لزكين إبراهيم – باحث في مركز الفرات للدراسات
حين يقف بلد ما على مفترق طرق، فإنّ الأسئلة تكون أثقل من الإجابات، والمصير أكثر غموضًا من أي تصور. هكذا تبدو سوريا اليوم وهي تدخل مرحلة حرجة تُخفي في طياتها ملامح إعادة تشكل للدولة، لكن ليس وفق مشروع وطني جامع، بل عبر صراع مشاريع متعارضة تتنازع الجغرافيا والهوية والسلطة. فهل نحن أمام هندسة جديدة تكرّس سلطات شديدة المركزية، أم أمام ولادة نظام فيدرالي مقنّع بأقنعة اللامركزية؟ وكيف يمكن قراءة مسار أحمد الشرع، الذي يسعى لتكريس “إمارة سنية” تحت حكمه المطلق، في مقابل بروز قوى كردية ودرزية وعلوية وإسلامية منافسة ترفض الإقصاء وتطرح بدائل مغايرة؟
للإجابة على هذه التساؤلات سنعمل على تفكيك المشهد السوري الراهن، وقراءة ما إذا كانت التحولات الداخلية والإقليمية والدولية تدفع البلاد نحو “فيدرالية مقنّعة” تفرضها الوقائع أكثر مما تتيحها التوافقات، وما إذا كان هذا الخيار سيبقى مجرد تسوية اضطرارية أم سيتحول إلى الإطار الدائم لمستقبل سوريا.
الشرع بين الفيدرالية المقنعة والإمارة السنية
في محاولة لفرض نفسه حاكماً مطلقاً على سوريا، وإزاء الرفض من قبل المكونات السورية، لجأ الشرع إلى اتباع عدة أساليب؛ فقد اتبع سياسة المجازر والانتهاكات بحق العلويين لإضعافهم وإجبارهم على الصمت، بينما حاول تكرار النهج ذاته مع الدروز، لكنه اصطدم بالتدخل الإسرائيلي المباشر لصالح حماية السويداء. وهنا برز مسار موازٍ تمثل في تفاهم غير معلن، يُرجّح أنه تبلور خلال لقاء وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في باريس بحضور المبعوث الأميركي توم باراك. ويُعتقد أن الاتفاق تضمّن قبول حكومة الشرع بوضع جنوب سوريا، وعلى رأسه السويداء، تحت وصاية إسرائيلية وجعله منطقة منزوعة السلاح.
والمؤشرات الميدانية التي أعقبت ذلك تعزز هذا الطرح: فاستمرار التوغلات الإسرائيلية في محافظات الجنوب، وعمليات الإنزال الجوي، واستهداف مواقع عسكرية مرتبطة بقوى حليفة للشرع في دمشق، كلها تشير إلى أن الجنوب السوري، وفي القلب منه السويداء، يتجه نحو صيغة حكم ذاتي واسع الصلاحيات، على نمط نظام فيدرالي واقعي قد تقتصر صلته بدمشق على الشكل الرمزي. وفي المقابل، ستكون تل أبيب بحكم الأمر الواقع، الراعي الإقليمي لهذا الكيان الفيدرالي، ما يعكس تحوّلاً استراتيجياً عميقاً في خريطة النفوذ والسيطرة جنوب سوريا.
كما أنّ سياسة التهجير القسري التي باتت تتبعها حكومة الشرع تعكس أيضًا ملامح مشروعه في إعادة هندسة ديمغرافية البلاد. فالموافقة السابقة على تهجير البدو السّنّة من السويداء إلى الداخل السوري، والهجمات التي طالت جرمانا وصحنايا ذات الغالبية الدرزية وتهجير الكثير منهم، إضافة إلى التهجير القسري الأخير لعائلات علوية من حي السومرية بريف دمشق وقرى في حماة تحت غطاء “الاستثمار الزراعي”، كلها مؤشرات على سعي منهجي لإعادة رسم الخريطة السكانية بما يجعل الوسط السوري منطقة سنية خالصة، تكون قاعدة الإمارة الإسلامية الموعودة. هذه الإجراءات ليست مجرد ردود فعل أمنية، بل تحمل بصمات مشروع طويل الأمد لإلغاء التنوع السوري وتحويله إلى سلطة مركزية أحادية لا تحتمل الشركاء.
وما يرجّح هذا التوجه أيضاً هو الكيفية التي يتعامل بها الشرع مع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية. فعلى الرغم من توقيعه اتفاقية 10/ مارس، التي اعتُبرت في حينها إطاراً للتفاهم مع الإدارة الذاتية وقسد، إلا أنّه أعاد تفسيرها لاحقاً على نحو يجعلها أقرب إلى تفويض بحلّ “قسد” وذوبانها في هيكلية الحكومة الجديدة، وهو ما يعكس بوضوح نيّته بتفريغ الاتفاق من مضمونه الحقيقي وتحويله إلى أداة لإقصاء هذه القوى بدلاً من إدماجها. بهذا المعنى، يتضح أنّ الشرع يتعمد تعقيد الملف كي يتفادى أي التزام فعلي بإشراك “قسد” والإدارة الذاتية في ترتيبات السلطة المقبلة التي يخطط للانفراد عليها.
ويُضاف إلى ذلك رفضه مرتين متتاليتين حضور اجتماعات باريس المخصصة للحوار مع الإدارة الذاتية، متذرعاً بانعقاد مؤتمر “وحدة المكونات” في الحسكة. غير أنّ هذه الذريعة لم تكن سوى واجهة تخفي إرادته المبطّنة في إقصاء هذه الأطراف، فضلاً عن خضوعه لضغوط تركية واضحة لإفشال مسار باريس. والمفارقة أنّ الحكومة المؤقتة برئاسة الشرع، في الوقت الذي رفضت فيه الانخراط في تفاهم داخلي عبر باريس مع قسد، لم تتردد في المشاركة في لقاء غير معلن في باريس مع الإسرائيليين، على الرغم من المعارضة التركية لذلك أيضاً. هذه الازدواجية تفضح حقيقة مقاربة الشرع، إذ لا يُنظر إلى الإدارية الذاتية كطرف أصيل في أي معادلة سياسية مستقبلية، بل يعمل على تأجيل التفاهم معهم حتى يتمكّن من ترسيخ سلطته في المناطق الخاضعة له، ثم المضي في تشكيل برلمان موالٍ يُكرّس مشروع “الإمارة السنية” التي يعمل على بنائها.
مؤشرٌ آخر على الطابع الإقصائي الممنهج لمشروع الشرع السياسي، هو الشروط التي أعلنها أحمد الشرع للترشح لانتخابات مجلس الشعب السوري؛ فاشتراط “ألا يكون المرشح من داعمي النظام السابق” لا يمكن فهمه إلا كآلية لعزل العلويين بما يحول دون أي مشاركة فعلية لهم في العملية السياسية الجديدة، والشرط المتعلق برفض “الانفصال والاستقواء بالخارج” جاء موجهاً بوضوح ضد الكرد والدروز، بما يضعهم خارج المعادلة الدستورية منذ اللحظة الأولى.
أما شرط “عدم الارتباط بالتنظيمات الإرهابية”، فيبدو أنه صُمّم ليكون أداة سياسية تُستخدم بمرونة لإقصاء التيارات الإسلامية المنافسة للشرع. فالمقصود به ليس فقط الجماعات المصنفة دولياً على أنها إرهابية، بل أيضاً قوى مثل جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم “حراس الدين”، وحزب التحرير، أي كل التيارات التي يمكن أن تشكل قاعدة اجتماعية أو سياسية بديلة داخل الطيف السّني نفسه. وبهذا، يصبح الشرع في موقع يمكّنه من احتكار التمثيل السياسي والديني معاً، عبر إقصاء غير السنّة من جهة، وتصفية منافسيه من داخل البيت السني من جهة أخرى.
ويبدو أنّ هذه السياسة بدأت تأخذ طابعاً عملياً، تجلّى في 22 أغسطس 2025، حين نشر أحمد موفق زيدان -بعد تعيينه مستشاراً للشرع- مقالاً في موقع الجزيرة دعا فيه صراحة إلى حلّ جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، واصفاً إياها بـ”الفاشلة” و”العاجزة عن مواكبة التحولات”. هذه الخطوة لا يمكن قراءتها كاجتهاد فردي، بل تعكس توجهاً سياسياً لإضعاف وتفكيك أي تنظيم إسلامي يمتلك قاعدة جماهيرية قادرة على منافسة مشروع الشرع. وهكذا يظهر أن هندسة الشرع للمشهد السوري لا تستهدف فقط تهميش المكونات القومية والطائفية الأخرى، بل تسعى أيضاً إلى إعادة صياغة الحقل السني ذاته بحيث يُختزل في سلطة مركزية مطلقة تدور في فلكه.
وعبر الشروط السابقة مجتمعة، يضمن الشرع أنّ البرلمان المقبل سيكون أقرب إلى مجلس شكلي يقتصر على الموالين له. هذا التوجه تعززه تصريحات لجنة الانتخابات السورية لقناة “الحدث”، حين أكّدت أنّ الدستور يمنح الرئيس الحق في تعيين ممثلين عن محافظات مثل الحسكة والرقة والسويداء “إلى حين توافر الظروف الملائمة”. وبمعنى آخر، فإن هذه المحافظات يتم استبعادها فعلياً من العملية الانتخابية، مع استبدال تمثيلها النيابي بشخصيات موالية له، ما يعكس بوضوح الرغبة في إفراغ المؤسسات الدستورية من مضمونها وتحويلها إلى أدوات لشرعنة مشروع الإمارة السنية على حساب أي تمثيل وطني جامع.
تكشف السياسات التي ينتهجها أحمد الشرع إزاء المكونات والجماعات المعارضة لمشروعه عن توجه متصاعد نحو إعادة إنتاج نموذج حكم شبيه بما كان في إدلب، حيث مارس دور الحاكم المطلق دون شراكة أو رقابة. فبعد تعثره في إخضاع السويداء والجنوب السوري بفعل التوازنات الداخلية والدعم الخارجي لهذه المناطق، ومع إدراكه لكلفة الدخول في مواجهة عسكرية مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تمتلك تفوقاً عدديّاً وتنظيمياً مع الدعم والوجود الأمريكي المستمر شرق الفرات، بات الشرع أكثر ميلاً لتكتيك مختلف يقوم على تهميش هذه المناطق وتركها تتطور في اتجاه نظام لامركزي واسع الصلاحيات، لكنه يُقدَّم بخطاب سياسي مغاير تحت عناوين مثل “الإدارات المحلية” أو “اللامركزية”، تجنباً لإثارة حساسية الشرائح السورية الموالية للشرع والمناهض للفيدرالية.
هذا التوجه لا يعني قبول الشرع طوعاً بتقاسم السلطة على شكل فيدراليات، بل يعكس رغبته في التخلص من عبء إشراك الأطراف الأخرى في منظومة الحكم، وصناعة القرار في إمارته السنية. في هذا السياق، اكتسب تصريح للشرع نشرته صحيفة النهار الكويتية بتاريخ 19 أغسطس 2025 دلالة خاصة حين قال: “كلّ الحلول مع الكرد وأبناء السويداء يمكن مناقشتها عدا الانفصال”. فالتصريح يفتح الباب نظرياً أمام مناقشة كل أشكال الحكم اللامركزي، ويزيل أي اعتراض مبدئي على الفيدرالية، ما دامت لا تُعرّف باعتبارها تقسيماً للدولة.
هذه الصيغة تبدو منسجمة مع مطالب الأطراف المحلية: فالكرد والإدارة الذاتية يكررون رفضهم للتقسيم، وتشديدهم على وحدة سوريا، مع إصرارهم في الوقت نفسه على نظام لامركزي واسع الصلاحيات يضمن لهم الحكم الذاتي الفعلي. أما الدروز، الذين رفعوا سقف مطالبهم مؤخراً ليصل إلى المطالبة بالاستقلال وحق تقرير المصير، فيبدو أنّ أي نموذج فيدرالي أو لامركزي قد يكون مخرجاً عملياً لاحتواء التوتر وتجنب الانزلاق إلى سيناريو الانفصال الكامل.
تطورات داخلية تعزز مسار الفيدرالية
يبدو أن الخناق يضيق على الحكومة المؤقتة، بفعل سلسلة من التطورات الداخلية والخارجية التي لم تكتفِ بإضعاف شرعيتها، بل كشفت أيضاً هشاشة ادعائها بأنها الممثل الأوحد للسوريين. فالمشهد السوري يشهد اليوم تحولات بنيوية لافتة، مع اتجاه قوى ومكونات رئيسية إلى توحيد صفوفها وتعزيز حضورها السياسي والعسكري، ومن أبرز سلسلة التحولات السياسية والعسكرية والمجتمعية الكبيرة التي شهدتها سوريا مؤخراً:
- انعقاد مؤتمر “وحدة الموقف الكردي” في قامشلو برعاية إقليمية ودولية، موحّداً بذلك الأحزاب والقوى الكردية في كتلة سياسية ومجتمعية قوية، ما عزز موقف الكرد كقوة لا يمكن تجاوزها في أيّة تسوية مستقبلية، وأرسل رسالة واضحة لدمشق حول رفض الادعاء بتمثيل “كل السوريين”.
- مؤتمر “وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا” في الحسكة (8 أغسطس 2025) جمع العرب والكرد والمسيحيين والإيزيديين والشركس، وخرج بمطلب دستور لامركزي يحمي التعدد القومي والديني. هذا ما اعتبره الشرع تحدياً مباشراً، وأدى إلى انسحابه من محادثات باريس، ما قلّص مركزية حكومته دبلوماسياً.
- توحّد الفصائل الدرزية المحلية ضمن “الحرس الوطني” بدعم من المرجعيات الروحية والاجتماعية ردًا على انتهاكات الحكومة. وقد أشارت مواقف مشايخ العقل، مثل حمود الحناوي ويوسف جربوع وحكمت الهجري، إلى عمق الشرخ بين الحكومة وأهالي السويداء، مع دعوات للحماية الدولية وفتح تحقيق وطرح فكرة إقليم مستقل للدروز.
- إعلان العلويين عن “المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا” مطالباً بحكم علماني فيدرالي، وعدالة انتقالية، وإحالة الجرائم للهيئات الدولية. كذلك رفض “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى” انتخابات مجلس الشعب، مما يشير إلى ظهور مرجعية سياسية ودينية بديلة تمثل العلويين دوليًا وتشكّل تحدياً آخر لشرعية الشرع.
- رفض الإخوان المسلمين حلّ أنفسهم، فرداً على دعوة مستشار الشرع إلى حل الجماعة، أعاد الإخوان المراقب العام الأسبق علي صدر الدين البيانوني إلى حلب، مؤكّدين بهذه الخطوة تمسكهم بوجودهم التاريخي ورفض الانصهار في مشروع الشرع. تصريحات المراقب العام الحالي عامر البو سلامة التي ربطت بين تاريخ البيانوني ومشروع “بناء سوريا المستقبل”، عززت هذه الرسالة، مؤكدة عودة الإخوان إلى واجهة الصراع السياسي، خاصة في مناطق الشمال السوري ذات القاعدة الجماهيرية الكبيرة مثل حلب وحماة.
كل هذه التحولات توحي بأن بديلاً سياسياً موازياً قد يكون في طور التشكل، فهذه الكتل، رغم تبايناتها الأيديولوجية، تبدو متفقة على رفض سلطة الشرع المطلقة، مثل هذا المسار، إذا ما تعزز بدعم إقليمي أو دولي، قد يقلب الطاولة على الحكومة المؤقتة، خاصة إذا أصرت على المضي في نهجها الإقصائي الرافض لأي شراكة حقيقية. وفي ظل هذه المعطيات، قد يجد الشرع نفسه أمام مفترق طرق حاسم؛ فإمّا الانفتاح على المكونات السورية كافة، وإشراكها فعلياً في السلطة، وصياغة مستقبل البلاد (ويبدو هذا الخيار مستبعداً) أو القبول عملياً بنظام حكم فيدرالي -حتى وإن لم يُعلن تحت هذه التسمية- يمنح الأطراف المختلفة صلاحيات واسعة ويعيد توزيع السلطة والثروة على أسس لا مركزية. ويبدو أن هذا الخيار سيكون أكثر قبولاً لدى الشرع.
تحولات المواقف الدولية والأممية ترجح خيار فدرلة سوريا
تشهد الأزمة السورية مؤخراً تحولاً ملحوظاً في مواقف الفاعلين الدوليين والإقليميين، ما يوحي بأن مسار البلاد -في ظل ضعف الحكومة المؤقتة بقيادة أحمد الشرع، وتآكل شرعيتها أمام المكونات السورية المختلفة- قد يتجه نحو صيغة حكم فدرالي أو لامركزي، ومن أبرز تلك التحولات:
- إعادة مجلس الأمن الدولي إلى الواجهة القرار 2254 بعد سنوات من التهميش. واللافت أن الصياغة الأخيرة في المجلس استبدلت مصطلح “الحكومة السورية الانتقالية” بـ “السلطات السورية المؤقتة”، وهو تحول يحمل دلالات سياسية وقانونية عميقة. ذلك أن الأمم المتحدة، بإعادة تفعيل القرار، تمنح نفسها المرجعية لضبط مسار العملية السياسية نحو تشكيل هيئة حكم انتقالية شرعية وموثوقة، بما يقطع الطريق على التنظيمات الجهادية، ويعيد النقاش حول نظام سياسي يضمن تمثيل جميع المكونات ويحمي الحقوق الدستورية للأقليات.
- أحداث السويداء الدامية شكلت نقطة انعطاف في الموقف الأمريكي، حيث تراجع المبعوث توماس باراك عن دعمه السابق للمركزية الصارمة، وبدأ يتحدث عن ضرورة تبني صيغة لا مركزية تضمن وحدة سوريا لكنها تمنح المكونات استقلالية سياسية وثقافية. وهو تحول يعكس إدراك واشنطن أنّ الإصرار على نموذج سلطوي مركزي في دمشق سيؤدي إلى مزيد من الانفجار الداخلي.
- إدانة مجلس الأمن الدولي أعمال العنف التي تعرضت لها السويداء، وتحذيره من خطورة “المقاتلين الأجانب” على الأمن الإقليمي والدولي. كما طالب المجلس بإطلاق عملية سياسية جامعة بقيادة السوريين وفق القرار 2254، تضمن حماية حقوقهم وتقرير مستقبلهم سلمياً وديمقراطياً.
- تقرير البنتاغون الأخير، رسم صورة قاتمة للجيش السوري باعتباره “تحالفاً فصائلياً هشاً وفوضوياً”، هذه الرسائل الأمريكية والغربية المتكررة تترجم قلقاً واضحاً من محاولات تفجير الوضع في شمال شرق سوريا عبر تحريك خلايا “داعش” أو فصائل مرتبطة بأنقرة، ما يعزز موقف قسد باعتباره شريكاً استراتيجياً للتحالف لا يمكن المساس به في المرحلة المقبلة.
- روسيا من جهتها أظهرت مؤخراً ميلاً للانفتاح على الكرد كورقة ضغط على حكومة الشرع. ففي كلمة أمام مجلس الأمن، شدد ديمتري بوليانسكي على “ضرورة إدماج الكرد في الدولة السورية الموحدة”، في إشارة إلى أن موسكو لا تزال تمسك بخيوط اللعبة، وأنها قادرة على تقديم دعم سياسي لمكونات تعارض هيمنة الحكومة المؤقتة. خاصة أن وجود قواعد عسكرية روسية في شمال شرق سوريا يمنح الكرملين أوراق قوة إضافية لمساومة دمشق.
يتضح من تلك المواقف الدولية أن مشروع أحمد الشرع يواجه تحديات غير مسبوقة، وأن محاولاته لاحتكار السلطة لا تصطدم بالرفض الداخلي فقط، بل تمتد لتتقاطع مع متغيرات إقليمية ودولية باتت ترى في البدائل المحلية، بما فيها الفيدرالية، مداخل أكثر استقراراً لتسوية الأزمة السورية. وبالتالي يزداد احتمال تحول مسار الأحداث نحو إعادة رسم سوريا على أسس فيدرالية، ما يعكس بوضوح محدودية قدرة الشرع على فرض مشروع سلطوي أحادي في بيئة سورية معقدة ومتعددة الأقطاب.
الرؤية:
انطلاقاً مما سبق، يمكن القول إن الشرع يسعى إلى تحقيق معادلة مزدوجة من تكريس لهيمنته المطلقة في “إمارته السنية” المفترضة في قلب سوريا، مع القبول الضمني بوجود كيانات “فيدرالية مقنعة بمصطلحات كاللامركزية” في محيطه الجغرافي، شريطة أن تظل بعيدة عن مركز القرار الذي يحتفظ هو بالتحكم به. بعبارة أخرى، ما يجري ليس توجهاً نحو بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على الشراكة، بل محاولة لفرض وقائع سياسية تتيح للشرع التحرر من عبء المكونات الأخرى، عبر أطر لامركزية وفيدرالية مقنّعة، دون أن يكون له التزام فعلي بدمجها أو مشاركتها في الحكم.
في الداخل، يبدو أن الصراع قد يتجه نحو مواجهة بين الفصائل الإسلامية السنية نفسها، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والفصائل الموالية لتركيا، التي قد تلجأ إلى تحالفات مع تنظيمات جهادية مثل داعش وغيرها، في حال رفض الشرع إشراكهم في السلطة. هذه التناقضات الداخلية، تجعل خيار الفيدرالية بحكم الواقع احتمالاً متنامياً، ويمكن حتى منح الإخوان وحلفائهم نوعاً من الحكم اللامركزي في الشمال السوري وخاصة حلب وحماة، تكون تحت النفوذ التركي.
المصدر: مركز الفرات للدراسات
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=75706





