جوان سعدون
لم يكن هدف الدكتور سربست نبي في حديثه عن شرف خان البدليسي سوى مناقشة شخصية تاريخية وفق أدوات البحث العلمي ومن منطلق فلسفي و نفسي للخلفية التاريخية لشخصية شرف خان ؛ و بأدوات تقوم على قراءة النصوص في سياقها، وتفكيك الخطابات والظروف السياسية التي شكّلتها. لذلك، من المؤسف أن يأتي الردّ على أ.د سربست من د. إسماعيل حصّاف بأسلوبٍ لا يمتّ إلى النقد الأكاديمي بصلة، بل يميل إلى الانفعال الشخصي واستعراض البطولات وسرديات ” الوطنية” التي لا علاقة لها بموضوع النقاش وعلى شكل مزاودة غير ضرورية .
• الردّ المفكك لا يقدّم حجّة منطقية في العادة و إنّما يضعنا أمام خيار القيام بمهاترات غير لائقة .
فعندما تُعالج قضايا فكرية وتاريخية بهذا القدر من الخلط بين الذاتي والموضوعي، وبالقفز من فكرة إلى أخرى دون رابط، فإن ذلك لا يدلّ على اختلافٍ علمي، بل على غياب المنهج.
وكمثال على ذلك محاولته إقحام ” لجوء الزعيم والملا مصطفى بارزاني إلى الاتحاد السوفييتي ” في نقاش حول شرفخان البدليسي بشكل لا يخدم لا التاريخ ولا المعرفة. لكلٍّ من الرجلين سياق سياسي مختلف، وزمن مختلف، ووظيفة مختلفة في الذاكرة الكردية. الزجُّ بهما معاً في نص من المفترض أن يكون فقط رداً على نقاط معينة تخصّ شخصية شرف خان البدليسي وكتاباته لا السيرة الذاتية للأستاذ سربست نبي وتقييمه علمياً وأكاديميًا وكأنّ الموضوع تحوّل من نقاش النقاط وتقديم الحجج العلمية إلى ” خناقة شخصية فيسبوكية ” غير لائقة بشخصية الدكتور حصاف ، إذ أنّه يهدف وبوضوح إلى تسجيل نقاط أو إثارة عاطفة، وما هو إلا انحراف عن أصل النقاش وتشتيت مقصود لمركز الحوار.
والأهم من ذلك فإنّ النقد العلمي لا يقوم على مدح الذات من خلال تكرار الحديث عن الميزات الوطنية في الذات و التضحيات و المواقف فهذا لا يعوّض غياب الدليل أو ضعف الحجة. العلم يعرف لغة واحدة فقط وهو (( النص، المصدر، التحليل، الدليل)) . وما عدا ذلك يبقى خطاباً إنشائياً سطحياً ومزاودة لا مكاناً مثمراً ليتحوّل لنقاش أكاديمي.
وأخيراً فإنّ موقف الدكتور سربست نبي من شرف خان البدليسي، سواء رآه البعض صائباً أو مثيراً للجدل، قائم على قراءة تاريخية موثقة يمكن مناقشتها بنداً بنداً. أمّا الردود التي تُبنى على الانفعال والاتهام والتشكيك، فهي لا تنقض رأياً ولا تثبت آخر.
وأنا شخصياً أرحب بأي نقاش رصين، قائم على وثائق وروايات تاريخية يمكن التحقق منها. لكنني لا أجد سبباً للخوض في مهاترات شخصية أو وطنية لا تضيف شيئاً للبحث ولا ترفع من مستوى الحوار. المطلوب هو نقدٌ يواجه الفكرة بالفكرة، والدليل بالدليل، وليس استدعاء قصص ومواقف تُستخدم كأداة مزايدة لا أكثر.
هذا هو الفارق بين النقاش العلمي وتسجيل المواقف الخطابية. وأنا أتمسّك بالأول.
أمّا بخصوص ما طرحه الدكتور سربست نبي من نقاط في برنامج وجوه على قناة ” شمس ” مع الكاتب جان دوست فهي مدعومة بالكثير من الأدلة العلمية والمنطقية:
بدايةً قدّم الدكتور إسماعيل حصّاف رأيًا عاطفياً أكثر منه بحثياً في رده على أ.د. سربست نبي، ووقع في عدة إشكاليات منهجية يجب توضيحها للقارئ، ليس دفاعاً عن شخص، بل دفاعاً عن الدقة العلمية.
* الخلط بين ” الوعي القومي” و” التأريخ للإمارات ” :
محاولة تصوير شرف خان البدليسي كصاحب مشروع قومي حديث هي قراءة إسقاطية غير منطقية ،لأن مفهوم القومية ” الناشيوناليزم” بوصفه كيانًا سياسياً يعبّر عن شعب واحد، لم يظهر في الشرق الأوسط قبل القرن التاسع عشر.
بالتالي فإنّ كتابة تاريخ الإمارات الكردية لا يتماشى مع الوعي القومي بالمعنى الحديث.
شرف خان كتب تاريخ الأسر الحاكمة الكردية، وليس “تاريخ الأمة الكردية ككيان سياسي جامع” ، وهذا ما قصده أ. د.سربست، وهو طرح صحيح علمياً ومقبول في مدارس التاريخ المقارن.
* الكتابة بأمر السلطان ليست تزكية قومية
الدكتور إسماعيل يرفض كلام الدكتور سربست حول كتابة ” شرفنامه ” بطلب سياسي عثماني، لكن النص نفسه يشير إلى أن شرفخان كان تابعاً سياسياً للباب العالي و يعمل ضمن النظام الإمبراطوري ، و التزم بالبنية الأدبية السائدة في الكتابة التاريخية كالمبالغة بمدح السلطان و إبراز “العدالة” العثماني و تثبيت الولاء وخصوصاً من خلال تقديم الكُرد على أنّهم رعايا مخلصون للسلطان العثماني.
وهذه ليست “نقطة سياسية” بل خصوصية بنيوية في كل الأعمال التاريخية في عصر ما قبل الدولة الحديثة.
القول إن شرف خان ” لم يكتب بدافع من السلاطين” يناقض طبيعة عصره، ولا يحتاج المرء إلى ذكاء كبير ليفهم أن أي أمير ضمن سلطة الإمبراطورية لا يمكنه أن يكتب ” سردية قومية مستقلة ” بمعناها الحديث ، ومع الأسف يقع الكثير من المثقفين الكُرد في هذه المغالطة.
* الدفاع عن بدليس لا يعني مشروعاً قومياً
استشهاد أ.د. إسماعيل بحنين شرف خان لوحدة الكُرد وندبه لعدم وجود “ملك واحد ” غير كافٍ لإثبات روحه القومية.
هذا الندب كان سياسياً – إقطاعياً يعني قبلياً وليس قومياً، وذلك لأنّ الأمراء الكُرد أرادوا الاستقلال الإقطاعي، لا بناء ” أمة ” بدليل أنّ صراعاتهم الداخلية كانت قبلية وسلالية وليست أيديولوجية.
و ” الوحدة” المقصودة لديهم كانت وحدة المصالح، لا وحدة شعب في دولة قومية باسم ” كُردستان “!
بالتالي فإنّ الحديث عن “حاكم واحد” لا يُقرأ قومياً، بل إقطاعياً.
* شرفنامه مصدر تاريخي كبير ومهم ، و لكنه ليس مانيفستو قومياً !!
نعم .. كتاب ” شرف نامه” مصدر أساسي لتاريخ الكُرد.
لكن كونه مصدراً مهماً لا يساوي أنه نص قومي أو أنه يعكس وعياً قومياً. و هذا خلطٌ منهجي بين قيمة النص العلمية ومقاصد المؤلف وسياقه. وقد وقع د. إسماعيل في هذا الخلط بشكل صارخ، عندما حاول تحويل قيمة النص إلى دليل على نية قومية.
* الإصرار على قومنة ” شرف خان ” إسقاط معكوس لا يخدم الحقيقة !!
– من غير الدقيق منهجياً التعامل مع شخصيات القرن السادس عشر بعقلية القرن العشرين.
د. إسماعيل قلّل من قيمة نقد د. سربست لأنه وحسب قوله لم يعمل في الحركة القومية الكردية.
وهذا خطأ منهجي فادح !! فالمعرفة التاريخية ليست امتيازاً لأعضاء الأحزاب وليس حكراً ! بل هي منهج ودراسة ووثيقة وتحليل نقدي.
بل إن تحويل التاريخ إلى ” مساحة عضوية حزبية” هو أخطر ما يواجه الوعي الكُردي اليوم ، ويحدّد من مصداقية و منهجية البحث العلمي الموضوعي.
* شرف خان نفسه ميّز بين ” كُرد” قبائل وإمارات، لا “أمة” موحدة :
فكتابه يُظهر لنا جلياً إمارات منفصلة ، ولاءات متضاربة و تبعيات لصفويين أو عثمانيين و صراعات داخلية و هويات قبلية لا قومية.
وهذا يؤكد أن شرف خان كان يكتب تاريخاً سياسياً محلياً وليس “مشروعاً قومياً ” ، وهذه ليست إساءة لشخصيته إلا إذا أراد الدكتور حصّاف مجدّداً إسقاط مفاهيم القومية الحديثة عليه!
* الاستشهاد بمقدمة مستشرقين أو طبعات حديثة لا يثبت الوعي القومي
قيمة الكتاب العلمية حقيقية وكبيرة،لكن تحويل كلمات ناشرين أوروبيين إلى دليل على قومية شرف خان هو مغالطة مصادر ثانوية.
– تحليل الوعي القومي لا يتم عبر مقدمة مترجم، بل عبر بنية النص و مصطلحاته و سياق عصره و أسلوب تمثيله للسلطة و موقعه الاجتماعي!!
وهذه جميعها تدعم ما ذهب إليه د. سربست، وليس ما يقوله د. إسماعيل.
وفي النهاية لا أدري ما سيقوله عني الأستاذ و الدكتور حصاف مع كل الاحترام والتقدير لمسيرته العلمية و التاريخية في حال قرائته لهذا النص ، فهل سيقوم بتقييم سيرتي الذاتية القومية أم سيردّ على هذه النقاط!؟
المصدر:
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=79937





