أولاً: ملخص تنفيذي
هذه الورقة تحكي قصةً طويلة لحقّ بسيط: أن يُولد الإنسان مُعترَفاً به. وتشرح كيف تحوّل إحصاءٌ استثنائي في الحسكة عام 1962 إلى جرحٍ قانوني واجتماعي طويل الأمد. في 5 تشرين الأول/أكتوبر 1962، جرى إخراج عشرات الآلاف من السوريين -غالبيتهم من الكُرد- من دائرة المواطنة عبر إجراء إداري-سياسي تعسّفي، ما أنتج حرماناً تعسّفياً من «الشخصية القانونية» وما يتفرّع عنها من حقوق: التعليم، والصحّة، والعمل، والملكية، والقدرة على التنقّل والتمثيل. ورغم نافذة تصحيح جزئية عام 2011، ظلّت فجواتٌ كبيرة، واستمرت معاناة عشرات آلاف الأشخاص، وتوارثت آلاف الأسر آثار الحرمان عبر الأجيال.
أين نقف بالأرقام والفئات؟
- بداية المأساة: بموجب المرسوم التشريعي 93/1962، نُفِّذ في الحسكة «إحصاءٌ استثنائي» في يوم واحد، 5 تشرين الأول/أكتوبر 1962، وبشروط إثباتٍ قاسية لا تراعي الواقع الديمغرافي وحركة السكان (منها اشتراط إثبات الإقامة قبل عام 1945) ومع ضعفٍ في الإخطار والتحضير. أدّى ذلك إلى فرزٍ قانونيٍّ مُجحِف أخرج آلاف الأسر من الاعتراف المدني، وولّد فئتين من المجردين من الجنسية: (1) أجانب الحسكة: الذين حملوا بطاقات حمراء بوصفهم «أجانب» داخل وطنهم؛ (2) مكتومي القيد: الذين تُركوا خارج أي سجلٍّ مدني بلا وثائق تُثبت وجودهم القانوني.[1]
- اتّساع الأثر عبر الزمن: تشير تقديرات البداية في 1962 إلى نحو 120 ألفاً جُرّدوا من الجنسية. ومع تراكم الأثر عبر عقود، سُجّل بحلول عام 2011 أكثر من 517 ألفاً من الكُرد السوريين مشمولين بالتجريد/الحرمان، بينهم أكثر من 171 ألفاً من فئة “مكتومي القيد”. بعد المرسوم التشريعي 49/2011، استعادت الغالبية ضمن فئة «الأجانب» جنسيتها، بينما ظلّ أكثر من 150 ألفاً -معظمهم من مكتومي القيد- خارج إطار الجنسية.[2]
- اتّساع الفئات المتضرّرة بعد 2011: إلى جانب الكُرد، برزت مخاطر انعدام الجنسية لفئاتٍ أخرى: أبناء السوريات عند جهل/تعذّر إثبات نسب الأب، الأطفال المولودون في الخارج أو في مناطق خارج سيطرة الحكومة، الزيجات غير المُثبّتة، بعض جماعات الرحّل ذات الحركة الموسمية، وأسر المفقودين، وضحايا العنف الجنسي. العامل المشترك هو التقاء نصوصٍ قانونية ناقصة بإدارةٍ مثقلة وإرثٍ من الوصم، وتلتقي كلها عند الطفل.[3]
ماذا يعني انعدام الجنسية في الحياة اليومية؟
انعدام الجنسية ليس قصة ورقة: هو طفلٌ لا يجد مقعداً دراسياً ولا شهادة لأنه بلا قيد؛ وأمّ لا تستطيع نقل جنسيتها لأطفالها؛ وشابّ يُدفَع إلى اقتصاد الظل لأن العمل النظامي يحتاج وثائق؛ وأسرةٌ تعيش في بيتٍ «بلا ورق» تخاف فقدانه عند أول نزاع. الأثر يطال كل مفاصل الحياة:
- القانون والهوية: غيابُ «الشخصية القانونية» يعطّل الوصول إلى العدالة، ويحوّل معاملات بديهية (تسجيل الولادة/الوفاة، وتوثيق الزواج/الطلاق) إلى مسارات شاقّة مُحمّلة بالمنع والانتظار.
- التعليم والصحّة: تعثّرٌ في الالتحاق بالمدرسة والجامعة والحصول على الشهادات، وصعوباتٌ في متابعة اللقاحات والخدمات الصحيّة وتسجيل الوقائع الحيوية.
- العمل والملكية والتنقّل: انغلاق أبواب العمل النظامي والضمان الاجتماعي، وعدم القدرة على تملّك العقار أو تثبيتِه، صعوبةٌ في التنقل، السفر، والعبور عبر الحواجز، واستبعادٌ كامل من المشاركة السياسية والتمثيل العام.
- توريث الحرمان عبر الأجيال: يولد الأطفال بلا أوراق، فتستمر الحلقة المُفرَغة: لا تسجيل ولادة → لا قيد مدني → لا جنسية → حرمانٌ مركّب من الحقوق.
ماذا تقول المعايير الدولية وما الذي ينقص القانون الوطني؟
قانونياً، تتعارض هذه البنية مع التزامات الدولة في عدم التمييز، والاعتراف بالشخصية القانونية، والحق في جنسية، وحماية الطفل من انعدام الجنسية. الفجوات واضحة: لا قاعدة مانعة لانعدام الجنسية عند الميلاد، وعدم مساواة المرأة في نقل الجنسية، مع إقحام أمني في معاملات مدنية خالصة، ومساطر طعن غير فعّالة بما يكفي.
تقترح الورقة مبدأً موجِّهاً بمسارين متكاملين:
- مسار فوري تنفيذي: قاعدة قانونية تمنع انعدام الجنسية عند الميلاد؛ مساواة كاملة في نقل الجنسية؛ «نافذة تصحيح» جماعية للمكتومين تقبل الأدلة البديلة؛ اعتراف واسع بوثائق الخارج؛ فرق تسجيل متنقّلة؛ «رقم مدني مؤقت» للأطفال لضمان التعليم والصحّة؛ قضاء مختص ومساعدة قانونية مجانية؛ وإخراج «الأمن» من الأحوال المدنية.
- مسار انتقالي اعترافي: إدراج القضية ضمن عدالة انتقالية أوسع: اعتراف رسمي بالمظلومية، جبر ضرر جماعي، وإصلاح مؤسسي مع ضمانات عدم التكرار.
انعدام الجنسية في الحسكة جرحٌ تاريخيٌّ قابلٌ للالتئام إذا توفرت الإرادة السياسية وإصلاحٌ تشريعيٌّ شجاع وإدارةٌ رحيمة بالناس. أي حين يلتقي نصّ يحمي مع إدارة تُيسّر وقضاء يُنصف وسرديّة عامة تُزيل الوصم. الاعتراف هو الخطوة الأولى؛ وجبر الضرر هو الجسر إلى مستقبلٍ لا يُولَد فيه طفلٌ بلا اسمٍ ولا وطن.
ثانياً: مقدمة
في وصفه لعقود من الإقصاء، يقول أبٌ ضرير من رأس العين/سري كانيه: «حتى لو عادت الجنسية، لا تُعيد السنوات المسروقة. كلّ همّي اليوم ألّا يرث أولادي هذا الحرمان». وامرأة من القامشلي لم تستطع تثبيت زواجها لسنوات تضيف: «كل ما أريده أن أُسمّي أولادي رسميّاً وأُدخلهم المدرسة كباقي الأطفال». هاتان الجملتان تلخّصان الجوهر: انعدام الجنسية ليس ملفاً إحصائياً، بل حياةٌ تتعطّل عند كل باب.
لم يكن «الإحصاء الاستثنائي في الحسكة عام 1962» خطأً عارضاً، بل نمطاً منظّماً للإقصاء: حُصر في محافظة واحدة، فُرضت فيه شروطُ إثباتٍ قاسية، وغابت مساراتُ طعنٍ فعّالة. النتيجة حرمانٌ تعسّفي يتعارض مع مبدأ عدم التمييز والحقّ في الجنسية. ثمّ جاءت سياسات لاحقة لترسّخ الأثر، خصوصاً بحقّ الكُرد، عبر عزلٍ إداري وقيودٍ لغوية/ثقافية وترتيباتٍ مكانية تقاطعت مع ما عُرف بـ«الحزام العربي»، فانتقل الخلل من إجراءٍ مؤقّت إلى تهميشٍ بنيويٍّ مستمر.[4]
تهدف هذه الورقة الصادرة عن رابطة تآزر للضحايا وشبكة ضحايا انعدام الجنسية في الحسكة (NSVH) إلى تقديم سردٍ توثيقيّ وتحليلٍ قانونيّ/حقوقيّ موسّع لقضية انعدام الجنسية في الحسكة منذ الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 وما تلاها، بما في ذلك آثار النزاع المسلّح بعد 2011، والثغرات التشريعية والإدارية، والعوائق أمام الوصول إلى العدالة. غايتها مزدوجة:
- توفير مرجعٍ مُحكَم لصنّاع السياسات والسلطات القضائية والإدارية ومنظمات المجتمع المدني والفاعلين الدوليين؛
- إسناد جهود المناصرة وجبر الضرر بمحتوى واقعيّ، دقيق، وقابلٍ للاستخدام العملي.
تعرف بلدان متعددة قضايا متقاربة: البدون في الخليج، الروهينغيا في ميانمار، وأبناء المهاجرين من أصل هايتي في الدومينيكان بعد تغييراتٍ قضائية وتشريعية. تختلف السياقات، لكن تتشابه «الآليات»: تجريد جماعيّ عبر اشتراطاتٍ تعجيزية للإثبات، نقل عبء الإثبات إلى الضحايا، وتعقيدُ الوصول إلى «التصحيح»، بما يخلّف ندوباً اجتماعية ممتدّة. الدرس العام واضح: الحلولُ الفعّالة اعتمدت مقاربةً ثلاثية تجمع بين إصلاحٍ تشريعي شامل، وتبسيطٍ إداري بإلغاء القيود التعسفية، وبرامجَ جبر ضرر تضع الإنسان في المركز (وثائق، خدمات، اعترافٌ علنيّ بالخطأ التاريخي).
لمن تُكتب هذه الورقة؟
تتوجّه الورقة إلى دوائر الأحوال المدنية والجهات القضائية المعنية أولاً، ثم لوكالات الأمم المتحدة والمانحين، والمنظمات الحقوقية ومقدّمي المساعدة القانونية، والصحفيين/ات والباحثين/ات. لكل طرف وظيفة: دوائر الأحوال المدنية لتبسيط الإجراءات، القضاء لتعزيز اجتهادات الإنصاف، المدافعون لصياغة مرافعات وحملات، والشركاء الدوليون لمواءمة الدعم مع الحاجات الفعلية.
ماذا تغطي؟
تبدأ بتعريفٍ منهجيّ ومفاهيميّ يضبط المصطلحات، ثم خلفية تاريخية وقانونية مفصّلة منذ خمسينيات القرن الماضي وجدولٍ زمنيٍّ دقيق. بعد ذلك تُحلّل الآثار القطاعية على التعليم والصحة والعمل والملكية والأحوال المدنية والمشاركة العامة، وتُضيء على فئاتٍ أخرى مهدّدة أو متضرّرة بعد 2011. ويختتم المتنُ بتحليل قانوني يُبيّن فجوات القانون الوطني إزاء المعايير الدولية وتوصياتٍ قابلة للقياس والمتابعة.
منهجية العمل:
اعتمدت الورقة مراجعةً مكتبية للقوانين والمراسيم والتقارير الحقوقية، وتحليلاً مقارناً لتجارب مماثلة، مع تثليثٍ للأدلة بين الأرقام والوثائق والشهادات المنشورة. وعند تباين الأرقام، نعرض مدى تقديرياً مع تفسير أسباب التباين وحدود المصادر. الهدف: دقّة يمكن الاعتماد عليها من غير ادّعاء يقينٍ لا تسمح به البيانات.
مصطلحات/تعريفات أساسية:
- انعدام الجنسية بحكم القانون: ألا تُنسب للشخص جنسية أي دولة وفق قوانينها.
- أجانب الحسكة: مَن قُيّدوا بعد إحصاء 1962 كسوريين «أجانب» يحملون بطاقات حمراء داخل وطنهم.
- مكتومو القيد: من تُركوا خارج السجل المدني تماماً، فلا وثيقة تُثبت وجودهم القانوني، قد يحملون «شهادات تعريف» محلية لا تُنشئ شخصية قانونية.
- التسجيل المدني/الوقائع الحيوية: تثبيت الولادات والوفيات والزواج والطلاق… كأساسٍ للاعتراف القانوني بالهوية.
- الاعتراف بالشخصية القانونية: مبدأ يقرّ بأن لكل إنسان صفةً قانونيةً أمام الدولة والقضاء والإدارة.
اعتبارات أخلاقية وأمنية:
- عدم الإضرار والسرية: الامتناع عن أي تفاصيل تؤدي إلى التعرّف على أشخاص ما لم تكن المعلومات منشورة علناً وبموافقة.
- السلامة: إدراك حساسية مراجعة الدوائر الرسمية لدى كثيرين؛ الامتناع عن تقديم نصائح قد تضع الأفراد في خطر؛ إحالة أي مسارات حساسة إلى مختصين قانونيين.
- لغة غير وصمية: رفض أي تعبير يُشيطن أي جماعة أو يُعيد إنتاج التمييز؛ مع إبراز وكالة الضحايا لا اختزالهم في المعاناة.
سياق الحسكة الجغرافي-الديمغرافي:
الحسكة محافظة متنوّعة إثنياً ودينياً (كُرد، عرب، سريان/آشوريون، أرمن، إيزيديون، شيشان وغيرهم). هذا التنوع يجعل وجود نظام تسجيل مدني شامل وغير تمييزي مسألة أمان اجتماعي، ويحوّل أي خلل إداري/سياسي في الاعتراف القانوني إلى أذىً مضاعف يصعب ترميمه لاحقاً.
العدالة الانتقالية وجبر الضرر:
تعتمد الورقة تمييزاً منهجياً بين: (أ) القرارات السياسية/الأمنية التي أنشأت المعضلة أو كرّستها؛ و(ب) العوائق الإدارية التي فاقمت الأذى (تفاوت التطبيق، البيروقراطية، الفساد). هذا الفصل التحليلي يساعد على تصميم حلولٍ مركّبة: تشريعية لإزالة السبب المؤسِّس، وإدارية لإزالة العوائق العملية، وعدلية-اجتماعية لجبر الضرر وضمان عدم التكرار.
تتعامل الورقة مع انعدام الجنسية كـ«انتهاكٍ ممنهج ذي أثرٍ جماعي» يستحق مكاناً واضحاً في أي مسار للعدالة الانتقالية. جبر الضرر هنا لا يعني استعادة الوثائق فحسب، بل يشمل الاعتراف الرسمي، التعويض الرمزي/المادي، إصلاح المؤسسات (خاصة إدارة السجل المدني)، وضمانات عدم التكرار (نصوص دستورية/قانونية تمنع التجريد الجماعي وتضمن المساواة وعدم التمييز في نقل الجنسية).
ملاحظات حول جودة الأدلة والقيود المنهجية:
- اختلاف الأرقام عبر السنوات يعود إلى محدودية النفاذ إلى البيانات الرسمية وتباين منهجيات العدّ.
- شهادات الضحايا تُظهر اتساقاً في العوائق والأثر، لكنها ليست مسحاً تمثيلياً.
- المقارنات الدولية للاستئناس لا للاستنساخ؛ نُشير دائماً إلى الفوارق المؤسسية والسياسية.
عدسة النوع الاجتماعي والفئات الأشد هشاشة:
- النساء يواجهن قيوداً مضاعفة بسبب عدم المساواة في نقل الجنسية للأبناء؛ كما يواجهن حواجز أكبر في التنقل والوصول للدوائر.
- الأطفال عديمو الجنسية أكثر عرضة للتسرب المدرسي والعمل القسري.
- الأشخاص ذوو الإعاقة يواجهون عوائق إضافية في الوصول المادي والإجرائي إلى الخدمات.
باختصار، تتعامل هذه الورقة مع انعدام الجنسية في الحسكة كظاهرة تاريخية-قانونية مركّبة وتبني تحليلاً عملياً موجّهاً للحلول. غايتها أن تتحوّل عبارة «لا يولد طفلٌ بلا اسمٍ ولا وطن» من شعار أخلاقي إلى التزام قانوني وإجرائي نافذ.
ثالثاً: الخلفية
-
تمهيد تاريخي: من تشكّل الدولة إلى عشية الإحصاء
بعد الاستقلال عام 1946 دخلت سوريا طورَ دولةٍ فتيةٍ تتبدّل مؤسّساتها مع تغيّر الأنظمة، ويُعاد فيها تعريف «من هو المواطن» تبعاً لأجندات سياسية متلاحقة. في الخمسينيات صعد خطاب القومية العربية وتزايدت حساسية الدولة تجاه التعدّد القومي واللغوي، فتراكمت سياساتٌ تقلّص فضاء الاعتراف بالهوية الكُردية والثقافة غير العربية في المجال العام. ومع قيام الوحدة مع مصر عام 1958 ثم انفصالها في 1961، تزاوجت السرعة التشريعية مع سيولةٍ مؤسسية أضعفت ضمانات المساواة والإجراءات الواجبة، وفتحت الباب أمام قراراتٍ استثنائية ذات أثر تمييزي بحكم النتيجة.
في هذا المناخ صارت الجزيرة السورية -وفي قلبها الحسكة- حقل اختبارٍ لخياراتٍ إدارية وأمنية طالت اللغة والثقافة والانتقال والسكن وتنظيم السجلّ المدني، وتقاطعت لاحقاً مع ترتيباتٍ مكانية كسِياسات «الحزام العربي». عشية عام 1962 كانت شروط الدولة الإجرائية ومعايير الإثبات والولاية الإدارية قد اتّخذت منحىً يُضخّم الفوارق ويحمّل الفئات الأضعف عبئاً غير متناسب لإثبات الانتماء القانوني، ما هيّأ الأرضية لولادة إجراءٍ استثنائي في الحسكة سيخلّف آثاراً هيكلية على الاعتراف بالشخصية القانونية وحقّ الجنسية لأجيال لاحقة.
-
السياق المباشر 1961–1962: من “التنظيم السريع” إلى الاستثناء
في أغسطس/آب 1962 صدر المرسوم التشريعي 93 بإجراء إحصاءٍ في محافظة الحسكة “في يومٍ واحد” يُحدد تاريخه بقرارٍ تنفيذي. ظاهرياً، الهدف توحيد الإجراءات وتسريعها؛ عملياً، قلّص ذلك زمن الإخطار، ورفع تكاليف الامتثال، وزاد احتمالات الخطأ؛ خصوصاً لدى الفئات الأفقر والرحّل ومن لا يملكون وثائق ملكية أو إقامة قديمة. ثم فُرض على السكان عبءُ إثباتِ إقامةٍ قبل عام 1945، وهو شرط لا يراعي حركة السكان التاريخية في الجزيرة ولا محدودية التسجيل المدني آنذاك. النتيجة: تعذّر على آلاف الأسر تقديم “القرائن الكافية” ضمن نافذةٍ ضيقة، ففتحت الدولة باب الإقصاء من السجل المدني على مصراعيه.
-
لحظة الانكسار: ولادة فئتين قانونيتين
انتهى الإحصاء إلى خلق هرميةٍ قانونية داخل المجتمع نفسه: (1) أجانب الحسكة: الذين سُجّلوا في دفاتر خاصة وحملوا بطاقاتٍ حمراء بوصفهم “أجانب” داخل وطنهم، مع روابط مدنية منقوصة (قيود على التملّك والتنقّل والعمل النظامي)، و(2) مكتومو القيد: الذين تُركوا خارج السجل المدني كلياً، بلا رقمٌ مدني، غير معترف بهم، ولا تصدر لهم وثائق تثبت الشخصية القانونية.
ومن هاتين الطبقتين تولّدت أوضاع فرعية واضحة بحكم التطبيق: فالأطفال المولودون لوالدين كلاهما من «الأجانب» قُيّدوا عادةً في سجلّ «الأجانب»؛ بينما وُلد كثيرون «مكتومي القيد» لأن زواج الوالدين لم يُثبَّت أصلاً (حتى لو كانا من «الأجانب») أو لاختلاف وضع الوالدين (مكتوم مع أجنبي)، أو لضياع الوثائق وتعذّر الإثبات ضمن مهلة الإحصاء. وفوق ذلك، وبحكم قواعد قانون الجنسية النافذة آنذاك التي جعلت انتقال الجنسية «أصيلاً» عبر الأب، أصبح كثيرٌ من الأطفال بدون جنسية متى كان الأب من «أجانب الحسكة» أو «مكتومي القيد» أو مجهول/غير مُثبّت قانوناً، حتى لو كانت الأم مواطنةً سورية تحمل الجنسية.
بهذه السلسلة تحوّل التصنيف الإداري إلى مصدر إنتاجٍ مستمر للحرمان: طفلٌ يولد بلا قيد فيُحرم من التعليم والصحّة والعمل النظامي، وتستمر الحلقة نفسها في الجيل التالي إلى أن تُفتح مسارات تصحيح صريحة وميسَّرة لتثبيت الزواج والنسب والقيد.
كان من بين الشخصيات التي تمّ تجريدها من جنسيتها على سبيل المثال لا الحصر، اللواء توفيق نظام الدين، قائد الجيش السوري السابق، وشقيقه عبد الباقي نظام الدين، والذي شغل مناصب وزارية متعدّدة بين العام 1949 و1957. [5] [6]
البطاقة الحمراء التي حملها الضحايا من فئة “أجانب الحسكة”، بوصفهم “أجانب” داخل وطنهم. أسمتها السلطات رسمياً -كما كُتب عليها- بـ«بيان قيد فردي خاص بالمسجلين في سجلات أجانب محافظة الحسكة»، وكُتب أعلى البطاقة بجانب الصورة الشخصية «غير صالحة لوثائق السفر لخارج القطر». كما كُتب عليها من الأسفل «لم يرد للمذكور قيد في سجلات العرب السوريين بمحافظة الحسكة نتيجة إحصاء عام 1962، وبناءً على طلبه أعطيناه بيان القيد المذكور أعلاه في سجلات أجانب تلك المحافظة».

شهادة التعريف التي حملها الضحايا من فئة “مكتومي القيد”، وهي تصدر عادةً عن “مختار الحيّ” بعنوان «شهادة تعريف خاصة بـ مكتومين القيد»، وتشترط حضور شاهدين/مُعرِّفين يقرّان بمعرفتهما لصاحبها. هذه الشهادة وظيفتها التعريف فقط ولا تُثبت أي شخصية قانونية، إذ يبقى “مكتومو القيد” خارج السجلّ المدني كلياً، بلا رقمٍ مدني، وغير معترف بهم رسمياً.
-
ما بعد 1963: رسوخ الأثر وتوسّعه
مع تبدّل السلطة عام 1963 ترسّخ التمييز بحكم الأثر عبر سياساتٍ مكانية–هويّاتية، تقاطعت مع مشاريع كـ”الحزام العربي“، فزاد العزل الإداري والقيود الثقافية واللغوية. بدل معالجة الخلل المؤسِّس (الإحصاء الاستثنائي) عولجت “القضية بالقضية” بقراراتٍ موضعية محدودة لم تُحدث تحولاً بنيوياً. هكذا انتقلنا من استثناءٍ إداري مؤقت -نظرياً- إلى بنية إقصاء طويلة الأمد.
-
المرسوم رقم 49 لعام 2011: نافذة تصحيح جزئي
في 7 نيسان/أبريل 2011 فتح المرسوم التشريعي 49 مسارَ استعادة الجنسية لفئة “أجانب الحسكة”، فتقدّم عشرات الآلاف واستعاد كثيرون جنسيتهم. لكن بقي “مكتومو القيد” خارج الحلّ، كما طبع التطبيق تفاوتٌ بين الدوائر واشتراط “موافقات أمنية” وتعقيدات إجرائية عطّلت ملفاتٍ بلا تسبيبٍ كاف. عملياً، عولج نصف الجرح، وبقي نصفه الآخر ينزف.
-
ما بعد 2011: الحرب تعمّق الحلقة المفرغة
ضاعفت سنوات النزاع المسلّح الأثر: تغيّرت مواقع دوائر النفوس وتعطّلت خدماتها، وتعدّدت السلطات وتباينت تعليماتها، وارتفعت كلفة الوصول بفعل الحواجز والمخاطر الأمنية. كثيرٌ من الولادات جرت خارج النظام أو في اللجوء؛ وثائقٌ فُقدت أثناء الفرار؛ وطلباتٌ استُعيض فيها عن القانون بـ”موافقات أمنية”. هذه العوامل كلها ولّدت حالاتِ انعدامٍ جديدة، وعرقلت تحويل الاستعادة القانونية إلى مواطنةٍ فعليّة.
رابعاً: الآثار الممتدّة لانعدام الجنسية: سجلّ معايشة لا افتراضات
انعدام الجنسية لا يُختزل في غياب وثيقة هوية فحسب؛ فقد كان منظومةُ حرمانٍ مركّب متواصلة أصابت «سلسلة الحقوق» جيلاً بعد جيل: ما يلي ليس احتمالات نظرية، بل وقائع عاشها الضحايا فعلاً في الحسكة ومحيطها على امتداد عقود؛ من لحظة الميلاد إلى المدرسة والجامعة والعمل والسكن والتنقّل وتأسيس الأسرة، وصولاً إلى الشيخوخة والضمان الاجتماعي.[7]
-
التعليم: من مقعدٍ فارغ إلى شهادةٍ مؤجَّلة
آلاف الأطفال أُعيدوا من أبواب المدارس لأن أسماءهم غير مقيدة أو لأن أسرهم لا تملك وثائق سارية. كثيرون انقطعوا عن الامتحانات الرسمية وفاتهم قطار الشهادة الثانوية/الجامعية، حتى في حالاتٍ لاحقة لاستعادة الجنسية، لأن سنوات الانقطاع كانت قد فعلت فعلها. النتيجةُ كانت تسرّباً مبكّراً ومهاراتٍ ضائعة لا تُعالجها ورقةٌ تأتي متأخّرة.
-
الصحّة: لقاحاتٌ ناقصة وسجلّاتٌ معلّقة
مواليدٌ بلا تسجيل رسمي يعني جداول تلقيحٍ غير مكتملة، ومراجعات صحية لا تجد ما تُثبته في دفاتر رسمية، وتعثّر في توثيق الأمراض المزمنة والإعاقات. هذا الفراغ الإداري أنتج فجوات رعاية ظلّت تلاحق الأطفال والبالغين سنواتٍ طويلة.
-
العمل وسبل العيش: اقتصاد الظلّ بوصفه قدراً
من دون هوية معتبرة، لا عقودَ عملٍ نظامية ولا اشتراكَ ضمانٍ اجتماعي. جرى دفع الآلاف إلى العمل غير الرسمي بأجورٍ أدنى ومخاطر أعلى، وبقيت المهن المُقنّنة (طب، هندسة، محاماة… إلخ) شبهَ مستحيلة. حتى من صحّحت أوضاعهم لاحقاً، ظلّوا يواجهون آثارَ السنين الضائعة في السيرة المهنية.
-
الملكية والسكن والأرض: بيتٌ بلا ورق = بيتٌ بلا أمان
عقودٌ عرفية بلا تسجيل رسمي، عدم القدرة على نقل الإرث، وصعوبات في الرهن والحصول على قروضٍ سكنية/زراعية. هكذا تراكمت هشاشة السكن وتوارثت الأسر الفقر القانوني: منزلٌ يمكن أن ينهار حقّه عند أول نزاعٍ أو تغييرٍ إداري.
-
الأحوال المدنية والهوية القانونية: معاملةُ اليوم تتحوّل إلى أشهر
إجراءاتٌ كان ينبغي أن تُحسم في أيام، طالت أشهراً وسنوات بفعل إدخال «الموافقات الأمنية»، وتفاوت التطبيق بين الدوائر، وفقدان وثائق أثناء النزوح. وحتى بعد «التصحيح»، ظهر ترميزٌ عددي في بعض البطاقات يشي بتاريخ صاحبها الإداري، فتحوّل إلى ندبةٍ تُبطئ معاملات لاحقة.
-
التنقّل والمشاركة العامة: حبس جغرافيّ وصمت سياسي
من دون وثائق سفر وهوية قابلة للتحقّق عند الحواجز، انكمشت الجغرافيا إلى الحيّ والناحية. ضاعت فرص الدراسة خارج المنطقة والعلاج التخصّصي والعمل الذي يتطلب حركة. وعلى المستوى العام، عاش الضحايا استبعاداً كاملاً من الاقتراع والتمثيل، فازدادت الفجوة بين المواطن والدولة.
-
تناسُل الأثر عبر الأجيال: حلقة “لا تسجيل → لا قيد → لا جنسية“
أطفالٌ وُلدوا بلا ورقة ولادة صالحة ورثوا قلقاً قانونياً وسلسلة حرمان مركّبة. تصحيح وضع الأب أو الأم لم يكن كافياً حين ظلّ الطفل خارج السجلّ؛ والجنسية وحدها لم تُثمر من دون تفعيل حقوقها في المدرسة والمشفى وسوق العمل.
-
أثرٌ جندريّ مضاعف على النساء
غلبةُ النسب الأبوي في قانون الجنسية قيّدت الأمهات عندما كان الأب مجهولاً/متعذّر الإثبات. واجهت النساء عوائقَ إضافية في الحركة والوصول للدوائر، وتحملن كلفة اجتماعية وقانونية مضاعفة لتثبيت أولادهن.
-
الأطفال الأشدّ هشاشة
بين عديمي الجنسية، كان الأطفال الأكثر عرضةً للتسرّب المدرسي، وسوء التغذية، وعمل الأطفال؛ وخاصة من وُلدوا في اللجوء أو ضمن زيجاتٍ غير مُثبتة. هذه ليست حالات متفرقة؛ إنها نمطٌ تكرّر عبر سنوات.
-
أشخاص ذوو إعاقة ومجموعات ذات حركة موسمية
غيابُ القيد المدني جعل الوصول المادي والإجرائي إلى الخدمات أصعب بكثير لذوي الإعاقة. وبالنسبة لبعض العشائر الرحّل، اصطدم التاريخ التنقّلي بنماذج تسجيلٍ ثابتة، فبقيت فجوات القيد تتكرّر على مسارات الحركة.
-
البعد الأمنيّ: حين يبتلع الاستثناءُ القاعدة
إقحامُ «الموافقة الأمنية» في معاملاتٍ مدنية خالصة حوّل طلب القيد إلى مخاطرة لدى البعض، وعلّق مئات الملفات تحت لافتة «قيد التدقيق». عملياً، جرى تفريغ الحقّ من محتواه وتحويله إلى امتيازٍ قابلٍ للتعليق.
-
سردية رقمية موجزة (للتثبيت لا للتجريد)
بين 1962 و2011 رُصد أكثر من 517 ألفاً بين مُجرَّدٍ ومحروم؛ منهم أكثر من 171 ألف «مكتوم». بعد 2011 استعاد أكثر من 375 ألفاً جنسيتهم، لكن أكثر من 150 ألفاً -غالبيتهم من المكتومين- بقوا خارج الحلّ. هذه ليست أرقاماً جامدة؛ كل رقمٍ هو مسار حياةٍ مؤجَّلة.
خامساً: الفئات الأخرى المتضرّرة/المعرّضة لانعدام الجنسية
رغم أنّ إحصاء 1962 صَبَّ أثره أساساً على الكُرد في الحسكة، إلا أنّ سنوات الحرب منذ عام 2011؛ والاختلالات التشريعية والإدارية القديمة-المتجددة أفرزت طيفاً واسعاً من الفئات المتضرّرة أو المعرّضة لانعدام الجنسية في مختلف المناطق. هذه الفئات لا تلغي مركزية المظلومية الكُردية التاريخية، لكنها تُظهر أن «الحق في الجنسية» بات سؤالاً حقوقياً عاماً يتجاوز جماعةً بعينها.
ما يلي يصف معاناةً عاشها الناس فعلاً في الدوائر والمدارس والمشافـي والحواجز، لا سيناريوهات افتراضية.
-
أبناء السوريات من آباء أجانب/مجهولين:
في الصفوف الأولى سُمعت جملة «اسم الطفل غير موجود في القيد» مراراً. أمّهات اصطدمن بأنّ اسمهن وحده لا يكفي لمنح أولادهن رقماً وطنياً أو جوازاً. من دون رقم، تأجّلت لقاحات، وتعطّل قيدٌ مدرسي، وبقي أطفالٌ سنواتٍ ببطاقات تعريف مؤقّتة لا تُفتح بها الأبواب كلّها.
-
الأطفال المولودون في اللجوء أو خارج مناطق سيطرة الحكومة:
عائلات عادت بوثائق ولادة مُصدّقة من الخارج، لكن موظف الشباك قال: «لا يمكن إدخالها الآن». ظلّ الطفل «مولوداً رسميّاً في بلدٍ آخر»، لكنّه غير موجود في السجل المحلي؛ فتأخّر التسجيل المدرسي والتطعيم، وبقي الملف يتنقّل بين المراسلات.
-
الزيجات غير المُثبّتة (عرفي/مبكّر/اختلاف طوائف):
زواجٌ قائم بالحياة اليومية، غائب على الورق. حين وُلد الأطفال، طُلب «تثبيت الزواج أولاً». سنوات تمضي بين محكمةٍ ومرجعيةٍ دينية ودوائر أحوال، والطفل يكبر بلا قيدٍ ناجز وبلا شهادة ميلاد كاملة البيانات.
-
العشائر الرحّل والجماعات ذات الحركة الموسمية:
مواسمُ ترحالٍ توقّفت عند باب دائرةٍ لا تُفتح إلا في أيامٍ محدّدة. وثّقت فرقٌ محليّة تكرار فقدان مواعيد تسجيل الولادات واللقاحات، لأن مسارات الحركة لا تتطابق مع دوام المكاتب. النتيجة: فجوات قيدٍ تتوارثها الأسر.
-
الفلسطينيون-السوريون (حالة خاصة):
الوضع القانوني كلاجئ لم يتغيّر، لكن الواقع تغيّر: سجلاتٌ مفقودة، خدماتٌ متوقفة أو منقولة، ومعاملاتٌ تتطلب وثائق لم تعد متاحة بسهولة. عاش كثيرون هشاشةً تُشبه عملياً انعدام الجنسية في الوصول للخدمات، وإن لم تتبدّل الصفة القانونية.
-
أطفال آباء أجانب «مقاتلين» أو مجهولي الهوية/المصير:
في كثير من البلاغات، توقّف القيد عند سؤال: «أين وثائق الأب؟». غيابه أو تعذّر إثبات جنسيته جعل الأطفال معلّقين: مدرسة تطلب قيداً مدنياً، وعيادة تطلب وثيقةً لا تتوفّر، ونظرةٌ اجتماعية تُثقّل يومهم العادي.
-
المولودون نتيجة اغتصاب/مجهولو الوالدين:
الخوف من الفضيحة جعل بعض الولادات غير مُبلّغٍ عنها في وقتها. حين طُرِق باب التسجيل لاحقاً، ظهرت إشاراتٌ واصمة في الورق أو في التعامل. الأطفال حملوا هذا الأثر معهم إلى الصفّ والمجتمع، لا إلى الإحصاءات فقط.
-
أُسَر المفقودين:
أمّهات وأقارب وجدوا أنفسهم بلا «صفة قانونية» تُجيز تسيير شؤون الأسرة. توقّفت معاملات تثبيت الولادات والإرث، وتعطّلت قرارات المدرسة والمشفى، لأنّ القضاء لم يحسم الحياة أو الوفاة، وبقيت العائلة في فراغٍ قانوني.
-
المعلّقون على “موافقات أمنية”:
ملفاتُ قيدٍ كاملة الأوراق سُمِرت على لوحة «قيد الدراسة». شهور -وأحياناً سنوات- من الانتظار بلا جوابٍ مُسبّب. بالنسبة لأصحابها، لم يكن ذلك إجراءً روتينياً، بل تعطيل حياة: عقد عمل تعذّر، عملية جراحية تأخّرت، تسجيلٌ جامعي فات.
-
فاقدو الوثائق بفعل الحرب/الحريق/النزوح:
بيوتٌ احترقت ومعها «الملفّات كلّها». من دون أرشيفٍ عائلي، صار إثبات البديهيات معركةَ شهودٍ وصورٍ قديمة وإفاداتٍ متفرّقة. بعض الأسر بدأت سيرة حياتها من الصفر، في دولةٍ تُطالب بالدليل الذي ضاع في القصف.
-
العائدون من اللجوء بوثائق أجنبية:
عادوا بأوراق صحيحة في بلد الإصدار، لكنها «لا تعمل هنا» قبل إجراءاتٍ طويلة. بقيت زيجاتٌ غير مدخلة، وولاداتٌ غير مُسجّلة محليّاً، وأطفالٌ ينتظرون قيداً ليجلسوا في مقعدٍ مدرسيّ ثابت.
هذه الوقائع، بتفاصيلها الصغيرة والمتكرّرة، تُظهر كيف خرج سؤال «الحق في الجنسية» من إطارٍ محليّ ضيّق إلى مسألةٍ وطنية تمسّ طيفاً واسعاً من الناس. ليست مجرّد ثغرات في اللوائح، بل حياة يومية تعطّلت في المدرسة والمشفى والشارع والبيت.
سادساً: التحليل القانوني
القضية ليست خلافاً على ورقةٍ مفقودة، بل على شرط الاعتراف القانوني بالإنسان. الحقّ في جنسيةٍ وعدم التعرّض للحرمان التعسّفي، والاعتراف بالشخصية القانونية، وعدم التمييز؛ كلّها ليست «ترفاً تفسيرياً»، بل التزامات صريحة في القانون الدولي لحقوق الإنسان تُولّد واجباتٍ تشريعية وإجرائية وقضائية على الدولة. هذا القسم يضع ميزان القانون فوق وقائع الحسكة منذ 1962 وما تلاها.
-
الإطار الدولي: قواعد لا يجوز القفز فوقها
يرتكز التحليل إلى أربع دعائم: (1) المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تُقرّ لكل فردٍ حقاً في جنسية وتحظر الحرمان التعسّفي منها؛ (2) العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يضمن الاعتراف بالشخصية القانونية (مادة 16) ويحظر التمييز (مادتان 2 و26) ويحمي الحياة الخاصة والعائلية التي يقوم عليها التسجيل المدني (مادة 17)؛ (3) اتفاقية حقوق الطفل التي تُلزم بتسجيل الولادة فوراً وبمنح الطفل اسماً وجنسية ومنع انعدام الجنسية، مع جعل «المصلحة الفضلى للطفل» معياراً حاكماً؛ (4) اتفاقيتا 1954 و 1961 الخاصّتان بعديمي الجنسية، اللتان ترسيان تعريفاتٍ ومعاييرَ دنيا للحماية ومنع نشوء الحالات الجديدة؛ حين لا تكون الدولة طرفاً، فمبادئ منع انعدام الجنسية للأطفال وحظر الحرمان التعسّفي باتت معياراً راسخاً في تفسير هيئات المعاهدات.[8] [9] [10] [11] [12]
-
الإطار الوطني: النصّ كما طُبّق فعلاً
إحصاء الحسكة (المرسوم 93/1962) حصر الإجراء بمحافظةٍ واحدة، ونفّذه في «يوم واحد»، مع اشتراط إثبات إقامة قبل 1945، وهو شرط لا يراعي الحركة التاريخية للسكان ولا محدودية السجل المدني آنذاك. النتيجة كانت خلق فئتين قانونيتين: «أجانب الحسكة» ببطاقاتٍ حمراء داخل وطنهم، و«مكتومي القيد» خارج أي سجلّ. لاحقاً، جاء المرسوم 49/2011 ليعالج جزءاً من المشكلة باستعادة واسعة لفئة «الأجانب»، لكنّه ترك «المكتومين» خارج الحلّ وأخضع التطبيق لاشتراطاتٍ أمنية وتبايناتٍ بين الدوائر. في صلب قانون الجنسية نفسه تبقى ثغرتان: غلبة النسب الأبويّ (التمييز ضد الأم في نقل الجنسية)، وغياب قاعدةٍ احترازية تمنع انعدام الجنسية عند الميلاد.
-
خريطة التعارض بين الوطني مع الدولي:
التعارض الأبرز رباعيّ: أولاً، «اليوم الواحد» ومعيار الإثبات المبالغ فيه انتجَا تمييزاً بحكم الأثر ضد فئاتٍ أفقر أو أكثر حركة، بما يخالف مبدأ المساواة وعدم التمييز. ثانياً، الفرز إلى فئتي «أجانب» و«مكتومين» عطّل الاعتراف بالشخصية القانونية، وما يتفرع عنها من حقوق تعليمٍ وصحّةٍ وعمل. ثالثاً، اشتراط «موافقات أمنية» في معاملاتٍ مدنية خالصة يمسّ جوهر الحق ويخالف اختبار الضرورة والتناسب. رابعاً، غياب مساواة النساء في نقل الجنسية وغياب قاعدةٍ مانعة لانعدام الجنسية عند الميلاد يتصادمان مع اتفاقية حقوق الطفل وسيداو ومعايير الحدّ من انعدام الجنسية.
-
اختبار «الضرورة والتناسب»: هل كانت الإجراءات مبرَّرة؟
الغاية المعلنة عام 1962 كانت «تنقية السجل وضبط الهجرة». لكن هل يُبرّر ذلك إحصاءً في يومٍ واحد بشروط إثباتٍ لا تراعي الواقع؟ المعايير الدولية تُلزم بأن يكون القيد متاحاً وميسّراً وغير تمييزي. حين يجعل التصميم الإداري الامتثال شبهَ مستحيل على شريحةٍ واسعة، يكون الإجراء غيرَ متناسب، ويصبح الأثر التمييزي قرينةً قانونية على عدم المشروعية. القياس نفسه يُقال اليوم عن «الموافقات الأمنية» في الأحوال المدنية: لا ضرورةَ لها لتحقيق مصلحةٍ مشروعة، وضررُها يفوق أي منافع مزعومة. [13]
-
التزامات «العناية الواجبة» على الدولة: منع – حماية – جبر
يلزم القانونُ الدولي الدولةَ بثلاثة مسارات متلازمة:
المنع: سدّ الثغرات التشريعية لمنع نشوء انعدام الجنسية (نصٌّ صريح يَحمي الطفل من انعدام الجنسية، مساواة النساء في نقل الجنسية، حظر الحرمان التعسّفي).
الحماية: إزالة القيود غير الضرورية (الموافقات الأمنية)، توحيد التطبيق عبر الدوائر، وتوفير مساطر طعن فعّالة وسريعة.
الجبر: اعترافٌ رسمي بالمظلومية، مسارات تصحيح جماعية، وتعويضاتٌ رمزية/خدمية وضمانات عدم التكرار. هذا «الثلاثي» ليس توصيةً أخلاقية بل مقتضى قانوني حين يقع ضررٌ واسع من فعلٍ منسوب للسلطات.
-
مسارات المواءمة التشريعية: كيف نغلق الثغرة في النص؟
المفتاح في قانون الجنسية: تقريرُ قاعدةٍ مانعة لانعدام الجنسية عند الميلاد («كل طفل يولد على الإقليم ولا تثبت له جنسية أخرى يكتسب الجنسية السورية بحكم القانون»)، مع مساواةٍ كاملة للنساء والرجال في نقل الجنسية للأبناء، ووضع ضوابط صارمة لأي إسقاطٍ للجنسية (مبرّرات ضيّقة، قرار قضائي مُسبّب، قابل للطعن، ومنع الرجعية والتجريد الجماعي). هذه التعديلات تُحيل النصَّ من مصدر خطرٍ إلى مظلّة وقاية.
-
مسارات المواءمة الإجرائية: كيف نجعل الحقّ قابلاً للاستعمال؟
إصلاح الأحوال المدنية يعني إخراج الأمن من المعاملة المدنية، واعتماد «القرائن المعقولة» (شهود، سجلات مدرسية وصحية، وثائق دينية ومحلية) لإثبات الوقائع عند فقدان الوثائق، مع رقمنةٍ تربط الدوائر وتفرض مهلاتٍ قصوى للبتّ، والاعتراف بوثائق الولادة والزواج الصادرة في بلدان اللجوء ضمن مسطرة تصديقٍ واضحة واتفاقات اعترافٍ متبادل حيث أمكن. القانون بلا إدارةٍ رحيمةٍ وعقلانية يتحوّل قفصاً.
-
قضاءٌ متاح ورقابةٌ فعّالة: الطريق إلى الإنصاف الفردي
يتطلّب الانسجام مع المعايير الدولية غرفاً قضائية مختصّة بالجنسية والأحوال المدنية بمسطرةٍ مبسّطة ومساعدةٍ قانونية مجانية، مع توحيدٍ للاجتهاد وآلية شكاوى استقلالية لضحايا التمييز الإداري قادرةٍ على الإلزام والتعويض. القانون الجيّد بلا قاضٍ متاحٍ يصبح نصيحةً، لا حقّاً.
سابعاً: توصيات عملية في سياق التحوّلات السورية ومسار العدالة الانتقالية
تُبنى هذه التوصيات على أنّ انعدام الجنسية إرث بنيوي ممتد منذ إحصاء 1962، وفي الوقت نفسه قضية عدالة انتقالية تمسّ الحق في الاعتراف القانوني، والمساواة، وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار. صيغت التوصيات على مستويات متكاملة (تشريعية، تنفيذي/إدارية، قضائي/رقابية، مجتمعية، ودولية).
-
الاعتراف والحقيقة والذاكرة
- اعتراف رسمي بأن إحصاء 1962 خلّف انتهاكات جماعية حرمت عشرات الآلاف من الجنسية، مع التزامٍ سياسي واضح بالمعالجة.
- إعداد تقرير وطني للحقيقة حول الإحصاء والسياسات اللاحقة (ومنها “الحزام العربي” والقيود الثقافية/اللغوية والتمييز الإداري) عبر لجنة مستقلة تستمع للضحايا وتفتح الأرشيفات ذات الصلة.
- حماية الأرشيف: وقف أي إتلاف/تعديل في سجلات الأحوال المدنية ودفاتر الإحصاء والقرارات التنفيذية، والشروع برقمنةٍ مُحكَمة بضمانات خصوصية.
-
جبر الضرر (فوري وانتقالي وهيكلي)
يحتاج الناس إلى أكثر من استعادةِ الجنسية على الورق. جبرُ الضرر هنا يعني اعترافاً رسمياً بالمظلومية، وإعفاءاتٍ من الرسوم والغرامات التي راكمتها سنواتُ الحرمان، وأولويةً عملية في الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة واستخراج الوثائق. الجبر ليس منّةً؛ إنّه ترتيب آثارٍ لخطأ عموميّ طويل الأمد.
-
ضمانات عدم التكرار (تشريعات ومؤسسات)
- في قانون الجنسية: اعتماد قاعدة مانعة لانعدام الجنسية عند الميلاد؛ مساواة تامة بين الجنسين في نقل الجنسية؛ وحظر التجريد التعسّفي عبر قرار قضائي مُسبَّب قابل للطعن ومنع الرجعية والجماعية.
- في الأحوال المدنية والإدارة: إلغاء «الموافقات الأمنية» في المعاملات المدنية؛ قبول القرائن المعقولة عند فقدان الوثائق؛ رقمنة وربط دوائر السجلّ؛ ووضع مهلات واضحة للبتّ.
- في القضاء والرقابة: غرف مختصّة بالجنسية والأحوال المدنية بمسطرة مبسّطة ومساعدة قانونية مجانية؛ وآلية شكاوى مستقلّة قادرة على الإلزام والتعويض.
-
مسار عدالة انتقالية خاص بملف انعدام الجنسية
- إدراج القضية ضمن خرائط الطريق السياسية بوصفها انتهاكاً جماعياً قابلاً للمعالجة، مع مساءلة دورية.
- العدالة القريبة من الناس: فرق جوّالة للتسجيل والتوثيق في القرى والمخيّمات ومناطق صعبة الوصول؛ وأيام ميدانية تُنجَز خلالها معاملات في الموقع.
- حماية الطفولة: تسجيل ولادات فوري، تسهيل لمّ الشمل القيدي داخل سوريا، وخطّ تواصل مختصّ بحالات الزيجات غير المثبّتة/الأب مجهول، وفق المصلحة الفضلى للطفل.
-
أدوار أصحاب المصلحة
- السلطة التشريعية والتنفيذية: تعديل قانون الجنسية والأحوال المدنية، ونصّ خاص لتسوية أوضاع «مكتومي القيد»، وتخصيص موازنات للرقمنة والفرق الجوالة والإعفاءات.
- السلطة القضائية: إنشاء دوائر متخصّصة، قضاء مُستعجل للقيود الحيوية، وتدريب القضاة على معايير عدم التمييز وحقوق الطفل.
- الجهات الأمنية: إخراج الملفّ من الدورة الأمنية كلياً؛ أي تدقيق لا يكون إلا بأمر قضائي مُسبَّب وفي حالات محدّدة، مع المساءلة عن أي تدخّل إداري.
- منظمات المجتمع المدني وروابط/مبادرات الضحايا: عيادات قانونية متنقّلة، توثيق منهجي للسرديات، حملات توعية بالتسجيل، وتمثيل الضحايا في اللجان، مع آليات إحالة للنساء والأطفال والناجين/ات من العنف.
- الأمم المتحدة والجهات المانحة: تمويل مرن للرقمنة والفرق الجوالة والتوثيق، ودعم تقني لمعايير قبول القرائن، وإدراج «خطر انعدام الجنسية» كمؤشّر حماية أساسي في برامج التعليم والصحّة والحماية.
إنهاء إرث 1962 ليس «ملفّ أوراق» بل استعادة مواطنة. بدمج الاعتراف والحقيقة مع جبرٍ فوريّ وإصلاحات تشريعية/قضائية/إدارية وضمانات عدم التكرار، يمكن إقفال الحلقة عبر جيل واحد. المفتاح: إرادة سياسية واضحة، إجراءات مبسّطة، شفافية، وتمثيل فعلي للضحايا. حين تتوقّف العائلات عن جمع «أدلّة وجودها» وتعود إلى جمع صور المدرسة والعيادة والعمل، نكون قد نقلنا القضية من خانة «معاملةٍ لا تنتهي» إلى خانة حقٍّ أصبح عادة.
للاطّلاع على التقرير كاملاً (21 صفحة) بصيغة PDF، يُرجى النقر على هذا الرابط.
[1] تقرير: المواطنة السورية المفقودة: كيف دمر إحصاء عام 1962 حياة الكرد السوريين وهويتهم، منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، 15 أيلول/سبتمبر 2018. لقراءة التقرير: (https://stj-sy.org/ar/746/). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[2] المصدر السابق نفسه.
[3] تقرير: سوريا والحرمان من الجنسية: محنة بلا نهاية، منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، 5 تشرين الأول/أكتوبر 2022. لقراءة التقرير (https://stj-sy.org/ar/%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%86%d8%a9-%d8%a8%d9%84%d8%a7-%d9%86%d9%87%d8%a7%d9%8a%d8%a9/). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[4] مشروع “الحزام العربي” في سوريا: 51 عاماً من التمييز البنيوي وغياب العدالة، ورقة حقائق بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لإطلاق المشروع التمييزي في 24 حزيران/يونيو 1974، صادرة عن “رابطة تآزر للضحايا”، بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2025. لقراءة الورقة: (https://hevdesti.org/ar/ar-the-arab-belt-project-in-syria/). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[5] تقرير: المواطنة السورية المفقودة: كيف دمر إحصاء عام 1962 حياة الكرد السوريين وهويتهم، منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، 15 أيلول/سبتمبر 2018. لقراءة التقرير: (https://stj-sy.org/ar/746/). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[6] أُنظر أيضاً: «أجانب سورية (البدون) تلك القنبلة الموقوتة»، موقع إيلاف، 29/12/2007 (أرشيف). يتضمّن نبذة عن مسيرة توفيق نظام الدين وشقيقه عبد الباقي نظام الدين والمناصب التي شغلاها، مع الإشارة إلى سياق قرارات سحب الجنسية عام 1962 بحقّ أكرادٍ سوريين. لقراءة المقال كاملاً: (https://elaph.com/Web/NewsPapers/2007/12/291884.html?tsectionarchive=AsdaElaph). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[7] هيومن رايتس ووتش – تقرير “الأكراد الصامتون”: توثيق تاريخ التجريد وآثاره العملية على الوصول إلى التعليم/القيد، مع إشارات إلى متطلبات أمنية، بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر 1996. لقراءة التقرير كاملاً: (https://www.hrw.org/report/1996/10/01/syria-silenced-kurds). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[8] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الموقع الرسمي للأمم المتحدة. لقراءة الإعلان كاملاً: (https://www.un.org/ar/about-us/universal-declaration-of-human-rights). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[9] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الموقع الرسمي للأمم المتحدة. لقراءة العهد كاملاً: (https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[10] نص اتفاقية حقوق الطفل، يونيسيف. لقراءة الاتفاقية: (https://www.unicef.org/ar/%D9%86%D8%B5-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84/%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[11] مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “اتفاقية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية”، 1954. لقراءة الاتفاقية: (https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-relating-status-stateless-persons). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[12] مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “اتفاقية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية”، 1961. لقراءة الاتفاقية: (https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-reduction-statelessness). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
[13] إرشادات انعدام الجنسية رقم 4 (2012) – UNHCR: «ضمان حق كل طفل في اكتساب جنسية وفقاً للمواد 1–4 من اتفاقية 1961» — نص كامل على Refworld، مع نسخة بديلة على موقع UNHCR. لقراءة الإرشادات بالكامل: (https://www.refworld.org/policy/legalguidance/unhcr/2012/en/105120). (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2025).
المصدر: تــآزر
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=77353