رحلة الشرق الأوسط

محمد علي محيي الدين

صدر عن مؤسسة ابجد للترجمة والنشر والتوزيع (رحلة الشرق الأوسط) للكاتب والضابط الانكليزي ريتشارد كوولد-أدامز، قام بترجمتها الباحث المترجم صلاح مهدي السعيد، وصدرت هذا العام 2025 ب 400 صفحة من القطع المتوسط، وقبيل الخوض في تفاصيلها وأهميتها لابد لنا من بيان أهمية الرحلات في دراسة الشعوب والأمكنة وما فيها من فوائد، وما لها من غايات وأهداف.

   تُعتبر الرحلات من أهم الوسائل التي تساعد الإنسان على استكشاف العالم وفهم طبيعة الشعوب المختلفة، حيث تمنح الرحالة فرصة للغوص في ثقافات جديدة والتعرف على العادات والتقاليد التي تميز كل مجتمع، ولم تكن الرحلات مجرد تنقل من مكان إلى آخر، بل كانت ولا تزال وسيلة لاكتشاف الحضارات وتوثيق ما يراه الرحالة من مشاهدات ومواقف وأحداث، مما يجعلها بمثابة مذكرات شخصية توثق التجارب والانطباعات.

   تتنوع الرحلات وفقًا لأهداف القائمين بها، فهناك رحلات تهدف إلى دراسة العادات والتقاليد المختلفة، حيث يسعى الرحالة إلى تحليل أنماط الحياة اليومية للسكان المحليين، والتعرف على تقاليدهم وطرق تعاملهم مع البيئة والمجتمع. وهذا النوع من الرحلات يُعدّ من أهم المصادر التي ساهمت في توثيق التاريخ الاجتماعي والثقافي للعديد من الشعوب.

   كما أن هناك رحلات علمية تسعى إلى البحث في الأعشاب والنباتات ودراسة فوائدها الطبية، حيث كانت هذه الرحلات أحد الأساليب التي ساهمت في تطور الطب البديل والحديث على حد سواء. ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك رحلات المستكشفين والعلماء الذين كانوا يجوبون المناطق النائية بحثًا عن نباتات جديدة ذات فوائد علاجية. بالإضافة إلى ذلك، هناك رحلات يكون هدفها الأساسي هو الترفيه والاطلاع على أماكن جديدة، حيث يزور المسافرون مختلف الدول لاكتشاف معالمها السياحية وجمالها الطبيعي، والاستمتاع بتجربة ثقافية مختلفة.

  ونظرًا لما تتضمنه الرحلات من مشاهدات وتفاعلات مع السكان المحليين، يمكن اعتبارها مصدرًا مهمًا للمعلومات عن الشعوب وتاريخها، حيث ينقل الرحالة ما يرونه ويسمعونه ويوثقونه في كتب ومذكرات، ما يجعلها مرجعًا قيمًا للباحثين والمهتمين بدراسة المجتمعات المختلفة. وقد ساهمت العديد من هذه المذكرات في تقديم صورة دقيقة عن عادات الشعوب في فترات زمنية مختلفة، وهو ما ساعد في بناء فهم أعمق للعالم وتنوعه الثقافي.

والرحلة التي نحن بصدد عرضها قام بها (ريتشارد جورج آدامز) من مواليد( 9 مايو 1920 توفي 24 ديسمبر 2016)، وهو روائي انجليزي درس التاريخ الحديث في الجامعة قبل أن يخدم في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، بعد ذلك أكمل دراسته ومن ثم انضم إلى الخدمة المدنية البريطانية، وفي عام 1972 نشر روايته( تل وورترشيب داون)، ثم صدرت له الروايات التالية: شارديك–1974، كلاب الطاعون-1977، قط السفينة–1977، الفتاة في الأرجوحة–1980، مايا–1984، المسافر–1988. وكتب أخرى.

    يُعَدُّ ريتشارد ﮔوولد أدامز أحد الرحالة البريطانيين الذين زاروا الشرق الأوسط في عام 1943، حيث دوَّن تجاربه وانطباعاته عن المدن والأماكن الأثرية التي زارها، مع تركيز خاص على العراق، الذي قضى فيه سنوات بصفته ضابطًا إنجليزيًا.

في عام 1943، قام ريتشارد ﮔوولد أدامز برحلة واسعة في الشرق الأوسط، شملت عدة دول ومدن تاريخية. خلال هذه الرحلة، زار العديد من المواقع الأثرية والتقى بسكان محليين، مما أتاح له فرصة فريدة لفهم الثقافة والتاريخ الغني للمنطقة.

دوَّن أدامز في كتابه “رحلة الشرق الأوسط” تفاصيل زياراته للمدن والأماكن الأثرية، مع التركيز على العراق. وصف بغداد بأنها مدينة تجمع بين التراث والحداثة، حيث تتعايش الأسواق التقليدية مع المباني الحديثة. كما زار مدينة الموصل، وأبدى إعجابه بالتراث المعماري الغني والتنوع الثقافي فيها. لم تقتصر رحلاته على المدن الكبرى، بل شملت أيضًا مواقع أثرية مثل بابل، حيث أبدى انبهاره بالآثار الباقية التي تروي قصص الحضارات القديمة.

من خلال مذكراته، يظهر أنه كان مفتونًا بالتاريخ العريق والتنوع الثقافي للشرق الأوسط. في العراق، ولاحظ التحديات التي تواجه البلاد في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية، لكنه أبدى تفاؤله بمستقبلها، معتمدًا على غنى تراثها وإمكانات شعبها.

   بصفته ضابطًا إنجليزيًا، قضى أدامز سنوات في العراق خلال فترة حساسة من تاريخ البلاد. أتاحت له هذه الفترة فرصة للتفاعل المباشر مع المجتمع العراقي وفهم تعقيداته. في كتابه، يعرض تجاربه وتفاعلاته مع السكان المحليين، مسلطًا الضوء على التحديات والفرص التي واجهها خلال خدمته.

   تُعتبر مذكراته مصدرًا قيمًا لفهم تاريخ الشرق الأوسط والعراق خلال فترة الأربعينيات من القرن العشرين، وتوفر هذه المذكرات نظرة فريدة من منظور شخصي لتلك الفترة، مما يساعد الباحثين والمهتمين على فهم أعمق للتاريخ والثقافة في المنطقة.

  يتناول الكتاب رحلة المؤلف في طريقه إلى العراق، ومروره بعدد من الدول العربية. وكان مقامه الأول في ليبيا، ثم انتقل منها إلى مصر، حيث وصف صعوبات الطرق وما عاناه خلال تنقله بين البلدين. كما أشار بشكل ضمني إلى بعض المواقع والأماكن التي تسنّى له رؤيتها في الطريق أو أثناء مكوثه في مصر، إلى حين توفّر وسيلة النقل التي مكّنته من الانتقال إلى العراق.

وفي الفصل الثاني، يصف رحلته من مصر إلى العراق، وما واجهه من صعوبات في الطرق الوعرة، والمشكلات التي اعترضته في غزة بسبب الممارسات الحربية هناك. كما تناول مروره بعسقلان، وقدم وصفًا للأراضي الفلسطينية من حيث مدنها ومعيشة سكانها. وأشار إلى كيفية تعايش اليهود والفلسطينيين في بعض الأماكن المشتركة، مقابل أماكن أخرى يقتصر السكن فيها على اليهود أو العرب فقط.

   وتطرق إلى مظاهر العداء بين سكان فلسطين من العرب واليهود تجاه الأجانب، مقارنًا بين مستوى المعيشة لدى الطرفين، حيث يتمتع اليهود بمستوى معيشي جيد، في حين يرزح عرب فلسطين تحت وطأة الفقر والعوز. كما قارن بين تل أبيب، التي وصفها بالقذرة، وما تتمتع به يافا من مزارع وبساتين. وشبّه التوتر في فلسطين بما يجري في إيرلندا من مقاومة للاحتلال البريطاني، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين يرفضون، بشكل مطلق، أي وجود أجنبي أو صهيوني على أراضيهم.

   بعد ذلك، يواصل رحلته إلى العراق، مرورًا بالأردن، ثم عبر الصحراء الشاسعة الممتدة بين الأردن والعراق، مسلطًا الضوء على ما واجهه من مصاعب ومخاطر، لا سيما من قِبل قطاع الطرق. كما وصف المدن التي مر بها في العراق وما تعانيه من تأخر في مختلف المجالات، وتطرق إلى تاريخ العراق في عصور ما قبل التاريخ، وفترات الحكم الإسلامي، ووضعه الراهن، معتمدًا في ذلك على ما سطّره المؤرخون عبر القرون.

   ويصف مدينة بغداد، وما تضمّه من مبانٍ وشوارع، وأحوال معيشة أهلها، وما طرأ عليها من تغييرات بعد الاحتلال البريطاني، رغم أن مكوثه فيها لم يتجاوز أيامًا معدودة. ثم يصف انتقاله إلى مدينة كركوك، حيث مقرّ عمله، وما لاقاه من مصاعب في الطريق. بعد ذلك يعرّج على وصف الشركات النفطية العاملة هناك، وطبيعة المنطقة، وما تحويه من تجمعات سكانية على الطريق، حتى وصوله إلى المعسكر الذي نُسِب للعمل فيه، وما جرى فيه من تدريبات وتمارين أُجريت في مناطق متفرقة من البلاد.

  وقد شملت تحركاته منطقة واسعة امتدّت من الخالص إلى سلمان باك، ثم إلى بابل، حيث وصف أطلالها وتاريخها الممتد عبر آلاف السنين، مستعرضًا معلومات تاريخية مهمّة تدلّ على اطلاعه الواسع بتاريخ بلاد ما بين النهرين. كما يصف آثار بابل ومبانيها وما تبقّى من جدرانها التي نال منها الهدم والتخريب، مشيرًا إلى قيام الدولة العثمانية بهدمها، واستغلال طابوقها في بناء السدود وإعمار المدن، وكذلك استخدام الأهالي له في تشييد بيوتهم.

   ثم ينتقل إلى كردستان، واصفًا الطرق، والقرى، والمدن التي مرّ بها، وما كانت عليه من تخلّف وانحطاط، وما يعانيه أهلها من فاقة وفقر، رغم جمال طبيعتها وما تحتويه من جنانٍ يمكن استثمارها لتكون من أبرز المعالم السياحية. وقد أشار إلى العديد من عادات السكان وطبائعهم ومستوى معيشتهم، ثم انتقل إلى الحدود الإيرانية عبر طريق السليمانية، حيث واجه في رحلته تلك العديد من المصاعب والمشكلات. ثم عاد إلى كركوك، ومنها انتقل إلى سوريا ولبنان، ليختتم رحلته بالعودة إلى بلاده.