-1-
بعد المجازر الرهيبة بحق الطائفة العلوية في الساحل السوري وفي محافظتي حمص وحماة بحجة محاربة فلول النظام السابق وضعت البلاد في مسار صعب يهدد كل الكيان السوري بالتشظي والتدخل الخارجي.
ومن أجل إيقاف حمام الدم، وضبط الأوضاع داخل البلاد جاءت اتفاقية الجنرال مظلوم عبدي ورئيس الإدارة المؤقتة أحمد الشرع بتاريخ 10 آذار 2025، وإذا كانت قسد والإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا ترمي من وراء هذه الاتفاقية الانفتاح على كل المكونات السورية وحمايتها وتأمين كامل حقوقها، وبالتالي حماية وحدة البلاد، يبدو أن الإدارة المؤقتة في دمشق رأت فيها فرصة لالتقاط الأنفاس، والاستمرار في مشروعها الطائفي وترسيخ أركان نظامها داخل البلاد من جهة، ومن جهة أخرى الحصول على ما يسمى بالشرعية من الخارج، سواء من الدول الإقليمية والعربية أو الولايات المتحدة وأوروبا، بما في ذلك الانخراط في الاتفاقات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهذه الحقيقة والنوايا تقف مباشرة وراء فشل مفاوضات قسد والإدارة الذاتية الديمقراطية مع ممثلي الإدارة الانتقالية المؤقتة التي جرت في دمشق بتاريخ 9/7/2025.
لم تنفذ سلطة دمشق أياً من بنود اتفاقية عبدي – الشرع، وقد بدا واضحاً أن هذه السلطة لا تؤمن أساساً بجميع نقاط الاتفاق المذكور من خلال رفع شعاره المضلل (شعب واحد، جيش واحد، علم واحد)، ويعرف الجميع أن السلطة الحالية التي تحكم من خلال هيئة تحرير الشام والأخوان المسلمين وغيرها هي أول من خرقت جميع بنود هذا الشعار عندما قامت بإعلان دويلتها المستقلة في إدلب وجمعت كل الإرهابيين الدوليين في جيشها الذي ارتكب مجازر وحشية بحق جميع السوريين.
تريد السلطة الفئوية حل قسد بحجة إدماجها في وزارة الدفاع السورية، وتريد إلغاء الإدارة الذاتية الديمقراطية بحجة الشعب الواحد، ولكن الشعب الواحد على طريقتها، أي شعب مسلم عربي أموي سني ليس غير.
لنكن صريحين وواضحين، كل من يعيش في سوريا هو سوري، والهوية الجامعة للشعب السوري يحترمها كل الوطنيين والديمقراطيين السوريين، وهذه الهوية الجامعة لا تلغي أو تنفي الهويات الخاصة، وسوريا دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، والسوريون هم عرب وكرد وسريان وشركس وآشوريين وتركمان وأرمن، مسلمون ومسيحيون وإيزيديون وعلويون ودروز…الخ ولكل هؤلاء هوياتهم الخاصة التي يجب الاعتراف بها واحترامها، وتأمين حقوقهم القومية والديمقراطية وحماية خصوصياتهم، وإذا كان العرب السوريون ينتمون إلى الأمة العربية المجزأة فإن الكرد أيضاً ينتمون إلى الأمة الكردية المجزأة، وهكذا الأمر بالنسبة لكل المكونات السورية، وعلى الإدارة المؤقتة في دمشق أن تتأكد أن وحدة سوريا واستقرارها وحل أزمتها تمر عبر ترك شعاراتها الإسلاموية والأحادية والاعتراف بالحقائق والوقائع على الأرض، والانفتاح على كافة المكونات السورية، وإعادة خلق الروح واللحمة الوطنية، وإلا فإنها بشعاراتها وتوجهاتها الفئوية لا تستطيع حتى الادعاء بشعار “شعب واحد، جيش واحد، علم واحد”.
-2-
بدأت السلطة الجديدة، السلطة المؤقتة عملها بارتكاب مجزرة الساحل السوري التي لاقت الاستنكار الشديد سواء في الداخل السوري أو في خارجه، ثم كانت الأعمال الإجرامية في حيي جرمانا وصحنايا ضد الدروز، وكانت كارثة تفجير كنيسة مار الياس في الدويلعة بدمشق، ثم التهديدات المستمرة للإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية عبر تجنيد ذبابها الالكتروني وكل طاقاتها الإعلامية، إضافة إلى الاتكاء على العامل التركي حيث تحتل تركيا أجزاء واسعة من الأراضي السورية وتهدد باحتلال المزيد، وأخيراً مجازر السويداء التي أقامت الدنيا ولم تقعدها.
في مثل هذه الظروف والأوضاع يصبح مطلب (إدماج) قوات سوريا الديمقراطية في ما يسمى وزارة الدفاع السورية عبر حل نفسها شيئاً يستحق المسخرة، شيئاً من قبيل الضحك على الذقون، بل أنه توجه واضح نحو العدوان على كل المكتسبات التي حققها الشعب الكردي وكل مكونات روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا بدماء شهدائها، وفي مثل هذه الظروف أيضاً يجب تعزيز المطالبة بإنهاء استفراد هيئة تحرير الشام والأخوان المسلمين وكافة المجاميع الإرهابية بالاستفراد بالحكم، بل أن تشاركها قسد والإدارة الذاتية الديمقراطية وكل القوى الوطنية والديمقراطية في الحكم، كما يجب مقابلة طلب إدماج قوات سوريا الديمقراطية في وزارة الدفاع بتعزيز شعار الفيدرالية، أي سوريا دولة اتحادية، وأن تدير الحكومات المحلية نفسها عبر مجالسها التشريعية والتنفيذية والقضائية وباقي مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تحميها قواها الأمنية الخاصة، ومن هنا تأتي صدقية أن تدخل قسد وزارة الدفاع السورية ككتلة مستقلة وأن تحمي مناطقها.
-3-
على الإدارة المؤقتة في دمشق أن تعلم أن معظم السوريين لا يقبلون بسلطة الأمر الواقع الحالية في دمشق، سلطة هيئة تحرير الشام والأخوان المسلمين، كما لا يقبلون بإعلانها الدستوري ومجلس شعبها وحكومتها، وكلها من لون واحد وتوجه واحد لا تقبل حتى بكلمة الديمقراطية، السوريون بقواهم السياسية والاجتماعية، وبخبراتهم الطويلة في جميع الميادين يعرفون طريق الخروج من الأزمة أكثر من السلطة الفئوية المرتبطة بأجندات الخارج، والتي لها تاريخ طويل في مجال الإرهاب ليس على مستوى سوريا فقط، وإنما على مستوى العالم، غير أنهم اليوم مغلوبون على أمرهم ومفككون بفعل النظام السابق الذي دام /61/ عاماً، وكذلك بفعل سلطة (هتش) وحلفائها المنفصلة عن الواقع، والتي بدأت يومها الأول في الحكم بتهديد كل مكونات الشعب السوري، وخداعها عبر ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني.
-4-
لا يمكن النظر إلى المجزرة الرهيبة، الكارثة الحقيقية التي ارتكبتها الإدارة المؤقتة في السويداء بشكل مستقل عما يجري ويخطط لكامل البلاد وكامل المشهد السوري، وواضح أن خطة الإدارة الانتقالية للاستيلاء على السويداء وقبلها في الساحل السوري هي نفس الخطة المرسومة للهجوم على الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا وكافة المناطق الأخرى، وبالطبع يجري كل ذلك في وقت لم تكلف فيه هذه الإدارة المؤقتة خاطرها بمطالبة تركيا بالخروج من الأراضي السورية التي تحتلها في سريكانيه وكري سبي وعفرين وكامل منطقة الشهباء لأن تركيا هي راعية هذه الإدارة المؤقتة.
إن ما جرى في السويداء هي كارثة إنسانية ووطنية لن تساهم مطلقاً في وحدة سوريا وبنائها من جديد، ستبقى هذه الكارثة البشعة في ذاكرة الدروز وكافة المكونات السورية الأخرى لمئات السنين، ثن أن نظام (الفزعات) الفزعات العشائرية الذي ابتدعته الإدارة المؤقتة قد كرس نظاماً رجعياً تجاوزته البشرية، ولن تؤدي إلى إعادة الثقة بين أبناء الوطن الواحد، نعم لقد أعادت الفزعات أنظمة المرتزقة المأجورة، المرتزقة التي ليس لها أي انتماء للوطن وللشعب وللإنسانية.
-5-
الإدارة المؤقتة في دمشق ومن ورائها دولة الاحتلال التركي تلعبان بوضوح، إنهما تعلمان بأن قسد هي العقبة الرئيسية أمام تحقيق أهدافهما العلنية والمخفية بالسيطرة على سوريا وإقامة نظامهما القروسطي فيها، ارتكبت المجازر ضد العلويين والدروز والمسيحيين غير أنهما لا يستطيعان تجاوز دور قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية ولذلك فإنهما تحاولان تحقيق ذلك تحت شعارات وطنية وتهديدات خارجية تركية، شعارات وطنية من قبيل (شعب واحد، جيش واحد، علم واحد)، وإذا لم تقبل قوات سوريا الديمقراطية بذلك فإن تركيا ستستخدم القوة.
في مثل هذه الظروف الحالية غير الطبيعية في سوريا فإن الطلب من قسد حل نفسها في وزارة الدفاع والتخلي عن سلاحها يعني أن هذا السلاح سيوجه إلى صدور قسد وإلى صدور أبناء إقليم شمال وشرق سوريا وإلى صدور عموم الكرد وكافة المكونات السورية، وهو أمر لا يمكن القبول به مطلقاً لأن سلاح قسد هو سلاح وطني سوري ولجميع السوريين، ولأن قسد تتشكل من كافة المكونات السورية، وأن قوات سوريا الديمقراطية هي اليوم أمل كافة المكونات السورية من أجل إقامة نظام وطني ديمقراطي، وهي وحدها القادرة على إيقاف الإرهاب، بينما جيش الإدارة المؤقتة هو جيش قاعدته الإرهابيون من جميع أنحاء العالم، وجيش غير وطني وفصائل تلطخت أيديها بالدم السوري، وعلى هذا فإن سلاح قسد المستقل يشكل الضمانة الحقيقية لحل الأزمة في سوريا واستقرار البلاد، /وقسد تمثلنا/.
طريق الشعب
الحزب اليساري الكردي في سوريا
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=72849