رشيد صوفي عاشق المقامات يرحل مودعا اوتار عوده..بكل صمت
عبدالوهاب پيراني
ولد رشيد صوفي في مدينة كوباني عام 1953 ضمن عائلة دينية محافظة تأثر بالموسيقى من خلال التراتيل الدينية والأناشيد الصوفية التي سمعها في المساجد في مرحلة طفولته، كما تأثر بصوت والده الذي كان يرتل القرآن وعلمه علوم التجويد وترتيل القرآن منذ ريعان الطفولة مما هذب سمعه ومخارج الحروف لديه، وهذا الأمر قربه إلى الموسيقى والغناء،فتعلق بالموسيقى في سن مبكرة، وتعلم على يد الموسيقي محمد قدري دلال وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، ثم طور مهاراته ذاتياً عبر دراسة أعمال عمالقة الموسيقى العربية مثل رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب، معتمداً على اجتهاده الشخصي واقتناء الكتب الموسيقية .
واصل شغفه بالموسيقى وشارك في مهرجانات العزف في حلب خلال دراسته الثانوية، كما تأثر بفنانين بارزين مثل حسن زيرك ومحمد عارف جزراوي، مما منحه كل ذلك أرضية معرفية بعلوم وفنون العزف والغناء، ومع بداية السبعينيات دخل المجال الفني كعازف وملحن وظهرت مواهبه وتذوقه للموسيقا الشرقية، فأصدر عام 1977 أولى ألحانه وغنى “Mey Nenoşî و “Ez mêvanê dilê te me” عام 1986 وÇavê yaramin و “xuzya hêvye” التي تميزت بتنوع المقامات والعمق الشعري، و”çavê yaramin ”
وصلت ألحانه إلى أكثر من 100 اغنية باللغتين الكردية و العربية،حيث قام بتلحين قصائد لشعراء كبار مثل ابن الفارض والحلاج، كأحد نتائج تأثره بالشعر الصوفي والتراتيل الدينية، فقد كان صوفياً بالفطرة ،وكان رشيدا لمعنى وأثر الموسيقا في النفس، فمنح موسيقاه عمقاً عاطفياً وروحانياً، تميزت أعماله الموسيقية بدمج المقامات الشرقية المتنوعة (كردية، عربية، فارسية).
يعتبر رشيد صوفي مرجعاً في المقامات الكردية، فقد قام بجمعها وحللها في مؤلفاته، مثل مقامات “ren gdil” و”dilgeş” وعمل على دمج مقامات شرقية ضمن موسيقاه، وبذلك طور مقامات جديدة مستوحاة من الفلكلور الكردي، مع الحفاظ على أصالتها، مثل مقام “La Eşîran” المرتبط بإضافة الوتر السادس للعود، حيث أضاف وتراً سادساً للعود ليتناسب مع صوته، وهو ابتكار اعتمدته المعاهد الموسيقية في أكثر من مكان.
كان الفنان رشيد صوفي عاشقا للموسيقا الكردية الأصيلة ،ورافضاً للموسيقى “الهابطة”، مركزاً على قواعد المقامات المعقدة، معتبراً أن الفن يجب أن يكون معلماً بالأصالة، ودعا إلى الابتعاد عن التقليد ، وأهمية دراسة العلوم الموسيقية بدلاً من الاعتماد على التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في العزف والتسجيل الموسيقي، ومنبهاً لخطر العولمة في الأستحواذ على الأصالة الحقيقية للموسيقا الشرقية عموما والكردية خصوصاً، وكانت مجمل أعماله تعتمد الربط بين التراث الكردي والحداثة، كما فعل في أعماله التي تجمع الفلكلور بالتوزيع الأوركسترالي و الإيقاعات الجديدة.
ونتيجة لجهوده المبذولة في سبيل الارتقاء بالموسيقى الكردية ،فقد حصل على عدة جوائز تقديرية وتكريمية ،ففي عام 1994 حصل على جائزة الفارابي خلال مؤتمر الموسيقا في حمص، وتعد من أبرز جوائز الموتمر الموسيقي ،كما نال تكريمات من الإذاعة السورية مكافأة له على التسجيلات والتقاسيم التي قدمها للتلفزيون والإذاعة السورية،
وتقديراً لمساهماته في إثراء الأغنية الكردية
نال صوفي جائزة آرتا للعطاء والإبداع عام 2016،
كما حصل الفنان رشيد صوفي على جائزة الإبداع والتميز عام 2019 بالاشتراك مع الفنان الراحل محمد علي شاكر من اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK)، كما نال جائزة مهرجان الفن والثقافة الكردية في برلين خلال السنوات الأخيرة من عمره.
توفي عن عمر ناهزالـ 72 عاماً، في أحد مشافي مدينة كوباني، بعد صراع مرير مع مرض “سرطان الكبد”.وترك أرشيفاً موسيقياً يضم 160 مقاماً كردياً و200 مقاماً فارسياً وهندياً، إضافة إلى ابحاث ودراسات موسيقية لم تطبع بعد.
لم يكن رشيد صوفي مجرد فنان، بل كان حارساً للأصالة الموسيقية وجسر ربط بين التراث والحداثة، مما جعله أحد أعمدة الإرث الموسيقي الكردي المعاصر، وشكل رحيله خسارة كبيرة للفن والموسيقا الكردية، ولتلامذته ومعجبيه .
ملاحظة المعلومات مستقاة من حوارات شخصية تعود لعام 2019.
المصدر: اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63243