السبت, يناير 11, 2025

سقطَ الطاغية.. فهل انتصرت الثورة؟!

طلال محمد

سقطَ بشارُ الأسدِ أخيراً، وسقطت معه صورهُ وتماثيلهُ وشعاراتهُ وأقوالهُ التي ملأت مناطقَ سيطرتهِ بكثافةٍ مستفزّةٍ طيلةَ أعوام الثورةٍ السوريّة كرسالةِ تحدٍّ إلى معارضيهِ من الأفرادِ والجماعاتِ والدول.

سقطَ طاغيةُ سوريا بعدَ أن فقدَ الكثيرونَ أملَ السقوط، وبعدَ أن قتلَ مليونَ إنسانٍ، وزجَّ مئات الآلافِ في المعتقلات، وشرّدَ وهجّرَ الملايينَ، ودمّرَ نصفَ البلادِ حجراً حجراً.

سقطَ الديكتاتورُ فعلاً، وغزتِ الأحذيةُ تماثيلهُ في الطرقِ والساحات، لكن هل سقطَ نظامهُ أو منظومته؟ وهل انتصرت الثورةُ حقاً؟ وهل باتت سوريا حرّةً فعلاً؟.

إن كانتِ الثورةُ تعني سقوطَ شخص الطاغية، فهي انتصرت، وإن كانتِ الحريّةُ تعني الخلاصَ من شخصهِ، فسوريا أضحت حرّةً، لكن، في الواقع، ليسَ سقوط شخصِ الطاغيةِ إلا جزءاً من الانتصار، وليسَ إلا جزءاً من الحريّةِ الحقيقية.

الانتصارُ والحريّةُ لا يكتملانِ إلا بإسقاطِ الطاغيةِ وما أنتجهُ وثبّتهُ من تماثيلَ وأصنامٍ فكريةٍ وثقافيةٍ واجتماعية، وما رسّخهُ من فسادٍ في القلوبِ والعقولِ على حدٍّ سواء، وما خلّفهُ من أفكارٍ وقناعاتٍ واعتقاداتٍ وميولٍ كمنظومةٍ بنى عليها صرحهُ وعرشهُ الذي دامَ عقوداً طويلة.

ما نقوله، ليسَ تقليلاً من شأنِ إسقاطِ الأسد، فسقوطهُ بعد 13 عاماً من الحرب المدمّرةِ، إنجازٌ تاريخيٌّ فرحت له شعوبٌ كثيرةٌ مثلما فرحَ الشعبُ السوريُّ، بيدَ أن الثورةَ تعني الكثير، ونجاحها لا يقفُ عند حدِّ إسقاط الحاكم المستبد.

قد لا نبالغُ إن قلنا إن الثورةَ تبدأُ، فعلياً، بعد سقوطِ الطاغية، وهنا يكمنُ مقياسُ الحُكمِ على الثورةِ ونجاحها، إذ ما قيمةُ الثورةِ إن استبدلت مستبدّاً بمستبدٍّ آخر، أو أسقطت طاغيةً وأبقت على منظومتهِ التي تسلّطَ من خلالها على الرقاب، أو أزاحتَ نظاماً قمعيّاً وأتت بنظامٍ قمعيٍّ آخر بثوبٍ مختلف؟!.

الثورةُ لا تكونُ ثورةً حقيقيةً ما لم تشكّل انقلاباً على كاملِ المنظومةِ الاستبداديّة، وما لم تحقّق التحرّرَ من سجونِ الطاغيةِ المكوّنةِ من الأحجارِ وأيضاً من سجونهِ المكوّنةِ من الأفكار والمفاهيم، وإلا فإنها لن تكونَ ثورةً بقدر ما تكونُ سعياً إلى السلطةِ وكُرسيِّ الحكم.

خلالَ 13 عاماً، وقبلها عقودٌ من الزمنِ بحسبِ الساعةِ البعثيّةِ، عانى السوريونَ الويلات، من قمعٍ وفقرٍ وخوفٍ وتمييزٍ وكمٍّ للأفواهِ، ومن حقّهم الآن أن يستنشقوا أوكسجينَ الحريّة والديمقراطيّةِ والسلام، لا أن يعيشوا حلقةً جديدةً من العبوديّةِ وعدمِ الأمان.

من حقّ السوريينَ أن يشعروا بأن لهم ألسنةً قادرةً على التعبير والتغيير، وأن لهم فسحةً واسعةً من الحريّةِ التي تمكّنهم من المشاركةِ في صناعةِ مستقبل أطفالهم بعيداً عن ثقافةِ الخوفِ والرعب.

من حقهم أن يشعروا بأن لهم حقوقاً مصانة وأن هذه الحقوق مقدّسة، من حقّهم أن يشعروا بأن ثورتهم على الطاغية انتصرت فعلاً، وأن منظومةَ الاستبداد كلّها سقطت، وأن سوريا باتت حرّةً تجمعُ كلَّ السوريينَ على جغرافيّةٍ أتعبها الخوفُ وأنهكتها الحرب.

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية