الأربعاء, يناير 22, 2025

سد تشرين.. الأهمية الاستراتيجية ودوافع تركيا للسيطرة عليه والمخاطر المحدقة به

منذ أن بدأت الأزمة السورية عام 2011، بدأت تركيا مساعيها لتطبيق مخططاتها العثمانية الجديدة في هذه البلاد، عبر دعم المجموعات المسلحة على اختلاف مسمياتها، وعندما عجزت تلك المجموعات عن تحقيق تلك الأهداف تدخلت بنفسها واحتلت الأراضي السورية، وبعد سقوط النظام البعثي في سوريا، كثفت من هجماتها بشكل خاص على مناطق شمال وشرق سوريا، ومنذ نحو 40 يوماً تستهدف سد تشرين وجسر قرقوزاق.

وتسعى أنقرة عبر هجماتها العسكرية داخل الأراضي السورية إلى تعزيز نفوذها الإقليمي على حساب السيادة السورية. حيث تتركز هجماتها حالياً على سد تشرين الواقع على نهر الفرات والذي يعتبر أحد أبرز الموارد المائية والكهربائية في البلاد، ويخدم ملايين السكان في شمال وشرق سوريا.

أهمية سد تشرين الاستراتيجية

ويقع سد تشرين على نهر الفرات على بعد نحو 90 كيلومتراً عن مدينة حلب، ويمثل نقطة حيوية على الممر المائي الذي يربط شمال سوريا بجنوبها ويمتد إلى العراق، مما يجعله مركزاً مهماً للتحكم بإمدادات المياه والطاقة في المنطقة.

ويضم سد تشرين محطة كهرومائية تُنتج حوالي 630 ميغاواط من الكهرباء، ما يجعله أحد أهم مصادر الطاقة الكهربائية في سوريا. ويُعتبر السد ضرورياً لاستقرار التيار الكهربائي في شمال وشرق البلاد.

كما يوفر السد مياه الري لآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، ما يساهم في تأمين الغذاء للسكان وتعزيز الاقتصاد الزراعي في المناطق المحيطة.

 

التحركات التركية وأهدافها

وتعتبر تركيا سد تشرين مفتاحاً للتحكم في تدفق نهر الفرات، الذي تعتمد عليه سوريا والعراق بشكل كبير. السيطرة على السد تمنح أنقرة ورقة ضغط قوية تمكنها من التحكم بالإمدادات المائية لدول الجوار وبالتالي زيادة الضغط على سوريا والعراق معاً خصوصاً أنها أنشأت عدداً من السدود على أراضيها وتحتجز المياه فيها، حيث تستخدم أنقرة مياه نهري الفرات ودجلة كورقة ابتزاز ضد السوريين والعراقيين على حد سواء من أجل الرضوخ لمطالبها.

كما تسعى تركيا من وراء هجماتها على السد، إلى الهيمنة على مصادر الطاقة، فالتحكم بالكهرباء المُنتجة من سد تشرين سيتيح لتركيا فرض شروطها السياسية والاقتصادية على القوى السياسية في شمال سوريا، خاصة الإدارة الذاتية التي تعتمد على السد لتوفير الكهرباء.

فضلاً عن الهدف الأساسي لتركيا والمتمثل بالقضاء على تجربة الإدارة الذاتية، فسد تشرين يقع في مناطق الإدارة الذاتية التي أثبتت خلال سنوات الأزمة السورية أنها النموذج الأفضل للإدارة في سوريا وبالتالي يمكن أن يتطور هذا النموذج ليشمل كل سوريا .

ترغب تركيا في السيطرة على السد من أجل إضعاف الإدارة الذاتية عبر تقليص قدرتها على تقديم الخدمات الحيوية للسكان. وإلى جانب ذلك، تسعى أنقرة إلى تثبيت وجودها في مناطق استراتيجية داخل سوريا، كجزء من سياسة أوسع لتعزيز نفوذها الإقليمي والتوسع داخل دول الجوار للوصول إلى حدود ما تسميها “الميثاق الملي”.

ويرى الميثاق الملي، حلب والرقة ودير الزور والحسكة في سوريا، إلى جانب الموصل وكركوك وإقليم كردستان العراق، جزءاً من الأراضي التركية وهي تحاول بشتى الوسائل والحجج والذرائع لإنشاء قواعد عسكرية في هذه المناطق والسيطرة عليها وتغيير ديمغرافيتها بما يتماشى مع أهدافها تمهيداً لسلخها مستقبلاً عن سوريا والعراق.

هجمات عسكرية رغم المخاطر

ومنذ نحو 40 يوماً تشن تركيا وفصائل “الجيش الوطني” الموالية لها، هجمات عنيفة على سد تشرين، تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، فضلاً عن قصف جسم السد ومحيطه بالطائرات الحربية والمسيرة رغم ما تحمله هذه الهجمات من مخاطر إنسانية وبيئية.

انهيار سد تشرين.. كارثة إنسانية وبيئية

إن انهيار سد تشرين بفعل هجمات تركيا سيكون كارثة واسعة النطاق على المستويات الإنسانية والبيئية والاقتصادية، ليس فقط لسوريا بل لدول الجوار أيضاً، كونه أحد السدود الحيوية على نهر الفرات. تداعيات هذا الانهيار ستشمل فيضانات مدمرة، انهيار خدمات البنية التحتية، وتأثيرات اقتصادية طويلة الأمد.

فانهيار السد سيؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من المياه المخزنة خلفه، مما يسبب فيضانات كارثية تغمر القرى والمدن الواقعة في مسار نهر الفرات، المناطق الأكثر تضرراً ستكون الرقة والطبقة ودير الزور، حيث يتواجد عدد كبير من السكان والمرافق الحيوية على طول مجرى النهر وستمتد التأثيرات حتى الأراضي العراقية.

كما ستؤدي المياه المتدفقة بسرعة عالية إلى خسائر كبيرة في الأرواح، خاصة في المناطق السكنية القريبة من السد. كما ستكون الجسور، الطرق، والمباني السكنية معرّضة لأضرار كبيرة، ما سيؤدي إلى عزل المناطق المتضررة عن بعضها البعض. وستتعطل شبكات الكهرباء والمياه بالكامل، مما يفاقم الوضع الإنساني.

كما سيكون لانهيار السد تداعيات إنسانية كبيرة، إذ ستؤدي الفيضانات إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان الذين سيفقدون منازلهم وأراضيهم الزراعية، وسيُضاف هذا النزوح إلى أزمة اللاجئين والنازحين في سوريا، التي تعاني بالفعل من ضغوط إنسانية هائلة.

كما أن الأراضي الزراعية المغمورة ستخرج عن الخدمة لفترة طويلة، مما يؤدي إلى نقص في الإنتاج الغذائي، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الاعتماد على المساعدات الدولية في مناطق تعتمد على الزراعة المحلية.

الفيضانات قد تؤدي إلى تلوث مصادر المياه، مما يزيد من خطر تفشي الأمراض المنقولة بالماء مثل الكوليرا والتيفوئيد.

بيئياً، ستدمر الفيضانات النظم البيئية المحيطة بالنهر، مما يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي في المنطقة. كما المياه المندفعة ستجرف معها التربة الملوثة، المواد الكيميائية، والنفايات، مما يؤدي إلى تلوث النهر والمسطحات المائية المحيطة.

اقتصادياً، ستتوقف محطة السد الكهرومائية عن العمل بالكامل، مما يؤدي إلى انقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة تعتمد عليه، كما أن الأراضي الزراعية المغمورة ستحتاج إلى سنوات للتعافي، مما يؤدي إلى خسائر فادحة في القطاع الزراعي. فيما سيؤدي توقف الخدمات والبنية التحتية إلى شلل اقتصادي في المناطق المتضررة، ما يزيد من تفاقم الأزمة المعيشية.

مجازر بحق المواطنين

ومن أجل منع تركيا من السيطرة عليه وتدمير حياة مئات الآلاف من سكان شمال وشرق سوريا، بدأ الأهالي مناوبة على جسم السد لمنع الطائرات الحربية والمسيرة التركية من قصفه والتسبب بتدميره، ولكن رغم ذلك، استهدفت تركيا المناوبين فوق جسم السد وارتكبت عدة مجازر بحق الأهالي ترتقي إلى مستوى جرائم حرب.

ففي 8 كانون الثاني/ يناير الجاري، استهدفت الطائرات الحربية والمسيّرة قافلة المدنيين بين صرين والسد، ما أدى لاستشهاد 3 مدنيين وإصابة 15 آخرين.

وفي 15 كانون الثاني/ يناير استهدفت أيضاً قافلة مدنيين متجهة إلى السد بين صرين والسد، ما أدى لاستشهاد مواطن وإصابة 4 آخرين، وعاودت استهداف القافلة بعد الوصول إلى السد ما أدى لاستشهاد 3 مدنيين وإصابة 19 آخرين.

وفي 16 كانون الثاني/يناير، استهدفت المناوبين مجدداً بالطيران الحربي، ما أدى لاستشهاد مواطن وإصابة 17 آخرين بينهم 3 صحفيين.

وفي 18 كانون الثاني/يناير، استهدفت المناوبين المتواجدين في السد ما أدى لاستشهاد 6 مدنيين وإصابة 19 آخرين.

وفي يوم 21 كانون الثاني/يناير، استهدفت مجدداً المناوبين، ما أدى لاستشهاد مواطنين اثنين وإصابة 20 آخرين.

كما استهدفت الطواقم الطبية التي نقلت الجرحى في الهجمات السابقة، ما أدى لاستشهاد شخصين وإصابة 3 آخرين من العاملين في مجال نقل الجرحى.

موقف الحكومة في دمشق

رغم الهجمات التي تشنها تركيا على سد تشرين وتسببها بسقوط خسائر بشرية والتهديدات التي يشكلها انهيار السد على سوريا، إلا أنه لم تصدر من الحكومة المؤقتة في دمشق، أي موقف حتى الآن ولم تبدي أي موقف من التحركات التركية داخل الأراضي السورية وهو ما يثير الكثير من إشارات الاستفهام حول مدى سعيها للحفاظ على السيادة السورية.

كما لم يبدِ المجتمع الدولي أي مواقف واضحة حيال الهجمات التركية، وهو ما يشجع تركيا على التمادي بهجماتها داخل الأراضي السورية وارتكاب المزيد من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية لتُضاف إلى سلسلة من الجرائم التي ارتكبتها داخل الأراضي السورية في 4 هجمات احتلالية شنتها داخل الأراضي السورية منذ عام 2016.

 

المصدر: مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية