1. مقدمة:
مع انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، وصعود الحكومة الانتقالية الجديدة، تعهّدت الأخيرة بإلغاء الممارسات الأمنية القمعية التي وُصمت بها المرحلة السابقة، ومن ضمنها سياسة تقييد حرية التنقل. وفي هذا السياق، أصدر وزير الداخلية في آذار/مارس 2025 القرار رقم 20 القاضي بإلغاء أكثر من خمسة ملايين بلاغ منع سفر، معظمها صادر عن الأجهزة الأمنية والجهات المرتبطة بحزب البعث.
رغم أهمية هذا القرار من حيث الشكل، إلا أن تنفيذه العملي ظلّ محدوداً، لا سيما فيما يخص الفئات المستهدفة سياسياً، مثل النشطاء والمعارضين/ات الذين فُرضت بحقهم هذه البلاغات لأسباب لا تستند إلى أساس قانوني أو قضائي. فحتى بعد مرور أشهر على صدور القرار، ما يزال عدد من هؤلاء الأفراد يواجهون صعوبات في السفر أو الحصول على جوازات سفر، نتيجة بقاء أسمائهم مدرجة ضمن ما يعرف بقوائم منع السفر.
تشير الشهادات والمصادر التي استند إليها هذا التقرير إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في بطء التنفيذ، بل في غياب أي آلية مؤسسية واضحة تضمن شمول القرار لجميع المعنيين/ات وتوفر سبل مراجعة أو تظلّم. كما أن استمرار اللجوء إلى حلول مؤقتة، كمنح إذن سفر لمرة واحدة مثلاً، يعكس كيف أن التعامل مع الملف لا يزال محكوماً بذهنية استنسابية، تتنافى مع الالتزامات المعلنة ببناء دولة قانون ومؤسسات.
2. بلاغات منع السفر كأداة للعقاب السياسي في نظام الأسدَين:
على مدى عقود، استخدم النظام السوري بلاغات منع السفر كوسيلة مباشرة لمعاقبة المعارضين/ات السياسيين/ات والنشطاء، في غياب أي مسوّغ قانوني أو سند قضائي.[1] كانت هذه البلاغات تصدر عن الأجهزة الأمنية أو تُمرر عبر جهات إدارية كإجراء إداري بحت، دون أن يُبلّغ الشخص المعني بها رسمياً أو يُمنح فرصة الاعتراض عليها. وقد تراوحت أسباب إصدار هذه البلاغات بين النشاط السياسي أو الحقوقي، أو حتى مجرد الاشتباه أو الصلة العائلية بشخص معارض، لتصبح حرية التنقل في البلاد مشروطة بالولاء للنظام لا بحكم القانون.[2]
ساهم استغلال السلطات لقانون الطوارئ في ترسيخ هذه الممارسة كسياسة ممنهجة تعززت مع مطلع الألفية الجديدة. فبعد الإفراج عن المعتقلين، أو حتى لمجرد المشاركة في نشاط مدني سلمي، كان العديد من السوريين والسوريات يُفاجؤون بمنعهم من مغادرة البلاد دون أن تُوجَّه إليهم أي تهمة جنائية. وقد شمل هذا المنع أيضاً حرمانهم من تجديد جوازات السفر أو الحصول على وثائق رسمية، وفي بعض الحالات أُرفق بحجز احتياطي على الأموال أو بفصل تعسفي من الوظيفة العامة، ما جعله جزءاً من منظومة أوسع للعقاب السياسي والإقصاء الإداري.[3]
ورغم تعاطي النظام مع هذه الممارسة كإجراء أمني داخلي، فإنها تمثّل في جوهرها انتهاكاً صارخاً لأحد الحقوق المدنية الأساسية، وهو حق حرية التنقل، وتتناقض مع التزامات سوريا الدولية، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينصّ على أن لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده (المادة 12).
3. استمرار تقييد الحق في التنقل رغم قرار إلغاء بلاغات منع السفر:
رغم القرار الصادر عن الحكومة الانتقالية بإلغاء بلاغات منع السفر، تكشف الشهادات التي وثقتها “سوريون” وتلك التي اطلعت عليها في المصادر المفتوحة، استمرار هذه القيود، خصوصاً بحق المعارضين/ات السياسيين/ات الذين لم تُزل أسماؤهم من القوائم الأمنية.
قال الضابط المنشق (س.ش.)،[4] الذي دخل سوريا في آذار/مارس 2025 معتقداً أن جميع الإجراءات السابقة أُلغيت تلقائياً، في شهادته لـ”سوريون”:
“عندما كنت عالقاً في سوريا، لم ينفعني القرار بشيء… منع السفر ما زال قائماً عليّ وعلى كثير من الناس مثلي.”
من جهته، أوضح الإعلامي جمال الشوفي، في منشور على صفحته في فيسبوك، أن ملفات المنع لا تزال قائمة بحق المعارضين/ات والثوار، قائلاً:
“صحيح أن ملفات الملاحقات الأمنية العادية تمت إزالتها عموماً، لكن بمتابعات فردية…. لم تزل هذه الملفات موجودة بالفيش الأمني… لم تزل هناك خمس مذكرات منع سفر ومراجعة موجودة بملفي الشخصي بين عامي 2012 و 2020”
وطالب الشوفي بإصدار قرار إداري جديد يَشمل بإلغائه جميع الملفات الأمنية التي أصدرها النظام السابق قبل تاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
كذلك نشر الحقوقي أنور مجني على صفحته في فيسبوك تجربة مماثلة عند محاولته مغادرة سوريا مؤخراً، حيث تبين أنه ممنوع من السفر بموجب كتاب صادر عن وزارة العدل، وكتب:
“لا يمكن إشغال الناس بإجراءات رفع منع السفر، وتحويل الزيارة لسوريا إلى دوامة من المراجعات الادارية والقضائية، ونتمنى على السلطة التعميم على المنافذ الحدودية بعدم إعاقة المغادرين للبلاد بسبب وجود طلب منع سفر على الموظفين من قبل وزاراتهم لعدم قانونية وعدم دستورية هذا الإجراء.”
أما الكاتبة والمعارضة السياسية سميرة المسالمة، فاكتشفت وجود اسمها على قوائم منع السفر لدى محاولتها مغادرة البلاد بعد عودتها في نيسان/أبريل، وعلقت في منشور لها على فيسبوك:
“إرهابية بنظر النظام، وإرهابية بنظر السلطة الجديدة. ما في فرق… بقيت ممنوعة من السفر ومن الحصول على جواز سفر بصفتي معارضة.”
4. ثغرات القرار والتفسيرات الموسّعة للاستثناءات:
تُظهر الشهادات التي وثقتها “سوريون” أن القرار الوزاري رقم 20 لعام 2025 القاضي بإلغاء بلاغات منع السفر لم يُنفّذ بصورة شاملة، بل طُبّق بطريقة انتقائية أُرفقت بتفسيرات فضفاضة قلّصت من أثره العملي. فقد صرح مدير إدارة الهجرة والجوازات، وليد عرابي، في آذار/مارس 2025، بأن الإلغاء “الملفات القضائية أو الأمنية أو المالية التي ما تزال قيد الدراسة”، دون تحديد ماهية هذه الملفات أو الجهات المخولة بالبت فيها.
كذلك، أشار المحامي عادل خليان في تصريح إعلامي إلى أن القرار لا يطال من صدرت بحقهم مذكرات توقيف قضائية أو من يواجهون دعاوى جنائية، مؤكداً أنهم “يحتاجون إلى موافقة أمنية خاصة لاستخراج جواز سفر”، باعتبار أنهم “غالباً متورطون بجرائم مثل المخدرات أو الاحتيال أو التزوير”، على حد تعبيره.
نتيجة هذا التوسّع غير المنضبط في تفسير الاستثناءات الواردة ضمن القرار الوزاري، استمرت فعلياً قرارات منع السفر بحق عدد كبير من المعارضين/ات، رغم عدم وجود تهم جنائية مثبتة أو ملفات قضائية منظورة بحقهم. ما يشكّل خرقاً واضحاً لمبدأ التقييد المشروع، الذي يوجب أن يكون أي قيد على الحقوق والحريات مستنداً إلى أساس قانوني واضح ومحدد، وأن يُفرض من قبل جهة مختصة بموجب إجراءات معلنة.[5]
وفي هذا الإطار، وجّه عدد من النشطاء والمعارضين في محافظة درعا نداءً علنياً نُشر في منتصف أيار/مايو 2025 على صفحة “شبكة أخبار درعا”، طالبوا فيه وزير الداخلية بإصدار عفو عام يشمل جميع الأحكام الصادرة عن محكمة الإرهاب والقضاء العسكري خلال فترة حكم النظام السابق. وأكد البيان أن استثناء هذه الفئة من قرار رفع بلاغات منع السفر، حال دون حصولهم على جوازات سفر أو مغادرة البلاد، ما يشكل إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون ويكرس التمييز بالتطبيق.
5. غياب الحق في الإخطار: ثغرة مركزية في تنفيذ قرار رفع بلاغات منع السفر:
من أبرز مظاهر الإرباك التي رافقت تنفيذ القرار الوزاري برفع بلاغات منع السفر، استمرار غياب أي آلية رسمية لإعلام الأفراد المعنيين بوضعهم القانوني. ففي ظل غياب قوائم معلنة أو إجراءات إدارية واضحة تمكّن المواطنين من التحقق من وجود بلاغات سارية بحقهم، بقي كثيرون في حالة من الضبابية القانونية، وافترض بعضهم أن سقوط النظام السابق يعني تلقائياً زوال جميع التدابير التقييدية الصادرة عنه.
وتُظهر الشهادات التي وثقتها “سوريون” أن عدداً من العائدين إلى سوريا لم يكونوا على علم مسبق بوجود بلاغات منع سفر بحقهم، واكتشفوا الأمر فقط عند محاولتهم مغادرة البلاد، لا عند دخولها. قال الصحفي المعارض (م.ن.)، الذي عاد إلى سوريا بعد سقوط النظام في عام 2025:
“نزلت إلى سوريا بعد سقوط النظام بأسابيع. لم يكن لدي علم بأي منع سفر، ولم يُبلغني أحد عند الدخول. لكن عند المغادرة، وبعد فحص السجل الأمني، قيل لي إن هناك ستة طلبات ملاحقة بحقي، من بينها تهمة التسرب الوظيفي، وقد ترتب عليها إجراءات مالية. قالوا لي: لا يمكنك المغادرة.”
وفي حالة مماثلة، أفادت المعارضة السياسية المعروفة أليس مفرج أن موظفي المعبر أبلغوها عند دخولها بوجود طلبات إحضار صادرة عن جهات أمنية متعددة، دون أي إشارة إلى وجود بلاغات منع سفر أو ضرورة اتخاذ إجراءات لرفعها. علمت بوجود تلك البلاغات لاحقاً فقط، عبر معارف واجهوا ظروفاً مشابهة.
في المقابل، كان بعض العائدين على دراية سابقة بوجود المنع، لكنهم افترضوا زواله بحكم تغيّر السلطة. يقول الضابط المنشق (س.ش.)، الذي دخل سوريا في آذار/مارس 2025:
“كنت أعلم بوجود منع سفر سابق، واستفسرت عنه قبل العودة. لكنني اعتقدت أن سقوط النظام يعني إسقاط كل الإجراءات المرتبطة به.”
ويتابع:
“لم يُطلب مني شيء عند الدخول، لكن عند محاولة تجديد جواز السفر، تبين وجود البلاغ. قيل لي إن الموضوع يتطلب معاملة طويلة قبل أن أتمكن من المغادرة.”
تعكس هذه الحالات غياب الحد الأدنى من الشفافية المؤسسية في تنفيذ القرار، لا سيما في ما يتعلق بإعلام الأفراد المتأثرين بحقوقهم القانونية، وتوفير آليات فعالة للمراجعة أو التظلم. فلا تزال البلاد تفتقر إلى قاعدة بيانات إلكترونية عامة، أو نظام رقابي يسمح للمواطنين بالاطلاع على أوضاعهم القانونية أو الطعن في قرارات المنع. وفي سياق انتقالي لم تكتمل بنيته المؤسسية بعد، يؤدي غياب مثل هذه الآليات إلى تعميق الشعور بانعدام اليقين القانوني، ويكرّس اللجوء إلى الوساطات الفردية بدلاً من تكريس سيادة القانون كمصدر وحيد لتنظيم الحقوق والواجبات.
6. أذونات السفر المؤقتة: تسوية فردية لانتهاك مستمر:
تُظهر الشهادات التي وثقها هذا التقرير لجوء السلطات، في عدد من الحالات، إلى ما يُعرف بـ”إذن السفر لمرة واحدة” كبديل مؤقت عن رفع بلاغات منع السفر. وتُمنح هذه الأذونات –التي تصدر أحياناً بخط اليد– من قبل جهات غير محددة قانوناً، تشمل النائب العام، أو مسؤولين في المعابر الحدودية، أو حتى أفراد غير معرّفين رسمياً، ما يجعلها تدبيراً استثنائياً خارج عن الإطار القانوني الناظم. ويتم استخدامها في الغالب بعد تعثر الإجراءات الإدارية الرسمية أو في ظل غياب جهة مختصة واضحة تتولى البت بطلبات رفع المنع.
ففي 23 نيسان/أبريل 2025، أفادت الكاتبة المعارضة سميرة المسالمة أنها لم تتمكن، رغم محاولاتها، سوى من الحصول على جواز سفر مرفق بإذن سفر لمرة واحدة. وقالت:
“الاضبارة الخاصة بالتهم لا تحتوي على أي جرم غير الانضمام للثورة ومعارضة نظام الأسد… وبالتالي [من الواجب] إسقاط كل ما يحول دون حرية السفر لمرة أو لعشرات المرات، ليس فقط عني، بل عن كل الحالات الشبيهة.”
أما أليس مفرج، فبيّنت أنها غادرت البلاد بعد حصولها على إذن استثنائي من أحد مسؤولي المعبر الحدودي في المصنع، دون استكمال الإجراءات النظامية:
“استقبلني رجل ملتحي من الإدارة الجديدة للمعبر، وبعد اطلاعه على ملفي قال لي: أنتِ ممنوعة من المغادرة… وبعد أن اطلع على المعاملات التي بدأت بها لرفع السفر فال: توكلي على الله، وسمح لي بالخروج.”
وفي شهادة مشابهة، قال الصحفي (م.ن.) إنه انتظر ساعات على المعبر محاولاً المغادرة دون جدوى، حتى تمت الإشارة إليه بالتواصل مع شخص يُدعى “الحجي أبو عناد”:
“لم أفهم من هو أو ما منصبه… وبعد التواصل معه، وبتوجيه منه، حصلت على إذن سفر لمرة واحدة وغادرت.”
كذلك، أفاد الضابط المنشق (س.ش.) أنه حصل على إذن مماثل من المدعي العام بعد مراجعات متكررة:
“بعد إلحاح، قيل لي إن الشيخ –أي المدعي العام– يمكنه المساعدة. عرضت عليه وضعي، فكتب ورقة بخط اليد ووقعها وختمها، تُجيز لي السفر لمرة واحدة.”
وأكد أنه استخدم هذه الورقة، الصادرة عن “شخص غير مخول بإصدار مثل هذا الإذن” بحسب وصفه، لعبور الحدود البرية نحو لبنان، دون أن يُرفع اسمه من قوائم المنع حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
تدل هذه الحالات على هشاشة البنية القانونية والإجرائية الناظمة لحرية التنقل، إذ يجري الالتفاف على المنع لا من خلال مسارات قانونية واضحة، بل عبر ترتيبات فردية واتصالات غير رسمية. ويعكس اعتماد النظام القائم على هذه الأذونات المؤقتة، الصادرة عن جهات غير مفوضة قانوناً، غياب منظومة مؤسسية فاعلة للطعن والتظلم، واستمرار نهج الإدارة غير المنضبطة بدلاً من تكريس مبدأ سيادة القانون.
7. رأي قانوني وتوصيات:
إن استمرار الحكومة الانتقالية في تقييد حرية التنقل عبر الإبقاء على بلاغات منع السفر الصادرة عن النظام السابق –لا سيما تلك التي صدرت لغايات سياسية ودون سند قضائي– يشكّل انتهاكاً صريحاً لعدد من المرجعيات القانونية الملزمة، وعلى رأسها: المادة 13 من الإعلان الدستوري الصادر في آذار/مارس 2025، والتي تنص على حق المواطن في التنقل بحرية؛ والمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والتي تقر بأن “لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده”. ولأن سوريا دولة طرف في هذه الاتفاقية، فإن عدم الالتزام بالعهد الدولي يخالف المادة 12 من الإعلان الدستوري، التي تؤكد أن الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل سوريا تُعد جزءاً لا يتجزأ من هذا الإعلان.
ويُعد استمرار العمل بالإجراءات الأمنية الاستثنائية –بما فيها بلاغات منع السفر التي استُخدمت سابقاً كأداة قمع سياسي– بمثابة امتدادٍ مباشرٍ لنهج النظام السابق، وخرقاً لنص الفقرة 3 من المادة 48 من الإعلان الدستوري، التي توجب إلغاء تلك الإجراءات، لا سيما تلك المرتبطة بالوثائق المدنية.
كما يشكّل هذا الوضع عقبة فعلية أمام عودة اللاجئين، ولا سيما العائدين لتسوية أوضاعهم أو الذين يضطرون لاحقاً إلى المغادرة مجدداً لتنفيذ التزامات مهنية أو عائلية. وبذلك، تتقوض الالتزامات المنصوص عليها في المادة 8 من الإعلان الدستوري، التي تُلزم الدولة بتذليل العقبات التي تعيق العودة الطوعية بالتعاون مع الجهات الدولية المعنية.
أخيراً، فإن نص القرار الوزاري رقم 20 لعام 2025 لا يشمل كل حالات منع السفر، حيث اقتصر على إلغاء بلاغات منع السفر الصادرة عن قيادة الجيش والقوات المسلحة، وشُعب وفروع الأجهزة الأمنية، ومكتب الأمن القومي والقيادة القطرية لحزب البعث، بينما تجاهل بلاغات منع السفر الصادرة عن الجهات الأخرى.
بناءً على ما سبق، توصي هذه الورقة الحكومة الانتقالية باتخاذ التدابير العاجلة التالية لضمان احترام الحق في حرية التنقل ووقف الاستخدام التعسفي لبلاغات منع السفر:
- إصدار قرار تنفيذي جديد يؤكد مضمون القرار رقم 20 لعام 2025، ويوسّع نطاق تطبيقه ليشمل جميع بلاغات منع السفر الصادرة لدوافع سياسية، بصرف النظر عن الجهة التي أصدرتها، مع إنشاء لجنة مستقلة مختصة بمتابعة التنفيذ وتلقي الشكاوى من المتضررين/ات.
- وقف إصدار بلاغات منع السفر من قبل الجهات الإدارية أو الأمنية، وحصر هذا الاختصاص بالسلطة القضائية حصراً، مع اشتراط أن تصدر أوامر المنع وفق معايير واضحة تكفل احترام الضمانات الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة.[6]
- إصدار تعميمات ملزمة لجميع المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية، تقضي بعدم عرقلة حرية تنقل الأفراد بناءً على بلاغات سابقة، ما لم يكن هناك حكم قضائي قطعي ونافذ، مع استبعاد القرارات الصادرة عن هيئات لا تتمتع بالاستقلال القضائي، مثل محكمة مكافحة الإرهاب والمحاكم الميدانية.
- تبسيط وتوحيد الإجراءات الإدارية لرفع القيود المرتبطة بمنع السفر، وإنشاء منصة إلكترونية مركزية وشفافة تمكّن المواطنين/ات من التحقق من أوضاعهم القانونية، وتقديم طلبات رفع البلاغات أو الطعن فيها بشكل سهل ومتاح للجميع.
- ضمان التنفيذ الفعلي لالتزامات سوريا الدولية، لاسيما تلك الناشئة عن مصادقتها على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، عبر تفعيل آليات المراقبة والمساءلة، وعدم الاكتفاء بإيراد هذه الحقوق في النصوص الدستورية دون ترجمتها إلى سياسات وتشريعات نافذة.
[1] هيومان رايتس وتش. العقد الضائع: حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد. 16 تموز/يوليو 2010.
[2] وزارة الخارجية الأمريكية. سوريا: تقرير حقوق الإنسان لعام 2010. 3 ايار/مايو 2021.
[3] المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. إشكالية المنع من السفر في سورية. شباط/فبراير 2009
[4] تتحفظ “سوريون” عن نشر أسماء الشهود في هذا التقرير حفاظاً على سلامتهم.
[5] التعليق العام رقم 27، المادة 12 (حرية التنقل)، اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية.
[6] تُعدّ “الإجراءات القانونية الواجبة” (Due Process) من المبادئ الأساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشمل مجموعة من الضمانات التي يجب أن تحيط بأي إجراء تمس به الدولة حقوق الأفراد، ومنها: صدور الإجراء بموجب قانون معلن، وإبلاغ الشخص المعني، وتمكينه من الدفاع عن نفسه، والطعن فيه أمام جهة مستقلة ومحايدة. يُستمد هذا المبدأ من عدة مواد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما المادة 14 (الحق في المحاكمة العادلة) والمادة 12 (حرية التنقل)، كما فُصّل في التعليق العام رقم 27 الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عام 1999 بشأن المادة 12.
المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=71136