الجمعة 06 حزيران 2025

رمز الام العظيمة: كيف بقي الحجر الأسود واختفت الالهة!

نير باسليوس

في عام 204 قبل الميلاد، كانت جيوش هانيبال القرطاجي تدك ابواب إيطاليا، وتوشك على اجتياح العاصمة الرومانية. كان الرومان في اسوأ حالاتهم العسكرية، عاجزين عن صد الغازي الذي لا يقهر.

في مجلس الشيوخ، اقترح الجنرال سكيبيو الاكبر، وبتوصية من كهنة الدولة، استدعاء الأم العظيمة إلى روما . سيبلي، المعروفة لدى الرومان باسم Magna Mater : الام الكبرى لآلهة الإيديين، الهة الخصوبة والجبال والخلق.

تنص نبوءة قديمة على ان العدو لا يمكن طرده من إيطاليا الا اذا استحضرت الام الإيداية إلى قلب روما، مع رمزها المقدس: حجر نيزكي اسود، سقط من السماء، يمثل صلة الارض بالسماء، والخصب بالمطلق.

وبعد اسابيع، وصلت سيبلي إلى روما محمولة في طقوس مهيبة، واستقبلت كخلاص سماوي. اسست لها عبادة رسمية في معبد بالاتين، ونصب الحجر الأسود في قدس الاقداس. ومنذ ذلك الحين، صار هذا الرمز السماوي جزء من الطقوس الرومانية، والادب، والدولة نفسها.

لكن الرموز لا تبقى في مكان واحد.

رحلت عبادة الأم العظيمة من روما إلى الشرق، وتسربت تدريجيا إلى مجتمعات جديدة.
تشير نصوص توراتية متعددة إلى رفض قاطع لعبادات الإناث والأمهات والملكات السماويات، مثل عشتروت و”ملكة السماء” وهو رفض يمكن قراءته كصدام رمزي مع سيبلي واخواتها في المخيال الديني التوحيدي الناشئ.

لقد كانت الآلهة الانثى مصدر إزعاج كبير لإله ذكوري لا يقبل الشريك، ولا الام، ولا الخصب المقدس ( يمكن مراجعة نوال السعداوي: الوحه العاري للمراة العربية).

ومع صعود المسيحية ونبذ العبادات الامومية، انحدرت الفكرة إلى اطراف العالم القديم الصحراوي.

في شبه الجزيرة العربية، ورثت قبائل وثنية ما تخلى عنه الآخرون: بقايا طقوس وكتب ورموز، افرغت من معناها الأول واعيد طلاءها بصبغة جديدة.

احتضنت قريش الحجر الاسود ، كرمز امومي خصب، ورمز بدائي غامض، لا الهات من الاناث تحج اليها القبائل، وحجر يطاف حوله طلبا للخصب والحماية.

في لحظة ما، صار الحجر مركزا جديدا لرواية قديمة رواية تم فيها نسخ التوراة، وتعديل الاناجيل، واعادة إنتاج الاسطورة القديمة تحت اسم وحي إسلامي جديد.
لكن الرمز لم يتغير. فقط الرواية تغيرت.
وهكذا بقي الحجر. لا صوت له، لا رحم فيه، لكن يحج اليه.
اما الالهة الام فقد ماتت، صارت حراما.

ماتت الام، وبقي الرمز حجرها الاسود يطاف حوله الى اليوم في مكة في طقس تعبدي وثني.
يقبله الرجال دون ان يعرفوا انه كان في البدء انثى وامراة والهة.

انهم يطوفون حول ام منسية، دون أن يعرفوا ذلك.

انها مفارقة ما يعبدونه وثني ويعتقدونه سماوي، لم يعد فيه ام، لكن روحها تسكنه.
يعبدون فقط حجر وثني واسطورة قديمة.

انها الطقوس تنتقل عبر العبادات وتقدس بطرق مختلفة.