان، وتقطع رواتب العمال والموظفين، ويبدو أن الحكومة المركزية في بغداد غير قادرة على التخلي التام عن إرث الهيمنة والاستعلاء القومي.

على صعيد الوضع السوري الداخلي:

بعد سقوط نظام الأسد وهروب رأسه إلى روسيا نهايةَ السنة المنصرمة، بخسائر قليلة نسبياً، تفاءلَ السوريون المنكوبون في كافة المحافظات خيراً، على أمل العيش في بلدٍ يحفظ لهم كرامتَهم وحريتهم، بلدٍ لا مكان فيه للظلم والتمييز، بلدٍ ديمقراطي يشعرُ فيه الجميع بانتمائهم إليه والعمل على إعادة بنائه ورِفعة شأنه.

لكن ما حصل وما يحصلُ الآن، قد خيّبَ آمالهم إلى درجةٍ كبيرة، فلم تُقدم الحكومة الانتقالية التي شكلتها هيئة تحرير الشام على الانفتاح على الشعب السوري وقواهُ الوطنية الديمقراطية، وتعاملتْ مع قضايا الوطن الجريح بعقليةٍ إقصائيةٍ لا تعتمدُ على التشارُكية والشفافية والحوار الوطني، عدا عن كارثة الأعمال الدموية الوحشية التي طالتْ حياةَ الناس الأبرياء في كلّ من الساحل والسويداء، والتي نُفذت بيد فصائلَ مسلحة ضليعة في التوحش والإجرام، من شاكلة الحمزات والعمشات التي وُضع قادتها سابقاً على لوائح الإرهاب الدولي.

إن استخدام مقولة بسط سيطرة الدولة على كامل التراب السوري دون التفاوض والحوار مع القوى التي حاربت الإرهاب وحمتْ مجتمعاتِها من قوى التخلف والظلام، يوحي بوضوح بأن السلطة الانتقالية تسيرُ في طريق المركزية المفرطة والاستبداد الصريح.

إن الشعبَ السوري الذي ضحّى بمئات الآلاف من خيرة أبنائه في سبيل حريته، يستحقُ أن يعيشَ حياةً حرّةً كريمة، لا فرق بين أبنائه وطوائفه وقومياته، بعيداً عن منطق الاستعلاء المشين والتمييز، فهم متساوون في الحقوق والواجبات، وينبغي أن ينعم فيه الجميع بالكرامة الإنسانية في بلدٍ تعددي، فالتعددية ميزة تعبرُ عن الثراء الفكري والثقافي لسوريا الجديدة، وليس تهديداً لوحدتها، كما تدّعي جهاتٌ عنصرية ظلامية تتخفّى خلفَ هذه المقولات الزائفة.

وعلى الرغم من إيجابية الاتفاق الذي تمّ توقيعُه بين مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية وأحمد الشرع الرئيس الانتقالي، في شهر آذار الماضي لحلّ قضية دمج قوات “قسد” حتى نهاية العام الجاري مع الجيش السوري، وانعقاد المؤتمر الكردي لوحدة الموقف، إلا أن الخطواتِ اللاحقة أحادية الجانب التي أقدمت عليها الحكومة الانتقالية كانت ضربةً للاتفاق وتنصلاً من المسؤولية وتجاوزاً لبنوده، خصوصاً من زاوية إقصاء ممثلي الشعب الكردي من المشاركة في رسم مستقبل البلاد، الذي هو وطننا جميعاً، حيث لسنا ضيوفاً فيه كما كان يرددها النظام البائد.

فمن أجل بناء دولةٍ عصرية تعددية لامركزية ديمقراطية، لا بدّ من عقد مؤتمرٍ وطني سوري جامع يضمُّ كلَّ المكوناتِ الوطنية، من الأحزاب السياسية والفعاليات المجتمعية من جميع المحافظات دون إقصاءٍ، يتمّ فيه مناقشة قضايا الوطن ومستقبله بالاتفاق والتراضي بعيداً عن المنطق الأجوف: (من يحرر يقرر)! هذا المنطق الذي يعني ضمن ما يعنيه، ويُخفي بين طياته لغةَ التهديد والوعيد وممارسة العسف واستمرار دوامة العنف التي عصفتْ بالبلاد منذ ما يقارب الـ 14 عاماً.

أخيراً نؤكد على أن قيادة حزبنا المنتخبة في المؤتمر الثامن ستعمل بكل قوتها لتعزيز العلاقات الكردية والكردستانية البينية على قاعدة التضامن والاحترام المتبادل، وبما يخدمُ الصالح القومي الكردي العام والوطني السوري الخاص. كما ستعمل على إعادة رسم وتحسين العلاقات مع القوى الوطنية العربية الديمقراطية السورية التي تعرضت للتشويه والاضطراب خلال سنوات الحرب. فالمرحلة القادمة تفرض على الجميع كرداً وعرباً وسرياناً تعزيزَ التلاحم الداخلي وحماية السّلم الأهلي على كامل مساحة البلاد.

اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا

أواسط آب 2025

————–