كتابة ومتابعة: زيد حلمي
لماذا يفشل القادة ، إنّ الفشل في القيادة ليس مجرد انتكاسة عابرة، بل هو أثر متسلسل قد يُزعزع الثقة، ويُحطّم الروح المعنوية، بل ويُغيّر مجرى التاريخ. عندما يتعثر القادة، نادراً ما تكون العواقب معزولة. فقد تنهار منظمات وحركات ومجتمعات بأكملها تحت وطأة عجز شخص واحد عن التكيف، أو الإنصات، أو القيادة بوضوح. لكن إليكم ما لا يُناقش غالبًا: الفشل نادرًا ما يكون مفاجئًا. فالقادة لا ينهارون بين عشية وضحاها. بل يفشلون بسبب ثغرات صغيرة تم تجاهلها، وأنماط لم يتم التحقق منها، وقرارات بدت بسيطة في حينها ولكن كان لها آثار متراكمة مع مرور الوقت.
في هذه المدونة، سنستكشف ليس فقط أسباب فشل القادة، بل أيضاً ما يُعلّمنا إياه التاريخ لتجنب الوقوع في نفس الأخطاء. والأهم من ذلك، سنكشف عن العادات والعقليات الأقل شهرة التي تُميّز القادة المرنين والقادرين على التكيف عن أولئك الذين ينهارون تحت الضغط.
1. الانجراف الصامت: فقدان التواصل مع الناس
من أكثر إخفاقات القيادة شيوعاً فقدان التواصل التدريجي مع الشعب الذي من المفترض أن يخدمه القادة. والتاريخ حافل بالأمثلة: ملوكٌ فرضوا الضرائب على شعوبهم فثاروا، ورؤساء تنفيذيون انفصلوا عن موظفيهم، وشخصيات سياسية توقفت عن الاستماع إلى المواطنين. كثيراً ما يفشل القادة عندما يفترضون أن الرؤية تحل محل التواصل. فالرسالة القوية أو الحلم الكبير لا قيمة لهما إن لم يفهم القائد كيف يخوض أفراد فريقه هذه الرحلة.
كيفية تجنب ذلك
مارس التقارب. يجب على القادة أن يضعوا أنفسهم عن قصد في بيئات تحدث فيها محادثات حقيقية – سواء كان ذلك التجول في أرضية المصنع، أو الانضمام إلى مناقشات الفريق، أو الاستماع إلى قصص الخطوط الأمامية. اطرح أسئلة مختلفة. بدلاً من سؤال “كيف حالنا؟” جرب سؤال “ما هو الشيء الذي تتمنى أن أفهمه عن تجربتك الآن؟”
وازن بين الوضوح والتعاطف. لا تكتفِ بالقيادة بالأهداف، بل قُد بالفهم.
2. الغرور المتخفي: عندما تتحول الثقة إلى عمى الثقة ضرورية للقيادة. لكن التاريخ يكشف أن الثقة المفرطة – التي غالباً ما تتستر وراء قناع اليقين – قد أسقطت إمبراطوريات وشركات وحركات. يبدأ القادة بتصديق الإطراء، ويحيطون أنفسهم بالمتملقين، ويتجاهلون علامات التحذير.
يُعد غزو نابليون لروسيا مثالاً كلاسيكياً. فقد اعتقد أن استراتيجياته لا تشوبها شائبة، ليواجه شتاءً قاسياً أذلّ إمبراطوريته. وفي عالم الأعمال، فشلت شركات مثل بلوكباستر لأن قادتها كانوا على يقين تام بأن نموذج أعمالهم سيدوم إلى الأبد.
كيفية تجنب ذلك
شجع على الاختلاف. القادة العظماء يخلقون عن قصد مساحة للناس للاختلاف وتحدي المسلّمات.
راجع القرارات بعد وقوعها. تأمل في ما تم افتراضه مقابل ما حدث بالفعل لتجنب تكرار الأخطاء غير المقصودة.
حافظ على فضولك. يجب أن ترتكز الثقة على التواضع، حيث يدرك القادة أنهم لا يعرفون كل شيء.
3. فخ الطاقة: الفشل في إدارة القدرات الشخصية
هذا الأمر نادرًا ما يُناقش: لا يفشل القادة بسبب سوء الاستراتيجية فحسب، بل يفشلون أيضًا بسبب الإرهاق الشديد. فالإرهاق يؤدي إلى سرعة الغضب، وسطحية التفكير، واتخاذ قرارات متسرعة.
قال ونستون تشرشل ذات مرة: “القيادة هي طاقة تُوظف لتحقيق هدف”. وبدون الطاقة، حتى أذكى القادة يفقدون تميزهم.
كيفية تجنب ذلك
رتّب أولوياتك بحزم. ليس كل مشكلة تستحق اهتمامك. يجب على القادة أن يتعلموا تفويض المهام.
أسس نظاماً للراحة. القيادة ماراثون وليست سباقاً قصيراً. خصص وقتاً للتجديد.
استثمر في الصحة. الصحة البدنية والنفسية والعقلية أمور لا تقبل المساومة. القادة الذين يتجاهلونها يُخربون أنفسهم.
4. وهم السيطرة: رفض التكيف
من المفارقات الكبرى في القيادة أن القادة يفشلون أكثر عندما يسعون جاهدين للسيطرة على كل شيء. فبدلاً من بناء الأنظمة وتمكين الآخرين، يتدخلون في أدق التفاصيل حتى يموت الابتكار.
تُعدّ الديكتاتوريات الفاشلة في التاريخ تذكيراً صارخاً. وعلى نطاق أضيق، تنهار الشركات عندما يرفض مؤسسوها التكيف مع تغيرات السوق بسبب هوسهم بالسيطرة على كل التفاصيل.
كيفية تجنب ذلك
التحول من السيطرة إلى التأثير. القيادة الحقيقية لا تعني إملاء الأفعال بل تشكيل الثقافة.
عزز عملية صنع القرار على جميع المستويات. فالثقة تبني نتائج أقوى من السيطرة.
تكيّف أو اندثر. ابنِ ردة فعل سريعة للتحوّل عندما يتغيّر الواقع.
5. انهيار النزاهة: تنازلات صغيرة تقوض الثقة
عندما يفشل القادة أخلاقياً، نادراً ما يكون ذلك بسبب فضيحة واحدة ضخمة في البداية. غالباً ما يبدأ الأمر بتنازلات صغيرة – كالتلاعب بالقواعد، وتزوير الأرقام، وتزييف الحقائق. ومع مرور الوقت، تتراكم هذه القرارات حتى ينهار مستوى الثقة تماماً.
كيفية تجنب ذلك
حدد أولوياتك التي لا تقبل المساومة. اعرف مسبقاً ما لن تتنازل عنه أبداً.
أنشئ نظاماً للمساءلة. استعن بموجهين أو مستشارين أو مجالس إدارة يمكنها مساءلة قراراتك.
قُد بشفافية. تواصل بانفتاح، حتى عندما يكون الأمر غير مريح.
6. غرفة الصدى: الاستماع فقط إلى الأصوات التي تعجبك
يفشل القادة عندما يحيطون أنفسهم فقط بأشخاص يفكرون مثلهم. هذا “التأثير المصاحب لتكرار الأفكار” يخلق فقاعة تجعل القادة غافلين عن الواقع.
في التاريخ، يفسر هذا سبب صدمة العديد من القادة السياسيين من الانتفاضات – فقد تجاهلوا أصوات الشعب واعتمدوا فقط على المستشارين الذين أخبروهم بما يريدون سماعه.
كيفية تجنب ذلك
نوّع دائرة معارفك. ضمّ إليها أشخاصاً يمتلكون خبرات وخلفيات ووجهات نظر مختلفة.
اطلب الأخبار السيئة. القائد الحكيم يجعل الناس يشعرون بالأمان عند طرح مشاكلهم، وليس فقط عند مدحهم.
قِس الواقع. انظر إلى الحقائق والبيانات والتعليقات غير المُفلترة.
7. انحراف المهمة: فقدان رؤية “السبب”
عندما يغيب عن القادة الهدف من مهمتهم، يصبح الفشل حتمياً. تتحول الأهداف إلى مجرد قوائم مهام، وتنفصل الفرق عن العمل لأن المعنى الأعمق قد نُسي.
كيفية تجنب ذلك
احرص على مراجعة الرؤية بانتظام. تأكد من أن الجميع يتذكرون أهمية هذا العمل.
اربط الهدف بالناس. بيّن كيف يرتبط العمل اليومي بنتائج أكبر.
راجع المهمة. اسأل بانتظام: “هل ما نقوم به يتماشى مع سبب بدايتنا؟”
8. القيادة القائمة على الخوف: القيادة من خلال الترهيب
يفشل بعض القادة ليس لضعفهم، بل لاعتمادهم على الخوف. فبينما قد يحفز الخوف الامتثال على المدى القصير، إلا أنه يدمر الولاء والإبداع على المدى الطويل.
كيفية تجنب ذلك
قُد باحترام لا بخوف. التأثير يدوم أطول من الترهيب.
خلق بيئة آمنة نفسياً. تزدهر الفرق عندما تعلم أن الأخطاء لن تدمرها.
احتفِ بالشجاعة. كافئ المخاطرة والصدق، حتى عندما لا تكون النتائج مثالية.
9. نقطة الضعف في بناء الإرث: الفشل في بناء قادة المستقبل
لا تُقاس القيادة الحقيقية بما يحدث أثناء توليك المسؤولية، بل بما يحدث بعد رحيلك. يفشل القادة عندما يبنون أنظمة لا تعمل إلا بوجودهم.
كيفية تجنب ذلك
وجّه الآخرين بوعي. استثمر وقتك في إعداد قادة جدد.
صمم من أجل الاستدامة. يجب أن تدوم الأنظمة أطول من عمر الشركة الرائدة.
يُقاس النجاح بالخلافة. إن أعظم إنجاز للقائد هو ترك الآخرين مؤهلين لمواصلة المهمة.
10. ما يعلمنا إياه التاريخ عن فشل القيادة
يذكرنا القادة الفاشلون في التاريخ بحقيقة تبعث على التأمل: إن فشل القيادة لا يتعلق بخطأ كبير واحد، بل يتعلق بتجاهل الشقوق الصغيرة التي يمكن تجنبها.
لا ينجح القادة العظماء لأنهم كاملون، بل لأنهم ينمّون الوعي الذاتي، ويمارسون التواضع، ويرفضون تكرار أخطاء من سبقوهم.
السؤال الحقيقي ليس ما إذا كنت ستواجه الفشل أم لا، بل ما إذا كنت ستتعلم من إخفاقات التاريخ قبل تكرارها.
الخاتمة
إن فشل القيادة ليس أمراً حتمياً. فمن خلال دراسة مواطن تعثر الآخرين – كفقدان التواصل، والغطرسة، والإرهاق، وفقدان السيطرة، ومشاكل النزاهة، والانغلاق الفكري، والانحراف عن الهدف، والخوف، أو غياب الخلافة – نجهز أنفسنا لبناء قيادة مستدامة.
إن الطريق إلى التأثير الدائم لا يُمهد بتجنب الفشل بأي ثمن، بل بالبقاء متيقظًا ومتواضعًا وقابلًا للتعلم بما يكفي لمنع الشقوق الصغيرة من أن تصبح انهيارات.
أفضل القادة ليسوا أولئك الذين لا يسقطون أبداً، بل هم أولئك الذين يتعلمون ويتكيفون وينهضون أقوى مع كل اختبار.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=81479



