محمد دلي

بون 23 آذار 2023 م

مجلة الحوار – العدد /81/ – السنة 30- تموز 2023م

الدكتور محمد حبش من مواليد دمشق 1962، وهو عالم ومفكر إسلامي وبرلماني سابق وأكاديمي من سوريا.

نشأ في مدرسة عمّه (والد زوجته) الشيخ أحمد كفتارو للعلوم الإسلامية في دمشق ونال الإجازة في الشريعة من جامعة دمشق وثلاث درجات ليسانس في العلوم العربية والإسلامية من جامعات دمشق وطرابلس وبيروت كما حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة القرآن الكريم في الخرطوم

قامت جامعة كرايوفا الرومانية بترجمة كتابه للرومانية واعتبر مقرراً على طلبة كليات اللاهوت في الجامعة، حيث تم تسليم الدرجة العلمية الفريدة في القاعة الزرقاء بالجامعة في حفل رسمي كبير.

تبنى الدكتور محمد حبش التجديد الديني، متأثراً بشكل خاص بالشيخ أحمد كفتارو والشيخ جودت سعيد وأطلق مشروعه عبر مركز الدراسات الإسلامية بدمشق الذي أسسه وأشرف عليه، وعقد عدة مؤتمرات إسلامية لتعزيز خطاب التنوير الإسلامي. وأسس رابطة كتاب التنوير كما انتخب مرتين رئيساً لجمعية علماء الشريعة في سوريا.

صدر له 52 كتاباً مطبوعاً في قضايا التنوير الإسلامي كما اشتهر بمقالاته الجريئة في الصحف العربية، وبرامجه الكثيرة على المحطات الفضائية والإذاعات العربية.

أعلن موقفه من الأحداث في سوريا، ورفض الحل العنيف الذي تبناه النظام، ورفض كذلك التسلح الذي قام به الثوار، ودعا إلى إلقاء السلاح والجلوس على مائدة الحوار

جاءت أفكاره صادمة للخطاب التقليدي وانتقدته الشخصيات المحافظة، فيما لاقت قبولاً كبيراً لدى الاتجاهات التنويرية والتحديثية في الإسلام، وأدى ذلك إلى سلسلة من المواجهات الفكرية في عدد من الصحف وهو يمارس الخطابة والإمامة والوظائف الدينية وينشر آراؤه في العديد من المواقع الإعلامية وكتب كثيرون عنه وعن أفكاره وآرائه.

أعدّ دراسة جديدة بعنوان كردستان: الحضارة الواثبة وهو ينتظر الناشر المناسب لإصداره.

انتخب في عام 2006 نائباً لرئيس المنتدى الإسلامي العالمي للوسطية، وهو عضو في مجلس الأمناء في الجامعة الإسلامية بإسلام آباد وفي جامعة الجزيرة وعضو في اتحاد الكتاب العرب وعدد من المنظمات الإسلامية الدولية والمحلية، كما مارس التدريس الجامعي في كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكلية الدعوة الإسلامية والأكاديمية العسكرية العليا في سوريا وأشرف على عدد من رسائل الدكتوراه والترقيات في الجامعة الأردنية وكلية الدعوة الإسلامية.

حصل على عدد كبير من الجوائز واسندت إليه مهام كثيرة. انتقل منذ 2012 إلى الإمارات (وهو مقيم فيها حاليا) حيث عمل أستاذاً مشاركاً في جامعة أبو ظبي، في كلية الآداب والعلوم، ثم في كلية القانون، يتولى تدريس المساقات الإسلامية في الجامعة.

حاضر كأستاذ زائر في عدد من الجامعات الدولية أهمها: جامعة هلسنكي بفنلندا1998  – جامعة لوند بالسويد 2003 – جامعة كرايوفا – رومانيا 2009 – جامعة أوسلو – النرويج 2012 – جامعة روستوك – ألمانيا 2016 وجامعات أخرى.

فيما يلي نص الحوار:

بداية نشكركم على تلبية دعوتنا في اعطاء وقتكم لهذا اللقاء، وكما كنا حريصين أن تصلك المجلة وأنت في دمشق، وعلى الرغم من مخاطرها عهدئذ. نكرر ترحيبنا بكم ضيفاً عزيزاً على قراء مجلة (الحوار). يقال إنه لنشأة الانسان وسنواته الأولى تأثير كبير على مسيرة حياته تالياً… حبذا نبدأ بالبدايات، وجانب من السيرة الشخصية.

أهلا بكم، أشكركم للاهتمام بي، وأتمنى أن أقدم خبرتي باختصار للقراء الكرام لعلهم يجدون فيها ما يفيد، فالحياة مدارس، والدنيا خبرات، وإن كنت غير راض بالطبع عن كل الخطوات التي اتخذتها في حياتي ولكن على كل حال فأنا قادر على تقييمها بشكل جيد، ولعل التاريخ أكثر منا عمقاً ومعرفة، وأدق حكماً.

السؤال الثاني:

 كيف كانت حياتكم الدراسية في العلوم الإسلامية، هل كانت علمية بحتة؟ أم دعوية؟ ومصاعب التحصيل العلمي من الاجازة في الشريعة إلى التخصص في جامعات عديدة. وبالمناسبة ما الذي عالجته وبحثت فيه ضمن موضوع رسالة الدكتوراه في جامعة الخرطوم؟

لقد نشأت في التعليم الديني وحفظت القرآن الكريم في الثالثة عشرة، ورزقت صوتاً عذباً في القرآن الكريم، وبالفعل فقد توفرت لي منابر ومنصات إعلامية مدهشة خلال سنوات قصيرة وصارت تلاوتي في كل مكان في الفضائيات العربية، ثم انخرطت في تحصيل القراءات القرآنية المتواترة فحصلتها إسناداً ورواية كما حصلتها بالتحصيل الأكاديمي، ولم يكن هذا الاختصاص متوفراً إلا في بلاد قليلة، فرحلت إلى السودان حيث كانت جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية توفر إحدى عشرة كلية في الإسلاميات ووجدت اختصاصي فيها بشكل أكاديمي مناسب، وتمت مناقشة الدكتوراه بإشراف أستاذي الدكتور وهبة الزحيلي ولا زلت أذكر كلمته في المناقشة وقال فيها: هذه أول مرة في حياتي الطويلة أناقش رسالة ضمن لجنة فيها رؤساء جامعات فقط!!، حيث اختارت الجامعة تكريماً لي وللدكتور الزحيلي كلاً من د. علي با بكر رئيس جامعة أم درمان والدكتور عبد الرحيم علي رئيس جامعة أفريقيا العالمية والدكتور أحمد علي الإمام رئيس جامعة القرآن الكريم وتمت المناقشة وحصلت على الدكتوراه بدرجة الامتياز وهي درجة الشرف العليا.

السؤال الثالث:

وماذا عن حوار الأديان وجامعة كرايوفا الرومانية؟

كان نشاطنا في مركز الدراسات الإسلامية في دمشق يتركز في الدعوة إلى إخاء الأديان وهي الدعوة التي اعتبرها بعض أصدقائنا ومشايخنا دعوة لتقويض الإسلام، حيث يجب أن يبدأ أي حوار بتسليم الطرفين بهيمنة الإسلام واستعلائه، وأنه نسخ الأديان جميعاً وأنه لا مكان في العالم كله إلا للتوحيد الإسلامي أو الكفر والجاهلية.

وقد زارنا خلال السنوات الخمسة التي نشط فيها مركز الدراسات أكثر من ثلاثمائة وفد أكاديمي من مختلف قارات العالم، وسمعوا حواراتنا بوضوح، ومن هذه الزيارات كانت زيارة السيد بوريس جونسون قبل أن يتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا حيث زارنا في المركز وتحدث طويلاً عن روح الإخاء بين الأديان التي نتبناها، وقد نشر ذلك في فيلمه الشهير: ما بعد روما () ولا زال موجوداً على اليوتيوب.

وكان من أهم الوفود التي زارتنا وفد أساقفة رومانيا، مع السيد السفير الروماني في دمشق السيد دان ساندوفيتش وهو رجل ثقافة ومعرفة وعلم، وقد اطلعوا بدقة على ما نقوم به من حوار الأديان ضمن ظروف صعبة وعسيرة، وفي مركز خاص لا يتلقى أي دعم حكومي، واطلعوا على موقفي في قراءة الأديان المتساوية والصراطات المستقيمة، وهي قراءة تنسف مفاهيم العصور الوسطى التي كرست الحروب الصليبية والغزوات العثمانية على أوربا وأشعلت نار الكراهية قروناً سوداء…

بعد أسابيع تلقيت عرضاً من جامعة كرايوفا وهي أعرق الجامعات الحكومية في رومانيا لإلقاء محاضرات في الجامعة، كما قامت الجامعة باختيار كتابي في السيرة النبوية وتمت ترجمته إلى اللغة الرومانية ودخل مناهج الجامعة.

بعد ذلك تلقيت عام 2010 خطاباً رسمياً من الجامعة أنها قررت منحي درجة دكتوراه الشرف وهي درجة تقوم الدامعة بمنحها كل سنتين مرة واحدة لشخص واحد، وبالفعل دعيت إلى حفل مهيب في القاعة الزرقاء في الجامعة العريقة، وتم تكريمي على أعلى مستوى في الجامعة، وقد اعتبرت الجامعة أن مشروعنا هو جسر حقيقي بين الإسلام والحضارة الغربية.

السؤال الرابع:

برأيكم ما السبب الرئيسي الذي يكمن وراء المواقف السلبية للقوى والشخصيات الإسلامية من القضية الكردية بشكل عام؟  وما الفارق بين مواقف العلماء المسلمين العرب ومواقف رجال الدين الكورد (احمد كفتارو ـ الدكتور معشوق الخزنوي ـ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي..) كنماذج للمقارنة. وبالتالي خلاصة رأيكم حول الاضطهاد الذي يعانيه الكورد من منظور شرعي؟

في كردستان شعب واثب، بات يمسك أقداره بيديه، ويرسم ملامح مستقبله، يعيش في قلب جبال زاغروس الصديقة للكرد، والتي تحمل أسرارهم وكفاحهم وجراحهم وآمالهم.

في الإقليم والمحافظات الستة المجاورة له في إيران: أذربيجان وكردستان وكرمانشاه وعيلام وعبادان والأحواز يعيش نحو عشرين مليون كردي يقابلهم عدد مماثل في تركيا، وعدة ملايين في سوريا.. لهم تاريخ وفن ومجد، تحمله لغة عظيمة تواطأ العالم على تهميشها ولكنها تنبعث من جديد في شمس كردستان.

والقضية الكردية قضية عادلة  وإنسانية، وهي حكاية شعب عانى طويلاً من الظلم والاضطهاد، وأخفقت كل المشاريع السياسية في المنطقة في منحه حقوقه المشروعة، وحين سقطت الدولة العثمانية وزعت المنطقة بين أربع كيانات سياسية، وقيل للكرد ستقوم دولة المواطنة والديمقراطية والحرية وسيعيش الجميع بوئم وسلام بلا مظالم، وقد رضي الكرد، ولكن المفاجأة كانت أن المشاريع كانت قومية متعصبة للغاية وطبقت إيران نظاماً فارسياً شوفينياً ضد الكرد وطبقت تركيا نظاماً طورانياً متعصبا، فيما طبقت سوريا والعراق نظاماً بعثياً قومياً عروبياً سحق القوميات الأخرى بيد من حديد.

كثير من الشخصيات الكردية المشهورة اختارت التكيف مع الظلم وتخلت عن حقوق الكرد وطبقت براغماتية متوارية تخلت فيها عن واجبها الإنساني، وكرست مبدأ التعايش مع مطالب النظم الشمولية على الرغم مما تسحقه هذه النظم من الحريات وحقوق الإنسان.

كان الشيخ معشوق رحمه الله مختلفا ًتماماً، وقد قدم تضحية فريدة في الانتصار لمطالب أهله في الحرية والعدالة والعيش الكريم، وكان رجلاً مقبولاً من العرب والكرد وقد وقف ببسالة مع شهداء القضية الكردية ودافع بشجاعة عن حقوقهم ومطالبهم، ودفع حياته ثمناً لرسالته.

إنني مدين للشيخ معشوق الخزنوي ونضاله الكبير وإخلاصه لقضيته، ولم أنسى ما حييت تلك الليالي الجميلة التي جمعتنا فيها غوطة الشام وربوتها ومجالس فقهائها في مركز الدراسات مع معشوق وهو صوت صارخ في البرية لا يكف عن التبشير بالكردي القادم، الذي سينهض رفيداً وعزيزاً يشارك في البناء الحضاري لهذا الشرق المعذب.

السؤال الخامس:

تبنيتم مشروعاً فكرياً عن التجديد الديني وخطاب التنوير، حبذا أن توضح جوانب من المشروع في نقاط رئيسية؟

هي حصيلة دراسات عميقة في واقع الأمة الإسلامية وسبل تطورها والتحديات التي تمنعنا من التقدم.

بكل صراحة فأنا لا أقدم مشروعاً نهضوياً، ولكنني أدافع عن المشاريع النهضوية وأرفع من طريقها العقبات والسدود، خاصة تلك التي تكتسب صفة مقدسة وتمنع الناس من التفكير والحب والجمال، وتكرس المسلم كائناً معادياً للحياة مكفراً للأديان، منفصلاً عن الواقع.

وقد لخصت هذه التحديات في سبعة مطالب أفردت لها كتاب: نور يهدي لا قيد يأسر:

المحور الأول: الغلو في اتباع النص الديني

قصدت في هذا المحور تصحيح العلاقة بالنص الديني عموماً، وتجاوز أشكال الغلو في اتباع النص الديني، ورفض ما مارسته الأمم الأولى من عبادة النص، والتحول من نص معبود إلى نص مشهود، ومن نص يتسامى على العقل إلى نص يستضيء بالعقل ويغنيه ويثريه، ومن نص مغلق إلى نص مفتوح، ومن نص مكتمل إلى نص يكتمل، ومن نص مستعل مفارق إلى نص يعيش مع الناس يتفاعل بحياتهم ويستجيب لمطالبهم، ومن نص قانوني جاف حاسم إلى نص تربوي وأدبي يحتمل قراءات كثيرة ومتعددة.

المحور الثاني: تحديد المقاصد العليا للقرآن

هي القيم التي تؤمن بها جميع الأمم، ولا شك أن تجلية هذه المقاصد سيمنحنا القدرة على اعتبار هذه المقاصد العليا بمثابة منابع لإنتاج التشريعات المستمرة في مختلف الظروف والأحوال والبلدان والأزمان، وهذا بالضبط ما تتعامل به الدولة الحديثة مع المبادئ العليا التي تسمى عادة المبادئ فوق الدستورية

المحور الثالث: صالح لكل زمان ومكان

لقد التزمت موقفي أن القرآن محكوم بالزمان والمكان، وأن تعميم ظاهر اللفظ على الأزمنة والأمكنة جميعاً لا يستقيم تنزيلاً ولا تأويلاً.

وهذه العبارة يمكن أن تكون مقبولة فقط حين نقدح زناد العقل ونمنحه القدرة على التشريع ولو خالف النص، وذلك بهدف تطوير الإسلام باستمرار

المحور الرابع: النبي الديمقراطي

النبي لم يكن قائدا لاهوتياً غيبياً بل كان رجل شورى ومراراً غير الشريعة من أجل مطالب الجمهور حين تكون محقة، لقد بسطت القول بإسهاب في كتابي النبي الديمقراطي.

المحور الخامس: جهود الفقهاء في تقديم العقل واحترام النقل

لقد أكدت إن هناك نصوصاً كثيرة صحيحة في القرآن والسنة، ولكن ليس عليها العمل، وبينت منهج الإمام مالك الذي يعتبر أصلاً في تقديم المصلحة على ظاهر النص.

المحور السادس: التطوير فيما سكت فيه النص

يقولون إن أحكام الدنيا والآخرة منصوص عليها، إن هذا التصور ليس نقطة قوة في الإسلام بل نقطة ضعف وقمع، وأن الحقيقة ان الشرع سكت عن أشياء وان حجم المسكوت عنه أكبر بكثير مما نتصور وهو أفق للاجتهاد المحض بدون أية قيود إلا مقاصد الشريعة السمحاء.

المحور السابع: اكتمال الإسلام وتطويره

يقولون إن الشريعة قد اكتملت في عصر النبوة، وأنه لم يعد أمام الأمة إلا التقليد والاتباع، وهذا فهم صبياني، والحقيقة ان الاكتمال ليس مجداً لأي فكر حي، والاكتمال أخو النقص والتخلف بل المطلوب التفاعل والتطور والتوثب، وهو ما قدمته القراءة الإسلامية خلال النجاحات الحضارية التي قدمها المسلمون.

إن الوقوف عند قاعدة كل ابداع ضلالة وكل ضلالة في النار هو خنق للعقل والإبداع والتطور، لقد طالبت بمراجعة عميقة لهذه الفكرة وأن الإسلام يحتاج أن يتطور كل يوم وإلا فإننا نحنطه ونرسله تلقائياً إلى متحف التاريخ.

السؤال السادس:

الإخاء أو الأخوة، كلمة تتردد كثيراً عند جموع من الكورد والترك والفرس والعرب. ماذا تعني ترجمة هذه المقولة من وجهة نظركم؟

العرب والكرد عاشوا معاً، وكذلك سيبقون إلى آخر الدهر، يأخذون ويعطون، ويؤثرون ويتأثرون، ولكن ذلك يفرض حتماً الاعتراف بالحقوق الكاملة للعرب والكرد، ولا يمكن تغول جانب على جانب بل على الجميع أن يعيشوا ويعملوا أخواناً متحابين.

لقد تعودنا على أجوبة بعثية عتيقة فيما يخص بالعلاقة بين الكرد والعرب، حيث مضى البعث على اعتبار أن من يتكلم العربية عربي ، وكنا نظن أن هذا كاف لإنهاء الخصام، ولكن الحقيقة أظهرت أن مطالب الكرد المشروعة لا يمكن تجاوزها بالمجاملات الفارغة، بل لا بد من الاعتراف بالهويات وحمايتها، إن سياسة طمس الهويات التي مارسها البعض زمناً طويلاً جاءت بنتائج عكسية تماما، وسمحت لشيطنة الآخر أن تذهب إلى أبعد مدى، وفي حين لم يتوقفوا أبداً عن التغني بمجد العرب فإنهم طمسوا كل مجد أمة أخرى، ومنعوا التغني بأي مجد آخر، مما أنشأ ثقافة غامضة مريبة ممنوعة تجاه الآخرين وهو ما سيؤدي بالطبع إلى ظنون الكراهية السوداء.

السؤال السابع:

وبالتالي كيف يمكن أن يكون هنالك إخاء عربي ـ كردي ولا يتم الاعتراف بأبسط حقوق الشعب الكوردي كمكون اصيل في سوريا والمنطقة؟

لقد وضعنا خطة في مركز الإخاء الإنساني الذي أقوم بإدارته، باتجاه طرح مبادرة الفخر بشعوب المنطقة وإدخال الجوانب المشرقة من تاريخها في مناهج التدريس

يجب أن يعرف السوري أياً كان معلومات بيضاء وحيادية وكافية عن العرب والكرد والسريان والشركس، وعن الإسلام والمسيحية واليهودية والزرادشتية واليزيدية، والهرب من هذه المصارحات لن يحل المشكلة بل سيضع الطرف الآخر في دائرة الغموض والريبة ثم التآمر.

السؤال الثامن:

قمتم في الآونة الأخيرة بزيارة إقليم كوردستان العراق وشاركتم بمؤتمر، السؤال الذي يتبادر للذهن، ما الانطباع الرئيسي الذي تركته هذه الزيارة لديكم. وماذا تود قوله بصدد تجربة إقليم كوردستان العراق؟

تلقيت أول دعوة لزيارة كردستان من مام جلال رحمه الله عام 2011 وكنا نخطط لزيارة حاشدة للعراق بباصين اثنين فيهما مائة شخصية سورية برلمانية وأكاديمية وشعبية، ولكن أحداث الثورة السورية لم تسمح بإتمام المشروع، وفي سنوات لاحقة خسرنا هذا الرمز الوطني الكبير.

هذا العام تلقيت دعوة كريمة من مركز مصطفى ملا رسول الثقافي في السليمانية لإحياء ذكرى مولانا خالد النقشبندي الفقيه العرفاني الكردي، وقد لبيت الدعوة بحبور، وكان لقاءاً فريداً بالطبع.

مولانا خالد النقشبندي هو موضوع المؤتمر هذه المرة، وهو ليس مناضلاً سياسياً ولا هو ثائر صاخب.. هو باختصار رجل روحاني عاش قبل مائتي عام وأسس في كردستان مدرسة للمحبة واتبعه الملايين وفق طريقته النقشبندية.

تستقبلك على باب المؤتمر أجمل صبايا كردستان بلباس النوروز المزركشة، وعلى ثيابهن صورة مولانا خالد، في إشارة واضحة أن الروحانيات النقشبندية تمنح الجميع نفحاتها ولا تنحصر بحلقة الذاكرين دون سواهم.

أما تنظيم المؤتمر والإعداد له كمؤتمر دولي كبير تحدث فيه ثلاثون متخصصاً عربياً وفارسياً وكردياً وأوروبياً فهو جهد قام به مركز مصطفى رسول الثقافي، ينفق عليه رجل أعمال هائل هو فاروق مصطفى رسول، الذي قدم صورة رائعة لإدارة المال في المعرفة.

المؤتمر ليس لدراويش الطريقة، مع الاحترام لدورهم الروحاني، ولكنه لأكبر الباحثين المتخصصين في التراث الكردي والرحيق العرفاني.

كانت رسالتي في المؤتمر هي الإسهام في صناعة المثل الأعلى للحب والحكمة، فالشعوب تحتاج لرموز ملهمة، وإذا كان التطرف قد صنع رموزه من فقهاء الإسلام ومشاهيره، فإن الرحمة مطالبة بأن تصنع رموز الحكمة والحب..

في تاريخنا آلاف الفقهاء، ولكن لكل أمة إمام نجح في صناعة بستان من الحب والرحمة، وأنا أقرؤهم على الشكل التالي:

أمير المحبة عند العرب: الشيخ محي الدين ابن عربي

وأمير المحبة عند الترك: مولانا جلال الدين الرومي

وأمير المحبة عند الفرس: مولانا حافظ الشيرازي

وأمير المحبة عند الكرد: مولانا خالد النقشبندي

إنها ليست عودة إلى حضن الكهنوت كما يصورها بعضهم… بل هي انتصار لتيار المحبة والإشراق… التيار الذي يعبر عن نفسه كل لحظة بقوله: ولن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق….

الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.

السؤال التاسع:

هل لديكم مشروع كتاب، أو بحث يتعلق بمظلومية الكورد وقضيتهم، تعبرون فيها عن تفاصيل رؤيتكم حول الكورد وكوردستان.

لقد كتبت في ذلك أكثر من عشر مقالات، ومنها مقال بعنوان شمس كردستان وقد ترجم للكردية والتركية والإنكليزية وحقق انتشاراً واسعا، وقد قمت بتطوير هذه المقالات وأعددت دراسة جديدة بعنوان كردستان: الحضارة الواثبة وأنتظر الناشر المناسب.

السؤال العاشر:

إضافة للشأن الديني، خضتم الشأن العام في سوريا وكنتم عضوا في (مجلس الشعب)، ما هي أبرز النقاط التي تقيمون عبرها هذه التجربة السياسية؟

لقد قيمت تجربتي في كتاب منشور على النت بعنوان 1000 يوم في مجلس الشعب، وقد شرحت بعض ما قمنا به في المجلس ، والآمال والخيبات، لقد تعاملنا مع الواقع باحترام وإخلاص، وحاولنا، ولكن من الواجب القول إن البرلمان السوري لا زال بعيداً عن الأداء الديمقراطي المعروف في الأمم المتحضرة، وهو نفسه لا يعبر عن نفسه بأنه برلمان أو مجلس نواب بل مجلس شعب، ومع أن الدور المتاح له في الدستور كبير، وهو كذلك في الشأن الاجتماعي والزراعي والعقاري والاقتصادي والثقافي، ولكنه في الواقع في الشأن السياسية والعسكري والأمني وحقوق الإنسان ما زال دون الطموح، ولا يزال رهينة في قبضة الأجهزة الأمنية والبعثية المتغولة.

لقد مارسنا الحرية الممكنة، ورفعنا الصوت إلى الحد الذي خسرنا فيه ما نملكه من بيت ووطن، ووجدنا أنفسنا مع لنازحين ولا بأس، فهي كلمة الحق التي يعطيها المرء ابتغاء وجه الله، على أنني لم أكن بطلا ً، ولم أقف موقف سعيد بن جبير من سيف الحجاج، بل ارتكبت المصانعة والمداراة والحكمة، وأوصلت رسالتي بدقة، ولعل الآتين يكونون أكثر شجاعة منا، وأكثر تأثيراً.

السؤال الحادي عشر:

 لنتحدث قليلاً عن مستقبل سوريا: ما هي رؤيتكم فيما جرى ويجري؟ وما الحلول التي تقترحونها؟ وبالتالي أي مستقبل ينتظرنا جميعاً في سوريا المستقبل؟

سوريا الممكنة هي دولة لامركزية، يجب الاعتراف أننا نحتاج أن نعيد احترام الهوية المحلية، لقد مارسنا تطنيش الهويات وطمسها وكانت النتيجة هذه الحروب، فهل نحتاج مزيداً من الحروب لندرك أن فرض رؤيتنا على الآخرين دينياً أو قومياً أو طبقياً هي عمل عدواني سيكرس مزيداً من القطيعة والكراهية؟

نحتاج أن نعلن بوضوح: دين بين الأديان وليس ديناً فوق الأديان، وأمة بين الأمم وليس أمة فوق الأمم، ونبي بين الأنبياء وليس نبياً فوق الأنبياء، وأن لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله.

يجب أن نتحول من عصر التبشير الديني إلى عصر التعارف والتكامل والتراحم بعيداً عن اصطفافات الكهنة ومشاريعهم المظلمة

إن علينا القبول بقدر كبير من الاختلاف والتنوع حتى ننجح في العيش بسلام.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية