سلمان حسين – هولندا
يتداول بعض المحللين والإعلاميين العرب في الفترة الأخيرة مصطلحًا غامضًا يُعرف باسم ممرداؤد وقد صُوّر على أنه مشروع استراتيجي أو مخطط جيوسياسي مزعوم يربط بين إسرائيل وبعض الدول في المنطقة لتحقيق أهداف أمنية أواقتصادية. غير أن هذا المصطلح لا وجود له في أي مصدر علمي موثوق، ولا يُذكرمطلقًا في الإعلام أو الأبحاث الغربية ولا حتى الإسرائيلية، مما يجعل من الواضح أنه نتاج خيال بعض قنوات الإعلام والمحللين العرب أكثر منه توصيفًا لواقع سياسي أوجغرافي قائم.
يحاول بعض وسائل الإعلام العربية المختلفة تقديم فكرة مؤامرة ( ممر داؤد) كمشروع جيوسياسي واستراتيجي يُعتقد أنّ إسرائيل تسعى لتنفيذه، على الرغم من أنه ليس معلنًا أو موثقًا في أي جهة رسمية. وحسب الرواية المتداولة، يُزعم أن هذا الممر طريق تاريخي سري أو ممر قديم مرتبط بأساطير غامضة وحضارات مفقودة، يُعاد إحياؤه في العصر الحديث لخدمة أهداف سياسية. وتصف هذه السردية المزعومة الممر بأنه طريق بري يمتد من الجولان جنوب سورية، مرورًا بالبادية السورية وصولًا إلى المناطق الكردية في شمال وشرق سورية، وربّما إلى جزء من إقليم كردستان العراق، ليصبح حلقة وصل بين إسرائيل والأكراد في سوريا والعراق. ورغم ما تحمله هذه الفكرة من طابع درامي يثير الفضول والمتابعة لدى الجمهورالعربي، فإنها تفتقر تمامًا إلى أي دليل مادي أو توثيق أكاديمي أو خرائط رسمية تدعمها.
عند مراجعة الأبحاث الأكاديمية، والتقارير السياسية، والمنشورات الإعلامية الغربية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، لا يظهر أي ذكر لمشروع أو مصطلح بهذا الاسم. حتى في الوثائق أو الخرائط الجيوسياسية المعروفة، لا توجد أي إشارة لما يُسمّى (ممر داؤد). هذا الغياب التام في المصادر الدولية يثبت أن الفكرة لا تستند إلى أي أساس علمي أو واقعي، وإنما تم بناؤها على تصورات وتكهنات إعلامية غير موثقة.
يشبه مصطلح (ممر داؤد) في نشأته وهدفه الدعائي مصطلحات أخرى وُلدت في البيئة الإعلامية العربية، مثل الهلال الشيعي الذي شاع في مطلع الألفية الجديدة. فقد جرى حينها تضخيم هذا المفهوم ليبدو كمخطط مذهبي واسع، رغم أنه لم يكن له وجود حقيقي إلا في الخطاب الإعلامي العربي والسني حصرا إذ استخدم لتفسيرالتحولات السياسية والإقليمية من منظورطائفي بحت ضمن الصراع السني – الشيعي الأزلي.
إن انتشار مثل هذه المفاهيم يعكس الدورالسلبي للإعلام العربي الذي غالبًا ما يسهم في نشر الكراهية وتعزيز الانقسام بدلاً من ترسيخ ثقافة التسامح والتفكير النقدي. فبدلًا من أن يكون الإعلام منصة لتنوير المجتمع وتعزيزالحوار، يتحول في كثير من الأحيان إلى أداة تعبئة وتجييش عاطفي تُعيد إنتاج خطاب الخوف والعداء، مما يغلق الباب أمام الوعي الموضوعي ويغذي ثقافة المؤامرة.
كما يسعى بعض الإعلاميين إلى تجييش الشعوب العربية وإيهامها دائمًا بأن الوطن العربي في خطر وأن العرب مستهدفون من قوى خارجية، في حين أنّ الواقع يُظهر أن معظم الدول العربية تسعى في الخفاء لبناء علاقات سياسية واقتصادية مع تلك القوى ذاتها. وهنا تتجلى المفارقة في الخطاب الإعلامي العربي الذي يروّج علنًا لخطاب المقاومة والمواجهة، بينما يغضّ الطرف عن التحالفات والعلاقات الدبلوماسية التي تُدار خلف الكواليس وكل ذالك لكبح المعارضين للحكم وتشويه صورتهم وهذا نشاهده في الحالة السورية حيث يحاول النظام والأعلام سوية تشويه كل من يختلف معهم وخاصة الشعب الكردي والدروز والعلويين.
وعليه، فإنّ ممر داؤد ليس أكثر من خرافة إعلامية واصطلاح ملفّق نُسجت تفاصيله من خيال بعض المحللين العرب. ومثلما جرى تضخيم فكرة الهلال الشيعي في الخطاب العربي قبل عقدين، يُعاد اليوم إنتاج سردية جديدة لا تستند إلى أي مصادر موثوقة. لذلك من المهم التعامل مع مثل هذه المفاهيم بحذر، والتمييز بين التحليل المبني على الحقائق والتحليل القائم على الخيال والتضليل الإعلامي، فالمجتمعات لا تُبنى بالخوف بل بالوعي، ولا تنهض بالأوهام، بل بالفهم العميق للواقع ومتغيراته.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=79474





