سيناريوهات المرحلة الجديدة

بقلم: رياض درار

التفكير في سيناريوهات المرحلة الجديدة يقتضي التذكير بأنها مرحلة انتقالية مع ضرورة مراعاة اللامركزية، والديمقراطية، وشكل الإدارة، ومصير “رفاق الأمس”، ومكانة المكوّنات السورية في النظام القادم.

السيناريو الأول: استبداد مُجَمَّل
“وجوه جديدة، خطاب جديد، لكن عقلية حكم قديمة”

شكل الحكم والإدارة

تظل الرئاسة مركز الثقل، كما يبدو في الدستور الانتقالي الذي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة خلال المرحلة الانتقالية. تُنشأ مؤسسات وبرلمان وانتخابات “غير مباشرة” أو محدودة، لكن جزءاً كبيراً من المقاعد يأتي بالتعيين. يُصاغ قانون انتخابي يضمن هيمنة التيار الحاكم، فيما تستمر هيمنة الأجهزة الأمنية بلباس قانوني وشعارات “دولة الثورة” أو “دولة القانون”.

اللامركزية والديمقراطية

تُذكر “اللامركزية” في الخطاب وربما في النص الدستوري، لكن المحافظين والمجالس المحلية يُعيَّنون من فوق أو يُنتخبون ضمن هامش ضيق. لا تُمنح الأقاليم أو المحافظات صلاحيات حقيقية في المال والأمن والموارد. الديمقراطية تتحول إلى انتخابات محكومة سلفاً ومعارضة مروّضة ومساحات محدودة لحرية التعبير.

المكوّنات السورية

يُعتَرَف شكليًا بالتعدّد، لكن المشاركة الفعلية في القرار المركزي تبقى محدودة. التمثيل يكون رمزيًا من خلال شخصيات مقبولة أمنياً. تُستخدم “ورقة الأقليات” خارجيًا لتحسين صورة النظام الجديد بدل ترجمتها إلى ضمانات حقوقية.

رفاق الأمس والخلاف الداخلي

يبدأ الفرز مبكراً: من يقبل “براغماتية الشرع” يدخل في دائرة السلطة الجديدة، ومن يرفض التنازلات يُهمَّش أو يُتَّهَم بالتشدد. وقد تظهر أشكال من “الاعتقالات الناعمة” وإقصاء سياسي وإعلامي لقيادات ميدانية سابقة.

المؤشرات الدالة على تحقق هذا السيناريو

تزايد التعيينات على حساب الانتخاب، واستمرار الشكوى من تهميش مناطق مثل السويداء أو شرق الفرات، وغياب مسارات واضحة لإصلاح أمني وقضائي مستقل، مع استمرار الخوف من الأجهزة.

 

السيناريو الثاني: انتقال تدريجي مُتَعَثِّر نحو لامركزية وديمقراطية
انتقال بخطوات مترددة “خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء”، لكن الاتجاه العام تحسّني.

شكل الحكم والإدارة

تحافظ الرئاسة على دور قوي في السنوات الأولى، مع بدء تعديل تدريجي للدستور لتقليص الصلاحيات المطلقة. يُنشأ مجلس أقاليم أو مجلس شيوخ يمثل المناطق والمكوّنات. تُفتح المجالَات لتمثيل قوى مدنية وأحزاب محلية وممثلين للكرد والدروز والعشائر والنساء والشباب.

اللامركزية

اعتماد لامركزية إدارية وسياسية محدودة، مع انتخاب مجالس محلية بصلاحيات فعلية في الخدمات والإدارة والجباية. تبقى ملفات الدفاع والسياسة الخارجية والموارد الاستراتيجية بيد المركز. تجربة “دمج الإدارة الذاتية/قسد” قد تتحول إلى نموذج تدريجي للحكم المحلي إذا نُفّذت بجدية.

الديمقراطية والمشاركة

تتحسن الانتخابات نسبيًا مع مرور الوقت؛ تبدأ غير مباشرة أو هجينة ثم تتوسع مع استقرار الأمن وعودة النازحين. يُسمح بتأسيس أحزاب جديدة مع الحد من الاحتكار السياسي، مع بقاء خطوط حمراء تتعلق بالسلاح والتحالفات الخارجية والانفصال.

المكوّنات السورية

يُدرج الاعتراف بالهوية الكردية والحقوق الثقافية واللغوية، وتُحمى خصوصيات الطوائف دون الذهاب إلى محاصصة طائفية. تُخصص آليات تمثيل مناطقي في مجلس ثانٍ أو عبر قوائم مشتركة.

رفاق الأمس والخلاف الداخلي

تتوتر العلاقة بين القوى المختلفة، لكن تُفتح قنوات داخلية لإدارة الخلاف عبر مجالس ثورية ولجان مصالحة ومحاكم عدالة انتقالية، مع تحول بعض القيادات الراديكالية إلى معارضة سياسية بدل المواجهة المسلحة.

مؤشرات هذا السيناريو

تعديل تدريجي للدستور باتجاه توزيع الصلاحيات، تحسن محدود في حرية الإعلام والنقاش السياسي، ووجود اعتراضات علنية لا تُقمع بشكل كامل.

السيناريو الثالث: فشل/تفكّك وصِدامات داخلية
“لا استبداد مستقر ولا انتقال ناجح… بل مسار متفجّر”

شكل الحكم والإدارة

يستمر التداخل بين مراكز القوى الثورية والإسلامية والعسكرية السابقة مع أجهزة أمنية يعاد تشكيلها، إلى جانب نفوذ خارجي مباشر. تعجز السلطة المركزية عن فرض نموذج موحّد للحكم، فتظهر مناطق شبه مستقلة مثل شرق الفرات والسويداء وبعض أرياف الشمال.

اللامركزية

تصبح اللامركزية تعبيرًا عن التفكك لا عن النظام. كل منطقة تدير نفسها عبر إدارات أمر واقع: قوات كردية في الشمال الشرقي، إدارة درزية شبه مستقلة في السويداء، مناطق أخرى تحت نفوذ فصائل متنافسة.

الديمقراطية والمشاركة

تصبح الديمقراطية شعارًا، وتتم انتخابات غير معترف بها بين مناطق مختلفة، مع حكومات متعددة عمليًا. ينشغل الناس بتأمين الخدمات الأساسية وسط الانهيار الاقتصادي.

رفاق الأمس والمواجهات

تتفجّر الصراعات داخل المعسكر الذي قاد الثورة، وتظهر اتهامات بالتفريط أو العمالة أو “العلمنة” مقابل “التشدد”. قد تنشأ أجنحة مسلحة جديدة وتعود الاغتيالات، وقد تتبلور دويلات بحكم الأمر الواقع.

المكوّنات السورية

بدل أن تجد مكانها في دستور موحّد، تُزجّ المكوّنات في تحالفات ظرفية مع قوى خارجية، مع تصاعد المخاوف المتبادلة بين الأقليات والأكثرية.

مؤشرات هذا السيناريو

ارتفاع الاشتباكات بين قوى كانت حليفة، جمود المسار الدستوري والانتخابي، وعودة الخطاب الطائفي والمناطقي.

 

إلى أين تتجه سوريا؟

واقعيًا، يحمل المشهد السوري الراهن عناصر من السيناريوين الثاني والثالث. هناك محاولة لبناء مؤسسات انتقالية ودستور مؤقت وانتخابات جزئية، وفي المقابل انتقال هش وتوترات مناطقية وطائفية وجراح مفتوحة في السويداء والشرق والشمال.
الانتقال نحو “استبداد مُجَمَّل” أو “انتقال متعثر إيجابي” أو “تفكك وصدام” سيعتمد على كيفية صياغة الدستور النهائي، وضبط السلاح ودمج القوى المسلحة، وفتح السياسة أمام المجتمع، وهل تُستثمر التفاهمات مع الغرب لبناء دولة أم لتكريس سلطة ضيقة.

السوريون، وهم يحملون ذاكرة الحرب القريبة، لا يحتملون عودة المواجهات، والمسؤولية الأكبر تقع على الحكومة الانتقالية التي إن أرادت البقاء فعليها حسن الانتقاء. وعلى المعارضة، قديمة وجديدة، الابتعاد عن خطاب التحريض والكراهية، والاكتفاء بالنقد البنّاء والدفع نحو السيناريو الثاني بحكمة، مع حشد جماهيري واعٍ من المتضررين السابقين ومن يلحق بهم. الجميع مطالبون بتشكيل أدوات ضغط مدنية وسياسية تدفع نحو تأسيس أحزاب، وتوسيع مساحة التعبير والتجمع، ووقف الخطاب المنفّر في المنابر المختلفة.

 

المصدر: مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”

 

Scroll to Top