علي شيخو برازي
كتب الدكتور أحمد عزت عبد الكريم في مقدمة كتاب حوادث دمشق اليومية, عن وظيفة أمير الحج : ” أما إمارة الحج فقد بقيت لوالي دمشق إلى سنة 1866, حين رأت الدولة أن غياب الوالي عن مقر ولايته مصحوبا بعدد كبير من جند الولاية بضعة أشهر من كل عام, يؤدي إلى اضطراب الأمن في المدينة, فقررت الدولة الفصل بين منصبي والي الشام وأميرة الحج, وعينت قائد الجندرمة أميرا أو محافظا للحج, وكان قائد الجندرمة يختار عادة من الضباط الأكراد من بيوت معينة.” ( الحلاق, 1959, ص 57 ) .
ولِد عبد الرحمن باشا بن محمد باشا بن أحمد باشا بن محمد آغا اليوسف عام 1871, في حي ساروجا بدمشق، خارج أسوار المدينة القديمة، وهو من أُسرة كُردية جاءت من مدينة ديار بكر( شمال كوردستان) إلى دمشق في مطلع القرن التاسع عشر. ” درس في مدارس الابتدائية والرشيدية ( الإعدادية ) العسكرية بدمشق, مبادئ العلوم واللغة العربية والتركية والفرنسية, ليتقنها قراءة وكتابة, كما أنه متقن للغة الكردية تحدثا, حسب ما هو مسجل في سيرته الذاتية . (https://syrmh.com/2023/07/17/ ). والده محمد باشا اليوسف كان أحد الأعيان الدمشقيين النافذين في الدولة العثمانية، تسلّم مناصب إدارية وسياسية رفيعة في كل من حمص وعكا وطرابلس الشام . وَرِثَ عبد الرحمن اليوسف ثروة طائلة عن جده لأمه، الوجيه الكُردي محمد سعيد شمدين آغا، وعُيّن أميراً لمَحمل الحج الشامي خلفاً له عام 1892، ( شيلشر, 1998ص 182 ) وهو في العشرين من عمره .
اعترض الكثير من الأعيان على تولّي اليوسف لهذا المنصب الحسّاس، بالرغم من صغر سنه وانعدام خبرته، وهو من أجلّ المناصب الإسلامية وأعظم الوظائف الدينية. كان أول المعترضين أحمد عزت باشا العابد، أمين سر السلطان عبد الحميد الثاني، الذي أراد أن يكون هذا المنصب الرفيع من حصة عائلة العابد الدمشقية. تدخل الشيخ أبو الهدى الصيّادي، أحد مستشاري السلطان السوريين، لفض الخلاف لصالح اليوسف، وحصلت قطيعة يومها بين عائلتي اليوسف والعابد، وكلاهما من سكان حي سوق ساروجا، استمرت طويلاً حتى زواج زهراء اليوسف، شقيقة عبد الرحمن اليوسف، من محمد علي العابد، ابن أحمد عزت العابد ( الحكيم, 1991, ص 59 ) . استمر اليوسف في منصبه وحافظ على ولائه للسلطان عبد الحميد الثاني حتى وقوع الانقلاب العثماني في صيف عام 1908، والذي جاء بجمعية الاتحاد والترقي إلى الحكم, فتحالف اليوسف مع حكام اسطنبول الجدد، وانتُخب نائباً عن ولاية سورية في البرلمان العثماني في كانون الأول عام 1909، إضافة لمنصبه أميراً للحج الشامي .
وانتُخب اليوسف مبعوثاً مجدداً في1912. وأصبح عضواً في مجلس الأعيان عام 1914 فضلاً عن استمراره كرئيس فرع اللجنة المركزية لجمعية الاتحاد والترقي في دمشق..
كان لعضو هيئة الأعيان أهمية كبيرة لدى السلطان عبد الحميد الثاني, حيث كانت هيئة الأعيان (مجلس الأعيان) يجري تعينهم من قبل السلطان مباشرة, من الأشخاص الذين لهم خدمات حسنة مشهورة في الدولة كالوزراء والولاة والمشيرين وقضاة العسكر والسفراء والبطاركة السابقين, أم مدة العضوية فمدى الحياة, واختصاص هيئة الأعيان هو: تدقيق القوانين واللوائح الصادرة عن هيئة المبعوثان, ولها حق رفضها قطعيا أو ردها لهيئة المبعوثان لأجل إعادة النظر في تعديلها “( عوض, 1969, ص 42) . وفي عام 1909 سافر اليوسف إلى اسطنبول لمبايعة السلطان الجديد محمد رشاد الخامس، المُعين من قِبل الاتحاديين، والذي قام بدوره بتجديد تَكليف اليوسف بإمارة الحج .
بعد سقوط الدولة العثمانية في إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، رَفض عبد الرحمن اليوسف مبايعة حاكم المدينة الجديد الأمير فيصل بن الحسين، نجل الشريف حسين بن علي، قائد) الثورة العربية الكبرى (ولم يكن اليوسف من مؤيدي تلك الثورة، ورآها خيانة للخلافة الإسلامية، مخططاً لها من قبل الحكومة البريطانية الداعمة للشريف حسين وأبنائه. كان خارج المدينة ليلة سقوطها في يد المجموعات العسكرية العربية والحلفاء، يوم 1 تشرين الأول 1918، في مهمة رسمية في اسطنبول، وتردد في العودة إلى دمشق، خوفاً على ماله وسلامته الشخصية من أنصار فيصل ودعاة القومية العربية، الذين هددوا بالانتقام من كل من لم يقف معهم في ثورتهم . ولكنه عدل عن رأيه بعد رسالة وصلته من الأمير فيصل، من خلال الحاكم العسكري رضا باشا الركابي، تدعوه للمشاركة في العهد الجديد، مع إعطائه كامل الأمان.
دخل عبد الرحمن اليوسف مرة أخرى في معترك الحياة السياسية ، بعد انتهاء الحكم العثماني في سوريا، حيث شارك بتأسيس الحزب السوري الوطني، وكان من مؤسسي هذا الحزب تاج الدين الحسيني وعطا بك الأيوبي ومحمد أفندي كرد علي وغيرهم ( العظم, 1987, ص 245 ) وقد عُرف هذا شعبياً بحزب الذوات، يقول فرزات : ” ضم هذا الحزب عند تأسيسه ذوي الوجاهة الموروثة, وأصحاب المصالح والأثرياء, حتى عرف باسم حزب الذوات ” (فرزات, 1955, ص 76) . تشكل الحزب من هيئة إدارية مؤلفة من ستة عشر عضواً وهيئة استشارية فيها خمسة وعشرون عضواً، جميعهم من الأعيان. كان من أهم أهداف الحزب وفق برنامجه السياسي: التساوي في الحقوق المدنية والسياسية بين جميع أبناء الوطن السوري, على اختلاف المذاهب والعناصر(فرزات, 1955, ص 77) . في عام 1919، انتخب عبد الرحمن اليوسف نائباً عن دمشق في المؤتمر السوري الأول، وهي أول سلطة تشريعية منتخبة في سورية في زمن الاستقلال الأول . وعُين رئيساً لمجلس الشورى في نهاية عهد الملك فيصل الأول وخلال الأسابيع الأولى من الانتداب الفرنسي في سورية .
عندما بدأ زحف الجيش الفرنسي تجاه دمشق، قدوماً من الساحل السوري حيث كان متواجداً منذ عام 1918، نصحَ اليوسف بتجنب أي مواجهة عسكرية، حفاظاً على أرواح السوريين، لأنه رأى أن جيشهم الصغير كان لا بد له أن يهزم أمام الجيش الفرنسي المتفوق عليه، عسكرياً وتقنياً .وحصلت الهزيمة في ميسلون كما توقعها اليوسف, وخلع الملك فيصل عن عرش الشام، شكلت حكومة سورية جديدة برئاسة الوجيه الحمصي علاء الدين الدروبي، أُسند لعبد الرحمن اليوسف فيها منصب رئيس مجلس الشورى، خلفاً لرضا الصلح ( العظمة, 1987, ص 268 ).
بعد هزيمة ميسلون ودخول الجيش الفرنسي إلى دمشق, فرض المندوب السامي الفرنسي الجديد هنري غورو غرامة مادية على كافة المُدن السورية، عقاباً على دعمها للجيش الفيصلي في معركة ميسلون، ورفض أهالي سهل حوران دفعها، معلنين ولاءهم الكامل لملكهم المخلوع. فشُكل وفد حكومي رفيع المستوى لمفاوضة الحورانيين، برئاسة الدروبي وعضوية اليوسف ووزير الداخلية عطا الأيوبي، إضافة لاثنين من العلماء، هما عبد القادر الخطيب، والشيخ عبد الجليل الدرة، أحد المُدرسين المحترمين في مدينة درعا وريفها. يقول فارس الخوري : ” كانت البلاد مضطربة وازداد هيجان الناس وسادة النقمة في منطقة حوران, فطلب الفرنسيون من الوزارة أن تتوجه إلى حوران لتهدئة الأحوال . وفي ذلك الحين كان الحورانيون الذين ساءهم إخراج ملك البلاد بالشكل الذي أخرج فيه ينوون الالتحاق بالأردن الذي لم يكن تقرر كيانه بعد, ويدعون لذلك بقوة وعنف, والانكليز يشجعونهم على ذلك. فطلب الفرنسيون إلى الرئيس علاء الدين الدروبي أن يتوجه ووزراءه إلى حوران لتهدئة الأحوال وإقناع الأهالي بالبقاء ضمن الأسرة السورية ” ( https://syrmh.com/2023/08/17 ) .
سافر الوفد إلى حوران يوم 21 آب 1920 وكان فيصل قد حرض الحورانيين خلال توقفه في منطقة حوران بعد طرده من دمشق, على ضرورة الانتقام من الفرنسيين ومن والاهم من السوريين, ( الحكيم, 1983, ص 33 ) وعند وصول الوفد إلى قرية خربة غزالة، أطلق أحد الجنود السنغاليين المرافقين للوفد النار على جمع من الحورانيين المتواجدين في المحطة، خوفاً من البنادق التي كانت بين أيديهم. قتل ثلاثة جنود سنغاليين، ونَزل اليوسف من القطار إلى المحطة، فلحق به بعض المسلحين وقتلوه، وكذلك قتلوا رئيس الوزراء. أما عطا الأيوبي، وزير الداخلية، فقد نجا من الموت بواسطة أحد تجار الميدان الموجودين حينها في محطة خربة غزالة .
بقي جثمانا عبد الرحمن اليوسف وعلاء الدين الدروبي في خربة غزالة شهراً كاملاً بسبب توقف الرحلات البرية بين دمشق وسهل حوران، ليعاد إلى العاصمة السورية يوم 20 أيلول 1920. أقيمت لهما جنازة رسمية شارك فيها مندوب عن الجنرال الفرنسي هنري غورو وجمع من الوزراء والضباط . دُفن عبد الرحمن اليوسف في مقبرة الدحداح والدروبي في مسقط رأسه في مدينة حمص.
يقول سامي مبيض : “يمكن القول إن عبد الرحمن باشا اليوسف اغتيل ثلاث مرات، كانت الأولى في حياته سنة 1920 والثانية بعد طمس سيرته في السنوات التي تلت الجريمة، لتأتي الثالثة يوم احتراق داره هذه الأيام، لتقضي على ما تبقى من إرثه في المجتمع السوري بالعموم، والدمشقي بالخصوص ” . (https://www.majalla.com/node/295656/ )
بعد اثنتي عشرة سنة على وفاته، قدمت عائلة اليوسف قطعة أرض للدولة السورية، تقع بين حي ركن الدين وبرزة، لإقامة مستشفى ابن النفيس ووضع في مدخلها لوحة مصنوعة من رخام كتب عليها هذا المشروع تقدمة أبناء عبد الرحمن باشا اليوسف، تخلدياً لذكرى والدهم. وعند تحويل قصر العظم وسط سوق البزورية إلى متحف، وضع مُجسم خاص لعبد الرحمن اليوسف عند القسم الخاص بمحمل الحج الشامي.
ورِثَ عبد الرحمن اليوسف ثروة طائلة عن جده لأمه، الوجيه الكُردي محمد سعيد شمدين آغا , بالإضافة لأراضيه الزراعية الخصبة التي ورثها عن أبيه, وفي مطلع القرن العشرين كان الباشا يملك كامل الشاطئ الشرقي من بحيرة طبريا، وثلاث قرى بأكملها في غوطة دمشق الشرقية، إضافة لخمس قرى في سهل البقاع وأربع وعشرين قرية في الجولان، ما جعله، بحسب أقاويل ذلك الزمان، أغنى مسؤول عربي في الدولة العثمانية، لا يضاهيه إلا جاره أحمد عزت باشا العابد، ثاني أمناء السلطان عبد الحميد الثاني ويقال أن أملاكه كانت تدرّ عليه ما لا يقل عن عشرة آلاف ليرة ذهبية سنوياً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الحلاق, الشيخ أحمد البديري, القاهر 1959 .
2 – شيلشر, ليندا,. دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, الطبعة الأولى. دمشق, دار الجمهورية1991.
3 – الحكيم, يوسف. سورية والعهد العثماني بيروت, دار النهار بيروت – لبنان, ط2, 1991.
4 – فرزات, محمد حرب, الحياة الحزبية في سوريا, ط 1, دار الرواد 1955 .
5 – العظم, عبد العزيز. مرأة الشام تاريخ دمشق وأهلها, ط 1, بريطانيا,1987 .
6 – عوض, عبد العزيز محمد, الإدارة العثمانية في ولاية سورية 1864 – 1914. دار المعارف, القاهرة, 1969 .
https://syrmh.com/2023/07/17 1 –
https://syrmh.com/2023/08/17 2 –
https://www.majalla.com/node/295656/ 3 –
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=71606