الجمعة, نوفمبر 22, 2024

دور الصحافة في التعريف بالقضية الكُردية

محمد زكي أوسي

للمطبوعات دورٌ جداً مهم في تقدم الوعي ثقافياً وسياسياً واجتماعياً للأمم والشعوب, والصحافة ارتباطها عضوي بتطوير الوعي القومي والسياسي والاقتصادي.

لدى صدور صحيفة (كُردستان) في 22/4/1898م, عُدَّ إنجازاً عظيماً وتقدماً كُردياً حضارياً, كان يقف وراءها رجالٌ من أعرق العائلات الكُردية (البدرخانيون) خاصةً أنّ لها دوراً عظيماً في تاريخ نضال الأمة الكُردية على كافة الصٌعد, وقبل تشكيل الجمعيات والمنظمات, تمّ إصدار الجرائد, وهذه ظاهرة مهمة, لأنها كانت السبب والوسيلة لتجميع المثقفين الكُرد ، وبالتالي تشكيل المنتديات السياسية الكُردية.
لعبت الصحافة الكُردية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى, دوراً مهماً في شرح القضية الكُردية بين المثقّفين الكُرد وكذلك الأجانب المختصّين بالقضية الكُردية, وإذا كانت الصحافة بالنسبة للشعوب الأخرى تشكّل إضافةّ ثقافية وإعلامية, فإنها لدى الشعب الكُردي تُعّدُ بداية انطلاق مجمل الحركة الثقافية الكُردية المعاصرة, كما ولعبت الصحافة الكُردية دوراً بارزاً في تنشئة عناصر وقيادات بارزة في الحركة الوطنية التحررية الكُردية, وهنا علينا أن نذكر كيف كان جنوب كُردستان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي مركزاً هاماً للإشعاع الثقافي, وللصحافة دورٌ هام في تعبئة الجماهير وتوعيتها لتعبّر عن رأيها ، وتطالب بحقوقها المشروعة وهي دائماً تمهّد لاندلاع الثورات والانتفاضات, يقول الكاتب الأشهر تولستوي في أهمية وفعالية دور الصحافة: (الجرائد نفير السلام, وصوت الأمة, وسيف الحق القاطع, ومجيرة المظلومين, وشكيمة الظالم, فهي تهزّ عروش القياصرة وتدكّ معاقل الظالمين).

وبهذا الصدد أيضاً يقول نابليون بونابارت: (الصحافة ركنٌ من أعظم الأركان التي تُشَيّد عليها دعائم الحضارة والعمران, إنني أتوجّس من ثلاث جرائد أكثر من مائة ألف مقاتل).

وكانت الصحافة الكُردية أحد أسباب اندلاع ثورة أيلول المجيدة (1961)م, يقول الرئيس مسعود البارزاني في الجزء الرابع من كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكُردية) : قبل أن تصل العلاقات بين الشعب الكُردي والحكومة العراقية إلى القطيعة النهائية أيلول 1961م, جرت أحداثٌ دفعت بالأمور نحو التأزّم والانفجار, وتوالت تراجعات الحكومة عن إجراءاتها الايجابية في كُردستان, فيما يخصّ حقوق الشعب الكُردي تنفيذاً للبند الثالث من الدستور المؤقت. وتصدى الحزب الديمقراطي الكُردستاني بوضوحٍ وشجاعة لدعوة صهر الكُرد في بوتقة القومية العربية، ونشرت جريدة (خه بات) سلسلة مقالاتٍ تفضح هذه الدعوة الرجعية العنصرية, وفي مقالٍ لها في عددها 440 الصادر في 22 شباط 1961م, تحت عنوان: (محاولات صهر القومية الكُردية ونتائجها الحتمية) كتبت تقول: (إنّ القومية الكُردية حقيقة تاريخية صخرةٌ تتحطّم عليها المحاولات الاجرامية كلّها من إدماجية وإلحاقية). وعددت (خه بات) نتائج سياسة الصهر والدمج بأنها تثير البغضاء والعداوات وتنسف الوحدة الوطنية وتجلب الكوارث والويلات والحروب الأهلية للدولة التي تمارسها), مما حدا بالزعيم عبد الكريم قاسم إلى إصدار الأمر بإغلاقها في آذار 1961م.

والجدير بالذكر أنّ الصحافة الكُردية الصادرة باللغة العربية تمكّنت من ايصال الصوت الكُردي إلى القارئ العربي ؛ فتجاوب معها القارئ والمثقف العربي أكثر, وقد تلقّى هؤلاء أنباء ثورات وانتفاضات الكُرد من خلال نشرها بالعربية ، وكذلك تمكّن الكُتّاب الكُرد من خلال نشر مقالاتهم السياسية والثقافية والفكرية باللغة العربية من ايصال الصوت الكُردي وأدبه وتراثه إلى العرب ، مما حدا بالمنصفين إلى التعاطف مع قضيتنا العادلة والدفاع عن الشعب الكُردي, فهناك عدد لا يُستهان به من الكُردولوجيين عرباً وأجانب يدافعون عن القضية الكُردية في المحافل الدولية ، ويطرحون الحلول الناجعة لها, من خلال مؤتمراتٍ تُعقد حول القضية الكُردية وقضايا الشعوب المضطهدة أو من خلال ما يكتبون وينشرون في الصحف العربية والعالمية, لذلك وجب على الصحافة الكُردية الصادرة باللغة العربية توفير أفضل السبل للوصول إلى المثقف العربي لإثارة مشاعره وأفكاره لنصرة القضية الكُردية.
والآن الكُرد في أوربا لهم مواقع على شبكة الأنترنت, فكلّ منظمةٍ لها جريدتها الألكترونية في الشبكة العالمية، وهذا محطّ فخرٍ وأملٍ للمستقبل, لأنّ الكُرد لم يقوموا بشرح المسألة أو القضية فقط, وإنما بخلق أجيالٍ جديدة تخدم شعبها في كُردستان وخارجها.
إنّ الكُرد يواكبون بسرعةٍ تطورات الصحافة العالمية، والصحفيون الكُرد يضاهون أقرانهم في الدول المجاورة, إنّ تقدم الصحافة مقياسٌ حقيقي لتطور الشعوب والمجتمعات, فبقدر اهتمام المثقّفين والمفكّرين بالصحافة يتطوّر الشعب وأيضاً الديمقراطية لأنها تمكّن الصحافة من القيام بدورها الريادي, ونحن نعيش في عصرٍ يُعتبَر بحقٍّ عصر الصحافة, ولا ننسى أنّ الشعب الكُردي يواكب التقدم في هذا العصر, ولا ننسى أنّ الشخصيات الوطنية والمنظمات والأحزاب السياسية الكُردية اهتمّت بالصحافة الكُردية غاية الاهتمام ، وهذا محطّ المسرة والسعادة ويؤكّد أنّ الكُرد يسايرون الحضارة ويواكبون تطور الصحافة وتقدمها.

وعلى الصحافة الكُردية الآن الاهتمام بالقضية الكُردية، والتعبير عن طموح الشعب الكُردي في نيل حقوقه المشروعة ، وتدويل قضيته, ونشر الحقائق وفق أسلوب التحليل العلمي الموضوعي للظواهر بعيداً عن الأدلجة وبروباغندا الديماغوجية السياسية والفكرية والإعلامية.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية