إرهاصات البداية:
يبدأ المرءُ العمل بخطوة صغيرة، وهي ترجمة عملية لفكرة صغيرة، ثمّ يكبر وينمو إذا كانت اجتمعت من أجلها الإرادة والطّموح والهدف، التي ستخلق وسيلةً مناسبة، وقد يُصبح العملُ مُنجَزاً عظيماً ذات يوم أو يموت صغيراً دون أنْ يسمع به أحد. هكذا بدأت فكرةُ بناء تجمّعٍ للكتاب الكُرد في سوريا. وبتعبيرٍ أدقّ كانت هناك إرهاصاتٌ لبناءِ إطار ثقافي (نقابيّ) يجمع الكتابَ الكرد في سوريا، منها:
– اجتمع عددٌ من الكتّاب الكُرد في مدينة قامشلي، عام 1995-1996 لمناقشة فكرة تأسيس تجمّع للكتّاب الكُرد، لأنّ اتحاد الكتاب العرب يهمّش الكرد الذين يكتبون باللّغة العربية، ناهيك عن قبوله للكتّاب الذين يكتبون باللّغة الكُردية الممنوعة، بل إنّ الاشتغالَ في حقل الأدب واللّغة الكُرديين أكثر خطورةً من الحراثة في حقل الألغام، وأذكر من الذين اجتمعوا لهذه الغاية: المرحوم سيداي تيريج، إبراهيم محمود، إبراهيم اليوسف، تنكزار ماريني، نسرين تيلو، موسى زاخوراني، صبري رسول، (العدد كان بحدود 15 شخصاً، لا أذكر جميع الأسماء). تمّ تشكيل لجنة للتّوصل مع الكتاب الكُرد في كوباني وعفرين. لم ينمُ الجنينُ، ربما لم يكن الهدفُ واضحاً، أو لم يجد الدَّعم اللازم، وبات الإطارُ الثّقافي فكرةً تراود الكثيرين لاحقاً، وسافرتُ إلى الخليج، لتبتلعني متاهاته تسع سنين.
– عام 2007 زارني الصّديق، الكاتب أحمد إسماعيل إسماعيل، حاملاً في حقيبته مشروعاً، اتّفق عليه عدة كتاب من قامشلي (أحمد إسماعيل، كوني رش، علي الجزيري وآخرون). قرأتُ مشروع النّظام الدّاخلي، بدا لي جيداً ومتماسكاً، ويلبي الطموحات، لكن لم يلقَ الاهتمام اللازم من الجهات الكُردية، ووقفت في وجهه الأنانياتُ الفردية، فدخل غرفة الإنعاش ولم يخرج منه، هو الآخر توقّف في مكانه.
– نبتَتْ على كتف بعض المدن الكُردية عدة كروبات ثقافية ككروب قامشلو وديرك وكوجكا قامشلو. وقيل كان هناك أنشطة مشابهة في مدنٍ أخرى، لكن بقيت أعمال تلك الكروبات حبيسةَ الحدود الجغرافية لكلّ مدينة، وكانت الرّقابة الأمنية اشتدّت أكثر بعد جفاف ربيع دمشق، وأحداث مدينة قامشلي 2004م.
– شكّل الصّديق إبراهيم اليوسف إطاراً من بعض الكتّاب باسم رابطة الكتّاب والصّحفيين الكُرد عام 2004، هو سبّاق في البناء، منظمة حقوقية، رابطة للكتّاب، لكنّه يترك المُنجَزَ من دون اكتمال، ويسلّمه لأيّ كان، كما فعل بمنظمته الحقوقية (ماف) ويواجه صراعاتٍ تُنهِكُه مع الآخرين، وقبل الثّورة السورية المنهوبة كان أي عمل في أيّ شأنٍ من الشؤون العامة مغامرة خطيرة، ويزداد الخطر إذا كان الشّانُ له علاقة بالكُرد، استمرَّت الرَّابطة تحت سطوة القمع والاستبداد حتى اندلاع الثّورة السّورية المغدورة.
المحطة الأولى: يُعَدّ المؤتمر الأول للكتّاب في قامشلو 2013 في الصّالة الملكية بتاريخ 11.10.2013، بمثابة المؤتمر التّأسيسي للاتّحاد الذي انعقد تحت شعار (الكاتب ضمير الشّعب) حضرَه حمعٌ كبير من الإقلام الكُردية في الجزيرة، وممثلو المجلس الوطني الكوردي، ومجلس شعب غرب كوردستان (تف دم).
تأسّس الاتحادُ بدافع الشّعور الطّاغي على النّاس بأنّ أيام النّظام باتت معدودة، ووقع الكُتّاب تحت تأثير اليقين المطلق بأنّ النّظام بدأ ينهار قبل أن يُغدَر بالثّورة اليتيمة، وعلى الكُرد تنظيم أنفسهم في جمعياتٍ ومنظماتٍ واتحاداتٍ، والتحضير لمواجهة الفراغ الذي سيتركه سقوط النّظام، وعليهم بناء مؤسسة تقود المرحلة. لذلك اندفعَتْ عشرات الأسماء للانخراط في تلك المؤسسات الوليدة، ولم يكن اتحاد الكتّاب استثناءً منها.
في هذا الجوّ تأسَّس اتحاد كتاب كردستان سوريا تحت مسمى (اتحاد الكُتَّاب الكرد) في ذلك الوفت، بحضور 143 كاتباً وكاتبة، ومن النّتائج التي تمخضت عن المؤتمر انتخاب هيئة إدارية لاتحاد الكتاب الكورد في سورية: علي جزيري رئيساً للاتحاد، وأمين السر: هيبت معمو (عامودا)، المسؤول المالي: محمد أمين سعدون (ديرك)، المسؤول الثقافي وشؤون النشر: صالح حيدو (حسكة)، المسؤول الإعلاميّ: محمد شيخو (قامشلو)، مسؤول العلاقات الداخليّة: يونس حمي حسين (حسكة)، مسؤول العلاقات الخارجيّة: محمد عبدي (قامشلو)، أمين العضويّة: وجيهة عبدالرحمن (ديرك).
قبل المؤتمر:
كانت اللّجنة التّحضيرية لإعداد المؤتمر نشطة للغاية، يتنقّل أفرادها متأبطين كراساتٍ وأوراقاً وبنوداً للنظام الداخلي، يوزّعون الدّعوات للمثقفين والنّاس من دون دراسة دقيقة، مستغلين سقوط جدار الخوف، لتأمين الصّعود الآمن للمترددين واللّحاق بركوب الموجة، سيما أنّ ثمّة دعوات قد تهطل غزيرة من إقليم كردستان، وهناك من يريد مسْح النّقاط السّوداء من سجله الماضي، فيندفع إلى التّنظيمات الحزبية أو النّسائية أو غيرها.
حصلت حواراتٌ مكثَّفة بين وفد رابطة الكتّاب والصّحفيين الذي أسسّها الصّديق إبراهيم اليوسف وكان من أعضائها في الداخل (شهناز شيخي، نارين عمر، عبدالصمد محمود، أحمد حيدر، محفوظ رشيد، توفيق عبدالمجيد) وبين اللّجنة التّحضيرية التي كان فيها (لقمان يوسف، محمد عبدي، محمد شيخو، أحمد أبو آلان…). لم تشهد الحواراتُ أيَّ تقدمٍ يُذكَر فالرَّابطة ترغب بالمشاركة في المؤتمر بوصفه كياناً منظّماً، وتطالب بالتّريث في الوقت، بينما اللِّجنة التَّحضيرية مستعجلةٌ في أمرها، وتطلب من الجميع الحضور بوصفهم أفراداً، فأعلنَ أعضاء الرّابطة في الدَّاخل خلال مؤتمرٍ إعلامي انضمامهم إلى المؤتمر، والتّخلي عن زملائهم في الخارج، ما خلقَ قطيعةً بينهم وبين زملائهم في الخارج، وأصبحوا جزءاً من المؤتمر.
لم أكنْ أشاركُ أنشطةً نقابيةً آنذاك، حيثُ كانَت المتاهات السِّياسية لاتفسح لي المجال، لكن كنتُ متابعاً عن قرب بحكم نشاطي في مكتب الإعلام المركزي لـ PDK-S.
في اتصالٍ عبر الإيميل، أكّدَ لي إبراهيم اليوسف استعدادهم للحوارات ثانية، والعمل معاً لإنجاح مؤتمر يجمعُ الكلّ، عرضْتُ الفكرة على أحد السَّاسة الذي كان يتنشّط في هذه المسائل ويراعيها، وعلى بعض أعضاء اللّجنة التّحضيرية، لكنهم رفضوا جملةً وتفصيلاً، متشككين في نوايا المهمة، مؤكدين: سينعقد المؤتمر في تاريخه بمن حضر.
كان المؤتمر مضيئاً، صاخباً، تعجّ بمقترحات المؤتمرين، النّخبة فيه انتشت بطعم الانتصار، عُقِد المؤتمرُ بغياب رابطة الكُتَّاب والصّحفيين الكُرد، بعد انضمام أعضائها في الدَّاخل إلى المؤتمر، الأمر الذي دفع رابطة الكُتَّاب والصّحفيين إلى إصدار بيانٍ في الخارج تاريخ 06.10.2013 تؤكّد فيه مقاطعتها ورفضها المشاركة في المؤتمر الذي وصفتْه بـ«المؤتمر الجزئي للكُتّاب« وأعلنت أنّ الذين انضموا للمؤتمر لا يمثلون الرَّابطة التي تجد «في هذا المؤتمر تجاوزاً للكُتَّاب الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالمشاركة«
بعد المؤتمر:
عقدت الهيئة الإدارية المنتخبة من المؤتمر اجتماعاً لها لتشكيل المكاتب واللّجان والفروع وانتخاب رئيس لها، فانتخبَتْ علي جزيري رئيساً للهية الإدارية، لكن بعد أشهر على العمل، بدأ التَّصدّع في جسم الاتحاد، فانسحب الرَّئيس منكفئاً على ذاته بعيداً عن الصّراعات، واستلم ديلاوز زنكي المهمَّة، متّكئاً على «النّظام المعدل» الذي ينصّ على أنَّ الرَّئيس هو من يحصل على أعلى الأصوات في المؤتمر ، تحضيراً لمؤتمرات قادمات.
التّدخل السّياسي، والمالي من خلال الرِّئاسة الجديدة، جرَّ الاتحاد إلى كنف الإدارة الذَّاتية، لاعتقاده أنّ الاتِّحاد السّياسي (أربعة أحزاب كردية، ب د م س لاحقاً) يسيطر على القرار، فلا بدّ من تحريره من سطوته، ما رفضته غالبية الهيئة الإدارية، خاصّة بعد أن فاحتْ رائحة المال من جيب الرَّئيس، الذي أغدق به قادة (تف دم) وأخفاه عن زملائه في الإدارة، واستفرد به، فسارعت الهيئة الإدارية إلى تجريده وأحد زملائه من المسؤولية، وأعدَّت الخطة لمؤتمر استثنائي في مدينة ديرك، تاريخ / 17 / 10 / 2015 «كنتُ من اللّجنة التي أدارت المؤتمر» مع استبعاد الرّئيس وبعضاً من توابعه، الذين كانوا يتقاضون رواتبهم كموظفين من الإدارة الذَّاتية حتى الآن ((وفق بعض الذين حاوروهم أثناء الخلافات تحت رعاية الهيئة الثّقافية 2015)). استلمَت الرّئاسة بعد مؤتمر ديرك وزنة حامد، مع هيئة تنفيذية جديدة، لم أرشّح نفسي لأي منصبٍ أو هيئة في هيكلية الاتحاد.
وأصبح الاتحاد تحت اسم جديد: اتحاد كتاب كردستان سوريا منذ ذلك الوقت وحتى الآن. أما «الجماعة» التي بقيت متمسكة بديلاور زنكي فاستمرت تحت معطف حزب الاتحاد الديمقراطي وبدعمه باسم «اتحاد الكتّاب الكُرد في سوريا» الذي أزاح (ب ي د) رئيسه ووضع قادر عكيد بدلاً عنه.
الحوارات بين الاتحادين:
سقطت عفرين تحت الاحتلال التركي في ١٨ آذار ٢٠١٨عام وكانت قبلها كوارث شقيقاتها شنكال تحت غزوة داعش، وكركوك بيد الحشد الشعبي والجيش العراقي. سيطر اليأس على الكرد، خاصّة بعد الحصار التّجويعي العراقي والإقليمي على إقليم كردستان على خلفية الاستفتاء.
تحت تأثير الانكسار جهتُ نداءً مكتوباً إلى الاتحادين: اتحاد كتاب كردستان (برئاسة: وزنة حامد)، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين (برئاسة عبد الباقي الحسيني)، لإجراء حوار عام لبناء جبهة ثقافية لمواجهة الانهيارات العسكرية والسّياسية، كواجب أي مثقف في هذا المشهد المنهار.
فلبّى الاثنان النّداء، وأرسَلا الرَّدّ كتابياً، فجرَى حوارٌ عامٌ وشامل استمرّ أكثر من سنة، تحت إشراف: صبري رسول، جميل إبراهيم، زهرة أحمد، لكن للأسف لم يكن هدف الحوار مسيطراً على الذّهنية الفكرية، فطغَت المصالح الشّخصية والأنانيات القاتلة على لغة الحوار، وتجمّدت اللّقاءات حتى اليوم. وهناك محاضر لجلسات الحوار التي دوّنتها زهرة أحمد وجميل إبراهيم، ومازال النّظام الدّاخلي من ألفه إلى يائه جاهزاً «عدا بندٍ واحد فقط كان يجسّد الاختلاف بين الدّاخل والخارج».
ما الذي تغيّر؟
عقد اتحاد كتاب كردستان سوريا مؤتمرَه الثّاني الاعتيادي في قامشلو في حزيران الماضي، وأجرَى تغييراً في المكتب التّنفيذي والرّئاسة، كما نظّم إلى جانب ذلك كونفرانسات مماثلة في إقليم كردستان وأوربا لتنظيم الأعضاء الفاعلين.
وعقدتْ رابطة الكُتّاب والصّحفيين الكرد في سوريا مؤتمرا له في 2016 وغيّرت الاسم إلى: الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكُرد في سوريا، مع اختيار عبدالباقي الحسيني رئيساً.
ومازال هذا مشروع الإطار العام طموحاً وقابلاً للإنعاش، وهناك عشرات الأقلام خارج الإطارين يمكن الاستفادة منهم ومن كلّ الطّاقات المتاحة، فذلك يلبّي احتياجات المرحلة، لكن الإرادات الحقيقية مازالت خاملة.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية