جمعة عبدالله
تعتمد هذه المجموعة القصصية على جملة من الذكريات الشفافة في الاستحضار والاسترجاع ( فلاش باك ) في إيقاظ الذاكرة في مسار الحياة الذاتية والعامة , وضعت نفسها إزاء مرأة الزمن والحياة الواقعية , كأنها أمام مرآة الذات في تجلي معانيها , للاشخاص الذين ظلوا عالقين في القلب والذهن في سمات الحب والشوق والحنين , بكل خشوع وخاصة حكايات الجد والجدة أو العائلة والحي والمكان والنهر والمدينة , في حركتها الدائمة والمشوقة , في حكايات الموروثات الشعبية مثل ما تمثل شجرة السدر , وما تمثل المدينة والنهر , هذه الأشياء ليس جامدة , بل تمثل نبض الحياة الدائم , في شفافية الحضور المنعش الذي يستنطق الذاكرة بهذا الحضور , في المجتمع وفي الحياة العامة ونشاطاتها وتناقضاتها بين الخير والطمع , لذا فأن الكاتبة ( آشتي كمال ) تحاول في السرد القص ان تجمع شتات ذاكرتها وتظهرها في فن القصة بالصياغة الفنية المتمكنة , التي تدل على معرفة سر الحرف السردي وامكانياته في الخلق والابتكار , بلغة صافية دون زخرفة بلاغية ولغوية , وانما تحاول ان تسلط على لوحات الحياة والواقع , بلوحات مختلفة في المعنى والتعبير والمغزى , كما عاشتها وعايشتها ,وما حرك نبضات الشعور في الاحساس العميق , وهي تتجوال في مسار الواقع والحياة من حكايات الجدة وشعورها بشجرة السدر المقدسة التي تشفي الامراض والعلل , في تلقائية سردية شفافة في اسلوها الممتع , اي انها تقدم ذكريات الطفولة وما بعدها , في اسلوب واقعي رصين , في تجلي معاني الحكايات , السائدة في الوسط الشعبي , مما تجعل القارئ يتفاعل معها , بما تمثل القيمة الانسانية في اطار المجتمع المدينة , سواء في الموروثات أو في النشطات العامة , سواء تتجه الى الخيراو عكسه , التي تتجه الى الشيطنة والاحتيال , ضمن عقليات مختلفة في الرؤية والتعبير . أن تسلط الضوء على الواقع المعيشي قديماً وحديثا . إن الواقع هو مثل السفينة الحياة , الحبلى بالتناقضات الحلوة والمرة , لذا فأن المجموعة القصصية تقدم لوحات مختلفة , ويمكن رصد بعضها في هذه النصوص القصصية .
1 – شجرة السدر :
ذكريات الجدة مفعمة بالشوق والحنين , وحكاياتها هي جزء من الموروثات الشعبية , التي تخص شجرة السدرة , بأنها شجرة مقدسة واوراقها تشفي الامراض والعلل, بعد غليها بالماء الحار , كما توصي اهل الحي والجيران , واكتسبت مكانة طيبة ومحترمة , وكذلك توصي ابنائها المصابين بمختلف الامراض , مثل ابنها البكر الذي يعاني من المرض السكري , والآخر الذي يعاني من أمراض المعدة , والآخر الذي يعاني من الارق والارهاق . وذكريات ابنها الأصغر ( وحيد ) أحب فتاة ( شادية ) الفتاة العشرينية ,وبادلته بالحب والغرام , وتبادل رسائل الغرام والعشق بين الطرفين , لكن اهلها زوجوها الى رجل كبير في السن لأنه ثري , لم يدم الزواج إلا بضعة شهور , ولكن حين انجبت طفلتها الاولى سمتها ( وحيدة ) وفاء لحبيبها ( وحيد ) .
2 – الدكتورة ماري :
طبيبة في علم النفس منذ خمسة أعوام , تعالج الكثير من الحالات السايكولوجية التي يعاني منها بعض الناس , وترجع الى بيتها متعبة ومرهقة , من الحالات النفسية أو الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المرضى , بعض الحالات غريبة وعجيبة من الأمراض النفسية التي يعانون منها , وهي تمارس طقوس علم النفس على مرضاها . مثلاً : امرأة تعاني من مشكلة نفسية , بأنها تسمع اصواتاً غريبة خلف لوحات بيتها , ومريض اخر , يعتقد بأن بداخله اشخاصاً مختلفين , وهم في الواقع شخص واحد لا غير . إحدى المريضات شابة في العشرين , تعاني من انفصام داخلي , ترى زوجها شخصاً غريباً عنها , وتنظر اليه بغرابة وحذر وخوف . . والآخر جاءها شاب ظريف وجميل ورشيق الهندام , ليخبرها عن والده السبعيني يعاني من انفصام في الشخصية , يشعر بأنه الإنسان الوحيد في العالم , لا وجود مثله في الدنيا , لذلك اعتزل في عزلة تامة عن الناس , وحتى يرفض الطعام , إلا بعد محاولات حثيثة ومضنية من ابنه .
3 – كيد النساء :
جاءت (مرام ) وهي أمرأة في كامل فتنتها و انوثتها المغرية , وكانت تحمل كيدية دفينة في الاختبار بحجة التوظيف في الشركة , وهي تشع الغواية والإغراء لكي تعرف معدن الأخلاقي لمدير الشركة , في جذبه الى غوايتها , ودلفت الى غرفة مكتبه لكي تسأل إذا كانت الشركة بحاجة الى محاسبة , تطلع فيها مدير الشركة , وهو يراها مخلوقة عجيبة من الجمال والفتنة والقوام الرشيق , وسارع الى توظيفها , سارت الامور بشكل جيد , ومدير الشركة يحاول ان يتقرب منها لكي يفوز بها . مثلاً كان يبقيها ساعات إضافية لكي يخلو بها بعد خروج الموظفين , وكانت تدرك الاعيبه وأغراضه , كأنها مخلوقة خلقت له وحده . ويحاول ان يبرز حبه وعشقه وهيامه بها , بأنه فاز بأجمل فاتنة قد تكون الوحيدة في العالم , لترد عليه بثبات وتصميم ( -أنتم الرجال اكذب مخلوقات الله !
– إلا أنا
– سنرى
كان يحاول ان يفوز بها بالشهوة الجنسية , فكان تمانع وتصده , رغم الإغراءات والمكافأت المالية دون حساب , حتى ملت منه وقالت له : ( ألم تمل من هذه اللعبة السخيفة ) لتختم حديثها القاطع ( الآن انتهت اللعبة , بالمناسبة مرام ليست إلا آلة نحن خلقناها ) يعني انتاج صيني , امرأة كاملة القوام . تطلع إليها بغرابة وتخبط وارتباك , ويصاب بالدوار , واختلط عليه الأمر : هل هو في حلم أم حقيقة فسقط على الأرض .
4 – الحكاية ….. تكرر نفسها :
أمرأة صحفية وتملك مكتبة صغيرة لبيع الكتب في مدينتها الصغيرة , تعرضت لعملية خطف , وسرقوا ما تحمل من أوراق نقدية وكل ما تحمل , إلا انهم تركوا لها هاتف النقال , وجاءتها الفرصة المناسبة لكي تتصل بأهلها ويردون عليها ( – اين أنتِ , الجميع فقد الأمل بعودتكِ … بحثنا في الاماكن كلها , لكن ….. أين كنتِ كل هذه المدة ؟! ) وتخبرهم انها مخطوفة ( منهم ) وحققوا معها , ثم إحالتها من مكان الى آخر , ولا تعرف من الدنيا إلا هذا الشبح الملتحي ذو الشعر المجعد وعينين الغليظتين , يراقبها بعدوانية , وليس هناك تهمة سوى تهمة قول الحقيقة للناس , وتبيع الكتب من مكتبتها الصغيرة, وانهم يهددونها بالقتل بدم بارد , لأنهم لايحبون الصحافة وبيع الكتب , وضد القلم الحر . وبعد أيام نشرت صحافة المدينة , خبر اغتيالها بعشر رصاصات أمام مكتبتها الصغيرة .
5 – كو … ما … ري :
احدى ضحايا حريق مستشفى ( ابن الخطيب ) احدى المريضات من الحرق غائبة عن الوعي اسبوعاً كاملاً , رغم محاولات الاطباء الحثيثة لاعادة الحياة اليها مجددا , لكن سمعت احدى الممرضات , تنطق بهمسات وحروف ليس لها معنى ( – كو, كو … م … كوما .. ر … كومار …. ي … كو … ما .. ري ) اسرعت الى الدكتور ليسمع حروفها غير المفهومة ( كوماري ) وبعد ذلك تحسنت حالتها , وحينما استيقظت , وجدت جمعاً من الاطباء حول سريرها يبتسمون وقال احدهم حمدا لله على سلامتك ….. أنتِ فعلاً بطلة , ولكنهم طلبوا منها معني كلمة ( كوماري ) . وحكت لهم قصتها , بان امها تحبها حباً كبيراً , وكانت تدللها وتلاعبها وتلاطفها , ولا تدعها تمسك قدميها الارض , فكانت تأخذها باحضانها بالحب والشوق وتناديها ( كوماري ) وأنها اطلعت على الثقافات الاجنبية وغرائب العادات والتقاليد , ومنها نيبال , عندهم عادات موروثة , بأن الفتيات الجميلات يرتدين الثياب الحمراء , ليصبحن في مقام الالهة في نيبال , ومن الشروط العادات , بأن فدميهن لا تلمس الأرض , كما تفعل امها وتناديها كوماري .
6 – على ارجوحة الوند :
هي محاولة إبراز مضمون المفهوم التعبيري للمجموعة القصصية ( مدارات الخزامى / للكاتب صفاء المهاجر ) يتغنى ويمجد مدينة خانقين ومعالمها البارزة ومنها نهر الوند , وافقها الواسع والعالي , يكمن حبها في القلوب الطيبة ( – أيتها القريبة الى الافق , ومن موطني ……. أنا لست الافق الذي تقصدينه أنتِ , ولا مداراتي تشكل ذلك الأفق الذي ترغبين به ) , ولكن احتلت قلوب الناس ( – حينما تفكر المحبوب الغائب , هل توطئ راسكِ ارضاً ؟ ام ترفعه نحو السماء ؟ هل تبحث عنه بين ضجيج المارة ؟ام بين الغيوم الناعسة ؟ هل تقدر الارض بمساحتها الكبرى وحقيقتها غير المعلنة , مكاناً ملائما للمحب ؟ ) وكان يسمى مدينته ( خانقين ) مدينة الخزامى , شهدت ذكريات الطفولة والشباب , شهدت وشائج الحب في معالمها المعروفة , كما شهدت اغاني الحب والشباب , باحلى الصور الانسانية الرائعة .
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=78497





