حماة الديار، قسد.. بشار جرار، يكتب من واشنطن عن مستقبل العلاقات بين سوريا الديموقراطية والجمهورية العربية السورية 

لم أملك نفسي من ترديد كلمات “حماة الديار” وأنا أتابع بفرح عظيم فرحة الحاضرين في الاحتفال الذي أقامه الجيش الأميركي وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” إثر تطهير سورية والعالم كله من دولة الخلافة المزعومة التي أقامتها عصابة داعش الإرهابية على أراض في العراق وسورية. 

ترى هل خطر ببال أحد عزف النشيد الوطني السوري إلى جانب عزف النشيد الوطني الكردي والنشيد الوطني الأميركي في الاحتفال الذي أقيم يوم إعلان النصر قبل نحو أسبوع؟ قطعا لا، كون مبادرة كتلك قد تبدو مستهجنة، انطلاقا من العداء أو الجفاء “العابر” إن شاء الله بين الحكومة السورية ومجلس سوريا الديمقراطية. 

لكن الحقائق على الأرض، كلها تشير إلى أن قسد كانت بحق من أكثر “حماة الديار” بسالة واستبسالا في الذود عن حمى الوطن السوري بكل مكوناته الإثنية “العرقية” انطلاقا من المكون الكردي بحكم الموقع الجغرافي في الوطن السوري الواحد. “واحد واحد الشعب السوري واحد”، من أجمل الشعارات التي رفعت عندما كانت الاحتجاجات سلمية بحق وطاهرة وطنية بحق.  

نعلم بمزيد من الحزن والأسى، دور وسائل الإعلام التقليدي منها والجديد (منصات التواصل الاجتماعي) في حجم تزوير الحقائق، فكل يغني على ليلاه وبما يخدم أجندته وأجندة مموليه، لكن الحق يعلو ولا سبيل لعاقل منصف أن يتعامى عن الحقائق.

أعود إلى نشيد “حماة الديار” وأتساءل كعربي أميركي أعتز بمخولي الكردي السوري، وأقول الله “محيي الجيش” الجيش النظامي الذي -وبصرف النظر- عن السجال الدائر بحقه، فإنه أثبت بطولة وفدائية عز نظيرها في العالم، من حيث الدفاع عن الوطن السوري، ونعم أقولها صراحة “النظام” السوري. لأن دور الجيش في العالم كله الامتثال إلى أوامر القائد العام للقوات المسلحة. وما دامت الانتخابات – سواء حظيت باعتراف العالم أم لا- قد جددت الثقة بالرئيس بشار الأسد، فمن واجب الجيش الولاء المطلق لقائده وطاعته بأعلى درجات الانضباط العسكري. هذا هو الشرف العسكري وهذا هو الانتماء الوطني في كل دول العالم وفي مقدمتها أميركا. فرفيق السلاح في معركة دحر داعش الجندي الأميركي يؤدي دوره المهني الوطني العسكري دونما أي تأثر بالسجال السياسي الدائر في بلاده فتلك مسؤولية السياسيين لا العسكريين. 

الإنصاف والواقعية والعقلانية تقول بضرورة استفادة قسد والحكومة السورية من شراكة الدم ومعمودية النار فيما شهدته سورية كوطن من مآسي على امتداد ثمانية أعوام من الإرهاب وحروب الاستنزاف بالوكالة. لا بد من الاستماع إلى صوت الضمير والعقل والإقرار بوجود مشاكل حقيقية جذرية دفعت بالبلاد إلى السقوط في الفخ الذي نصب لها أو المأزق الذي شارك الجميع في صنعه. 

هناك مشاكل متجذرة آن الأوان للتعامل معها بصدق، قضايا تعريف الوطن والدولة وعلاقة الشعب بكل مكوناته بمؤسسات الدولة كافة ومنها الجيش والإدارات اللامركزية أو الذاتية، علاقة الموارد والسكان بالتنمية والديمقراطية والحاكمية الراشدة. حاكمية القرن الواحد والعشرين المتطلعة إلى المستقبل بثقة ورجاء لا المكبلة بعقد وآثام وأحقاد الماضي. 

الخلاصة، في نظري، لا بد من الإسراع في تفاوض حقيقي أخوي مهني بين قسد ودمشق. موسكو تدعم ذلك وواشنطن تؤيده ضمنا أو ستؤيده علنا مع أول بادرة قبول من الجانب السوري الرسمي. 

“حماة الديار عليكم سلام”..

*هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأميركية، وله مقالات رأي في موقع CNN  العربية بشكل دوري.

 

خاص “تموز نت”

 

أضف تعليق