الخميس, يناير 30, 2025

رواية لالين.. مسألة الهُويّة والتّنوع

صبري رسول

أطلّت علينا الكاتبة وجيهة عبد الرحمن بنصّ سرديّ، يحمل إشكالية المجتمع المتنوّع دينياً ولغوياً وقومياً، معنونٍ بـ «لالين» مع عنوانٍ فرعيّ مكمّل «حدث أن تزاوجت دور العبادة» صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت 2016م. تتضمن الرّواية فصلين، الأول غير معنون ومؤلف من ثلاثة عشر مقطعاً مرقماً، الثّاني معنون بـ«لالين… سليل نهايات الحروف» عبارة عن ستة مقاطع.

ملخّص الرّواية:

تروي هذه الرواية «لالين» حكاية امرأة مسيحية كاترين تأتي إلى مدينة هولير ضمن وفدٍ مسيحي لزيارة المعالم السّياحية للدّيانة المسيحية، وتنشأ علاقة حبّ بينها وبين الدّليل السّياحي زارا من الديانة الأزيدية أثناء زيارتهم إلى معبد لالش، وسرعان ما تتطوّر العلاقة العاطفية بينهما لتصل إلى ممارسة حبٍّ لتُثمِر لاحقاً، بعد عودتها إلى بلادها، طفلاً تسمّيه الأم لالين، نسبة إلى الاندماج الاسمي بين أول ثلاثة حروف من «لالَش» المعبد المقدّس لدى الكُرد الأزيديين وبين آخر حرفين من اسمها «كاترين»، ويرتقي الحبّ بينهما إلى درجة سامية فتطلب كاترين الشخصّية المحورية في الرّواية من زارا تعميدها في المعبد وفق التقاليد الديانة الأزيدية.

تواجه كاترين تحدياتٍ كثيرة، دينية واجتماعية بعد ظهور أعراض الحمل لديها، فتصرّ على إبقائه، ما دعا زوجها إلى طلاقها حسب الشّريعة المسيحية، لأنّها ارتكبت خطيئة كبرى يحقّ له الطّلاق منها، تكتب وصيةً تضعها في صرّة الطّفل مطالبة بعدم فتح الورقة إلا بعد بلوغه عشرين عاماً، وتضعه أمام إحدى الجمعيات الخيرية للأيتام في مدينة الحسكة، فتتبناه أسرة «سوزان وجورج» لعدم إنجابهما أطفالاً، فيعيش في كنفهما معزّزاً مدللاً، وبعد بلوغه العشرين وفتحه الوصيه يُدرك أنّه ليس ابناً لسوزان وجورج، فيبدأ برجلة البحث عن أبيه وأمّه التي توفيت قبل ذلك، يسافر إلى إقليم كردستان مع إبقاء علاقته مع الأسرة التي تبنته ورعته.

عنوان الرّواية:

لالين، هذا الاسم مركّب من الحروف الأولى للمعبد المقدّس لدى الديانة الأزيدية، لالَش، والحرفين الأخيرين من اسم الشخصية المحورية للرّواية كاترين، لال + ين للدلالة على قوّة التّشابك بين الديانتين، الأزيدية والمسيحية، هذا ما يطرح سؤالاً: لمّ التّشابك بين اسم المعبد واسم الإنسان، لِمَ لم يكن بين اسمي الشخصيتين العاشقين، زارا وكاترين؟ أو بين مكاني العبادة لدى الديانتين؟

دلالة العنوان تجرّ القارئ إلى قراءة النّصّ، لمعرفة مسارات الحدث الذي تدور حوله الكتابة بوصفه العتبة الأولى للدّخول إلى عوالم النّصّ، هل حقّقت الكاتبة الهدف من ذلك؟

الاسم الغامض، الواضح، المركّب من اسمين هو النّافذة التي يدخل إليها القارئ إلى هذه الرّواية القصيرة أو «Novelle» إذا صحّ المصطلح، التي تعالجُ فكرة أهمية قبول التّعددية الدّينية والقومية، والحبّ الذي يسمو على حدودهما. وتؤكّد أحداث الرّواية على أنّ أحداثها تدور في فلك هذا العنوان.

«إن أهمية العنوان تنبثق، ليس بوصفه إعلاماً عن محتوى الكتاب وإخباراً له فحسب، بقدر ما أنّ فعل القراءة يتوقّف عليه، فالكتاب يحقّق كينونة بفعل القراءة، وعدمُ القراءة، يدفع الكتاب أو النّص إلى حافة المجهول. ومن هنا الوصف بأنّ «العنوان» نافذةُ النّصّ على العالم، ودليل القارئ إلى النّصّ، أي أن وجود النّصّ من وجود العنوان[1]».

فعنوان الفصل الثّاني «لالين… سليل نهايات الحروف» يدلّ على التّشابك بين النّص وحروف الاسمين الذين يشكّلان العنوان كتعريف مختزل ومبسّط للنّصّ، وحمّلته الكاتبة وظيفة شرح النّصّ كله «ليصبح نقطةَ التقاطع الاستراتيجية التي يَعْبُر منها النّصَ إلى العالم، والعالم إلى النّصّ، لتنتفي الحدود الفاصلة بينهما، ويجتاح كلّ منهما الآخر. ومن خلال ما تقدّم، نتلمّس الوظائف الآتية للعنوان:

1- التسمية.

٢- تعيين محتوى النص أو الإيحاء به..

٣- إغواء القارىء وإغراؤه»[2].

إشكالية الفكرة المطروحة:

تطرح هذه الرّواية إشكالية الهُوية النّاتجة عن اختلاف المعتقدات الدينية واللّغات والثقافات، حيث تختلف القيم الدّينية المسيحية عن الأزيدية، والإسلامية، ما يجعل بعض التّقاليد والشّرائع التي ترسم مصير المرء مصدراً لخلافاتٍ اجتماعية وثقافية، هنا يمكنُ القول: إنّ الفكرة التي طرحتها وجيهة عبدالرحمن في روايتها وعلى مدار 133 صفحة تمسّ جوهر القضايا الإنسانية المتعلّقة بهويّة الانتماء الدّيني والقومي، والصّراع الدّاخلي الذي يُرغم المرء لمواجهة الواقع المعاش الرّافض للأفكار الإنسانية التي تسمو فوق المفاهيم الدينية الضّيقة، هي محقّة بهذا الطّرح نظراً للنزاعات الدّاخلية في مجتمعٍ متنوّع. لكن تشوب الرّواية بعض الأمور الفنيّة كانت يمكنها تلافيها بقليلٍ من التّدقيق اللّغوي في المفردات والتّراكيب، ولم تستعجل في طباعتها.

الخطاب الرّوائي والسّرد:

إضافة إلى المباشرة الواضحة والسّطحية الشبيهة بالتّقرير، يجد القارئ ركاكة منتشرة في مفاصل السّرد، بسبب زجّ أفكار سياسية غير دقيقة ومشاهد جنسية فجّة في متن النّصّ، «حالما التقت عياناها بإحدى تلك الإيقونات المعلقة بالحائط المواجه لوحدتها فتذكّرها بأنّها تخون زوجها مع زوجها» ص10 يُلاحظ القارئ بأنّ العبارة ركيكة.

الدراسات النقدية للرّواية لا تقف أمام الشّكل والمضمون على حدّ سواء، بل «تعطي الأولوية للشّكل باعتباره الهدف المركزي للمارسة النّقدية» ولا يعني هذا الأمر الانتقاص من الفكرة المطروحة في الرّواية، ففكرة التعدّد الثّقافي قومياً ودينياً وضرورة التّجاوُز لحدود الديانات المنغلقة في تعاليمها، وتخطّي التّعصب القومي والانتقال إلى إيجاد مساحة مشتركة للتعايش بين البشر، في مساحة جغرافية واحدة كما هو موضوع هذه الرّواية أمرٌ في غاية الأهمية، لكنّ الدراسات النّقدية، وكذلك الرواية،  لا تحقّق جدواها من دون السعي «إلى بلورة الوظائف الجمالية والغايات الفنية المتجسّدة في البناء الشكلي للرّواية[3]»

في المقطع الأول من الفصل الأول تبدأ الرواية بصوت «الرّاوي»، الكاتبة، فاستخدمت الضمير الثّالث الغائب «هو، هي» أما في المقطع الثاني والثّالث من الفصل الأول تكون الشخصية الأساسية في الرّواية، كاترين، هي «الرّاوي»، حيث الضمير الأول المتكلّم. لكن تنتقل مهمّة الحكي إلى الرّاوي (الكاتبة) في الفقرة الأخيرة من الترقيم الثّالث. «في ذلك الصّباح خرجت باتجاه سوبرماركت البرّاد الآلي،  لتبتاع بعض الحاجات اللازمة لوحدتها الغارقة في الكآبة» لالين.ص38.

«فالخطاب المنقول يتكلّم فيه الرّاوي بخطاب الشخصية، أو أن الشخصية تتكلم فيه بصوت الرّاوي، لذلك فإنّ الفعلين السّرديين يختلطان[4]»

كيف يمكن  معرفة الخطاب الرّوائي في النّص، هناك الشخصية المحورية التي تتحدّث بضمير المتكللم في رواية لالين، وبين الأحداث التي وقعت، وهي النقطة المركزية التي تريد الكاتبة تقديمها في الرواية؟ زيارة الوفد السياحي وحدوث اللقاء بين الشخصيتين، كاترين وزارا، فالخطاب الرّوائي يشمل «حكي الأقوال، وحكي الأحداث […] على اعتبار الأول خاصّاً بالشخصيات والثّاني بالرّاوي[5]»

المعرفة الدّقيقة للكاتب بين السّرد والعرض، تقود القارئ إلى الأماكن المركزية لفهم الفكرة المطروحة، إلى حيث مفاتيح النّصّ وجوهره، لكن قد يلتبس الأمر على الكاتب فيسلك، وهو على عجلة من أمره، إلى المزج بين «العرض، والسّرد»، وهذا ما وقعت فيه وجيهة عبدالرّحمن، فتارة لجأت إلى أسلوب «الرؤية مع»، التي أكّد بويون أنّنا «هنا نختار شخصية محورية، ويمكننا وصفها من الداخل، بتمكننا من الدخول بسرعة إلى سلوكها وكأننا نمسك بها. إن الرؤية هنا تصبح عندنا هي نفس رؤية الشخصية المركزية» كما جاء في المقاطع المرقّمة (2 -3-5) من الرّواية.

وتارة أخرى إلى الرؤية الثانية «من الخلف» والراوي في هذه الرؤية حسب توصيف بويون «ليس خلف شخصياته ولكنه فوقهم، كإله دائم الحضور، ويسير بمشيئته قصة حياتهم[6]» كما في الفقرات (1-4-6-7) من الفصل الأول. لم تترك الكاتبة لشخوص الرّواية حرية التّصرف واتخاذ القرارات، كانت تسيّر الشّخصيات من عليائها وترسم لها أقدارهم، وإلا لا يمكن تفسير انقطاع الاتصال والعلاقة بين كاترين وزارا بذاك الشّكل، حيث لم يبادر أحدهما بالاتّصال بالآخر رغم طلاق كاترين ووحدة زارا الذي يستقيل من عمله لانزعاجه بينما لا يبادر إلى الاتصال بكاترين.

كثيراً ما يقع الكاتب الرّوائي في فخّ الاستعجال لإصدار عمله، فتكثر الأخطاء الكتابية، ويخرج الخيط السّرديّ عن مساره، ومتأرجحاً بين «الرّؤية الأولى والثّانية»، فوقعت الكاتبة في هذه الرّواية في هذا المطب، لأنّ ذلك الانقطاع يخالف منطق الحياة، ومنطق المخيال.

كان يمكن للكاتبة الإمساك بمادتها الحكائية، وسردها بسلاسة انسيابية، من دون زرع بعض الانتقالات المفتعلة كما يبدو للقارئ المحايد.

البدء بالضمير المتكلم، على لسان الشخصية، وثمّ الانتقال إلى أحداثٍ أخرى مع تغيير المتكلّم، مرة على لسان الشّخصية وأخرى بلسان الرّاوي. لأنّ بناء فنية النّصّ القوي يتعلّق «بكافة العناصر البنائية والأسلوبية الداخلة في تكوين الرّواية والتي تمكن الكاتب باستعمالها من الحصول على عمل فني متناسق ومقنع بمادته وطريقة تأليفه[7]».

هنا تختلط على الكاتبة في مسألة الحكي، الرّاوي: «المعرفة المطلقة للرّاوي، المعرفة المحايدة، الأنا المشارك، المعرفة المتعدّة، والمعرفة الأحادية»

هنا لابدّ من الوقوف مع مصطلح «الرّؤية، الرّؤيات» وأنواعها 1- الرّؤية مع، الرّؤية من الخلف، الرّؤية من الخارج، كما أطلق عليها جان بويون في كتابه الزّمن والرّؤية[8].

الجانب المعرفي لدى الرّوائي[ـــة]:

في المعلومات السياسية:

الرّوائي يجب أن يكون واسع الاطلاع على الفكرة التي يتناولها، ملمّاً بتفاصيلها، فالذي يتناول حدثاً تاريخياً يجب عليه أنْ يحيط بدقائق الحدث، حتى يقع القارئ في حيرة واعتقاد أنّ السّارد مؤرّخ، وكذلك في أي أمرٍ آخر. فالرّواية في مسيرتها الطّويلة استفادت من أساليب شعرية، كتوظيف الصّور والكنايات والتراكيب، ومن الفنّ المسرحي، كالحوارات، ومن السّينما وتقنياتها الفنية، ورسم الشّخصيات وغيرها من الفنون. كذلك تعالج في مختلف أوجه الحياة، السياسية والاجتماعية وغيرها، لأنّ «الرّواية ظلّت تستمدّ قوتها من حريتها المطلقة، أي من انفتاحها واتساعها اللامحدود[9]»..

الكاتبة وجيهة عبد الرحمن امرأة كردية، وترعرعت في وسط اجتماعيّ وسياسيّ يهتمّ بالشأن الكردي يومياً، ثم ترتكب أخطاءً في التّاريخ السياسي الكُردي تُحسب عليها، وليست لها.

«وحصل الكرد على الحكم الذاتي لإقليم كردستان، بعد حرب طاحنة مع نظام صدام حسين وكل من سبقه، وسيتولى شؤون الإقليم كدولة صغرى غير منفصلة عن جسد العراق، حزب الاتحاد الوطني الكردي وحزب الديمقراطي الكردستاني[…] وسيتولى مام جلال طالباني رئاسة حكومة العراق فخرياً في عام ٢٠٠٣، بعد تحرير قوات التحالف العراق من حكم صدام حسين، ليتولى بذلك أول رجل كردي رئاسة حكومة كانت بالأمس تقطع أوصاله…» لالين، ص49

فالحقوق الكُردية التي وردت في دستور العراق الجديد وفق المادة 117 هي حقوق فيدرالية «يقر هذا الدستور عند نفاذه إقليم كردستان، وسلطاته القائمة إقليماً اتحادياً» بينما وردت في النّصّ الرّوائي لرواية لالين «وحصل الكرد على الحكم الذاتي لإقليم كردستان» وأصبح مام جلال الطالباني أول رئيس منتخب للجمهورية العراقية بعد الدستور الجديد عام 2005، وليس رئيساً لحكومة العراق كما ذكرت الكاتبة في روايتها، حيث هناك رئيس الجمهورية، وهناك رئيس الحكومة، لأنّ نظام الحكم في الدولة العراقية جمهوري نيابي، بينما وردت في الرّواية «وسيتولى مام جلال طالباني رئاسة حكومة العراق فخرياً في عام ٢٠٠٣» فرئيس الجمهورية يُنتخَب وفق الدّستور وإن كانت مهامه بروتوكولية.

واسم الحزب: حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وليس (الكردي). من جهة أخرى لا أعرف كيف لا تميّز الكاتبة بين النّظام السّوري والدّولة السّورية، في سوريا استلب حزب البعث السلطة السياسية، ومؤسسات الدولة وفق المادة الثامنة من الدستور الذي وضعه الأسد الأب منذ انقلابه واحتكاره السلطة 1970، ثم استلب الأسد البعث والدولة واختزلهما في شخصه، ونتيجة التراكمات الطويلة في قمع الحريات العامة قام السّوريون بالثورة ضد النّظام السّوري، لاستعادة دولتهم المُستلَبة وحرياتهم العامة، السّوريون لم يقوموا بالثّورة ضد الدّولة بل ضدّ النظام، بينما جاءت في مقطع التّالي «ثمّ انشقّ العديد من الألوية والسّفراء ورئيس مجلس الوزراء، الذي كان انشقاقه طعنة في خاصرة الدّولة». ص69 هل كان انشقاقه طعنة في خاصرة النّظام أم في خاصرة الدّولة؟

في مقطعٍ آخر وفيما يتعلّق بالشّؤون السّياسية الكُردية، ارتكبت الكاتبة أخطاء أخرى. معلومٌ لكلّ الكُرد أنّ المجلس الوطني الكُردي استقطب شريحة واسعة جداً من الشّعب، فكانت مظاهراته بالآلاف، وربما زاد العدد في أسبوع «المجلس الوطني الكُردي يمثّلني» عن خمسٍ وعشرين ألفاً، في المقابل لم يكن يمتلك حزب الاتحاد الديمقراطي بضع عشرات من الأنصار، فكانوا ينخرطون في مظاهرات المجلس، وبعد التّصوير ينسلون منها،

«بسبب هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي الـ (pyd) مدعوماً من قبل قوى التحالف وروسيا، بخلاف باقي الأحزاب الكردية التي شكلت ما يسمى بالمجلس الوطني الكردي، والذي لم يواز حزب الاتحاد الديمقراطي في الهيمنة؛ لأن الأخير كان الأكثر شعبية تقريبا، بفضل الجناح العسكري الذي تصدى لداعش، وبين الحين والآخر اصطدم مع النظام السوري من خلال معارك وصفت آنذاك بأنها مسرحيات تمثيلية؛ ليبعد عنه تهمة تحالفه مع النظام السوري، الذي سلمه في وضح النهار المناطق الكردية ليستأثر بها لأسباب ظلت مبهمة«ص71

يرد في متن السّرد أن النظام السّوري «كان فاقداً للشّرعية لدى دول الاتحاد الأوربي ومجلس الأمن»ص70. وهذا خطأ سياسي آخر أيضاً لأنّ مجلس الأمن لم يستطع اتخاذ قرار سحب الشّرعية منه بسبب الفيتو الرّوسي، وبالتالي كان فشل التوصّل إلى أي قرار من هذا النوع حمايةً للنظام.

كان النّصّ السّرديّ مرتبكاً في عدة مواضع، لم يكن في مستوى الفكرة المطروحة، «أهميّة التّلاقح الفكري والدّيني، والتّنوع الثقافي، ورفض الجزر الاجتماعية التي تكوّن جماعات منفصلة في رقعة جغرافية واحدة» ولم تكن هناك مبررات في انقطاع الصّلة بين الحبيبين رغم توفّر وسائل الاتصالات الكثيرة. السّرد غارقٌ في التّقريرية. هنا مقطع سردي أتركه دون تعليق:

«الغريب في أمرهما أن كليهما لم يحاول الاتصال بالآخر، بالرغم مما استبدّ بهما من شوق وما ألمّ بهما من حزن دون أن تثير تلك القطيعة حفيظة أحدهما، التزما الصمت كلاهما حيث كان ، ولكن بالنظر إلى حالهما كلٌّ على حده ، فقد زارا روحه المرحة، استقال من عمله كدليل سياحي ، وحتى يتجاوز محنته بالنسيان والابتعاد عن كل ما يجلب له الألم، فتح معرضاً للشرقيات الأثرية لئلا يبتعد عن أجواء عمله السّابق، بذلك بات متواصلا مع السياح، أما كاترين فقد واظبت على الذهاب إلى عملها كمدّرسة لمادة اللغة العربية، كانت وحيدة، تجلس دوماً في ركن معزول خاص في غرفة المدرسين لتقرأ كتاباً تلو الآخ ، كانت القراءة تبعدها عن الاختلاط بالآخرين»ص82.

أخطاء كتابية ونحوية: هناك أخطاء كتابية نحوية وإملائية كثيرة، كان يمكنها إجراء مراجعة سريعة لتلافيها، مثل:

« أي عطر تضعين» همسن . المتحدّث هو زارا.ص16، الأمر الذي أثار استغرب (استغراب) الزوج المغلوب على أمره ص11، هل تعلمين أن ميان خاتون لم ترتاد (ترتد) مدرسة أو تتلقى تعليماً ص33، لم يتحتضرا (يحضّرا) للاحتفال به كما يجب ص116، فهما الذان (اللّذان) منعاني ص122، فقد كان خالياً من الروح التي كانت ستملؤه به امرأة أخرى إذا ما كان متزوجاً بإحداهن. ص34، قطَّبت جبينها سوزان كإشارة استهجان (تأخير الفاعل خطأ نحوي) ص67

التّراكيب غير الدّقيقة:

يواجه الكثير من الكتّاب صعوبة في إيجاد المفردات والمصطلحات الدّقيقة لتوظيفها في الجمل وتحميلها المعنى المراد، ما يجعل النّصّ مترهّلاً أحياناً، فالفكرة، مهما كانت سامية، غير كافية لجعل السّرد ناجحاً، فلا بدّ من النّصّ القوي المتماسك الذي ينقل المعاني السّطحية والعميقة إلى المتلقي، والابتعاد عن التّقريرية في السّرد، وهذا ما وقعت فيه الكاتبة. سأبيّن بعضاً منها: وردت في النّصّ «ممسكاً بثديّ بين كفيه الاثنتين» ص35، هذه العبارة جاءت في رسم مشهد غرامي بين كاترين وزارا، لم توفّق الكاتبة في استخدام المصطلح الدقيق، فالثّدي كلفظ يستخدم لرضاعة الطفل، أما من أجل صياغة مشهد جنسي، فالأصح استخدام النّهد، أوّ الصّدر النّاهد، أو كناية تفي بالمعنى، فيقال: صدرها النّاهد، والنَّاهِدُ: المرأة التي نَهَدَ ثديُها، فتاة ارتفع ثديُها وبرَز (…) معجم المعاني. فالسّاردة التي تحكي بضمير المتكلم كان يمكن أن تقول: « فأمسك بصدري النّاهد. أو تسلّقت أصابعه ربوة النّهدين».

في عبارة أخرى في المشهد ذاته تقول: «حين ولج شيئه في فتحة الطّهارة لديّ، شعرتُ بأنّ السّماء تتشظّى» ص36، أعتقد أنّ نقل المشهد الجنسي هنا صِيغ بشكلٍ فج، فقد أخفقت الكاتبة في صياغة المشهد. المشاهد الجنسية التي يصوّرها كثير من الكتاب، في نصوصهم السّردية مثيرة جداً، وجريئة جداً، لكن رغم وضوح المعنى والمُراد فيما حصل بين العشيقين، إلا أنّ مصطلحي «شيئه، وفتحة الطّهارة» غيرُ موفقين في تأدية الوظيفة السّردية، لا أرى خطأً حتى لو أسمَت العضوين الجنسيين بالعبارة الصّريحة. فلولا جملة «شعرتُ بالسّماء تتشظّى» التي أعقبت الوصف لسقط المشهد كله في فجاجة الرّكاكة التّعبيرية، هنا يحتاج الكاتب إلى خيالٍ خصب في رسم المشهد الجنسي، مثال: كان ينظر إلى صفحة فخذي الرخاميتين اللامعتين كلمعان نور القمر على صفحة البحر بنهمٍ، ارتفع صهيل حصانه متجاوباً مع حمم العشق، …إلخ.

ففي مشهد آخر في الرّواية وصفت الكاتبة عملية اغتصاب ثلاثة صبيان لطفلٍ آخر:

«كان يتخبط بين أيديهم كالخروف المعد للذبح، بعد أن ربطت أطرافه الأربعة وأمسك أحدهم برقبته أوصلوه إلى الخرابة، تعلوهم سحب الشتائم والتهديد، وهناك قام ثلاثتهم بالتناوب على نكاحه…كان يتألم ولكنّهم لم يعطوه حق الصراخ، حين كانوا يدخلون شيئهم في شرجه الصغير، كان يشعر بالسكاكين تقطع كبده» ص40.

هنا أخطأت الكاتبة في وصف المشهد السّردي، فما حصل هو عملية اغتصاب قام بها ثلاثة صبيانٍ لصبيّ آخر، الفعل «نكح» يُستخدَم لعملية الواقعة الجنسية بين الرّجل والمرأة، فالنكاح كمفردة ترد في نصوص عقد الزّواج، وتدلّ على حصول ممارسة الحب، أو ممارسة الجنس بين رجلِ وامرأة، وبرضى الطّرفين، واستخدامها في عملية اغتصاب لايفي بالمعنى المُرَاد، «وهناك قام ثلاثتهم بالتناوب على نكاحه». فصُورُ عملية الاغتصاب واضحة في أذهان النّاس، والاغتصاب عملية اعتداء سافر على شخصٍ آخر، سواء حصل الاعتداء على الذكّر أو الأنثى، لذلك غرق مشهد الاعتداء في عملية الاغتصاب في تراكيب مبتذلة «كان يتألم ولكنّهم لم يعطوه حق الصراخ، حين كانوا يدخلون شيئهم في شرجه الصغير».

في الختام، رغم أهمية الفكرة المطروحة، وصياغة بعض الفقرات التي تضجّ بصورٍ شعرية جميلة إلا أنّ هذا لا يكفي لإنقاذ الرّواية من الأخطاء الفنية في الأسلوب والصّياغة وكان يمكنها معالجتها بقليلٍ من التّمحيص والتمهّل.

[1] – حسين، خالد، في نظرية العنوان، دار التكوين، دمشق، ط1 ص493

[2] – حسين، خالد، شؤون العلامات، من التشفير إلى التأويل، دار التكوين، دمشق ط1 2008م ص47

[3] – بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، المركز الثقافي العربي، بيروت ط1 1990ص17ص22

[4] – تحليل الخطاب الروائي، سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، بيروت ط3 1997م ص179.

[5] – تحليل الخطاب الروائي، سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، بيروت ط3 1997م ص194

[6] – تحليل الخطاب الروائي، سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، بيروت ط3 1997م ص289

[7] – بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، المركز الثقافي العربي، بيروت ط1 1990ص17

[8] –  تحليل الخطاب الروائي، سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، بيروت ط3 1997م. ص289

[9] – بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، المركز الثقافي العربي، بيروت ط1 1990م ص13

المصدر: مدارات كرد

شارك هذه المقالة على المنصات التالية