بوتان زيباري
إنّ إغفال نوروز، عيدنا الخالد المتجذّر في أعماق الأرض والتاريخ، من مرسوم الأعياد الرسمية، ليس مجرد سهو عابر أو خطأ شكليّ يُغتفر، بل هو صورة بغيضة متوارثة لسياسة الإقصاء، وتجلٍّ صارخ لحقيقة إنكار الوجود الكوردي، أرضًا وشعبًا وكيانًا، فكيف يُنتظر ممن يتجاهل أقدس أعيادنا القومية أن يُقرّ لنا بحقوقنا الدستورية أو بمركزنا الوطنيّ؟ فمن يُطفئ شعلة كاوا الحداد في صفحات القانون، لن يضيء لنا شمعة في دستور عادل يُنصف. إن هذا التغافل المتعمد، المستمر كـ “تراجيديا” مزمنة، هو ترجمة سياسية لذهنية لم تتخلّص بعد من إرث البعث، الذي قضى نحبه ولم تقضِ عقليته الإقصائية بعدُ.
إنّ دوافع الامتناع عن ذكر نوروز أو غيره من الأعياد القومية والثقافية الأصيلة كعيد أكيتو الآشوريّ، هي حلقة في سلسلة واحدة من الرفض المبطن والمكشوف، فهي مترابطة في جوهرها ومنفصلة في مبرراتها الواهية. والتعليق السريع على هذا الإسقاط المتعمد في المرسوم الأخير لرئاسة المرحلة الانتقالية، لا يمكن اختزاله في زلّة قلم أو سوء تقدير، بل هو رسالة سياسية عميقة الجرح، مفادها أن هذه السلطة، بعقليتها التي تصرّ على الأحادية والتهميش، تقول بلسان حالها للمكونات غير العربية السنية: إن لم تكونوا جزءاً من مرجعيتنا الفكرية الضيقة، فعليكم أن تلجأوا إلى قواكم الذاتية، العسكرية أو السياسية، لتنتزعوا ما يُعد حقًا أصيلاً لكم، بدل أن يُمنح لكم بالعدل والاعتراف. إنه لمن المفارقات المريرة أن تأتي سلطة تُبشّر بمرحلة جديدة، فتعيد إنتاج ذات ثقافة النفي القديمة، وتُهدينا، بدلاً من الاعتراف، شعوراً عميقاً بضرورة النضال المتجدّد لتثبيت الهوية والوجود، فمتى يُدرك الحاكم أن الاعتراف بـ النوروز هو اعتراف بتنوع الأوطان، وتأكيد على عدالة الإنسان؟
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=77425




