صمتُ المواقيت

جليل إبراهيم المندلاوي

يَا حكَايَا العُمْرِ كَمْ أَرْهَقْتِ رُوحًا

تَرْتَجِي شَدَّ الرِّحَالِ

كُلَّمَا اسْتَيْقَظَ فِينَا نَبْضُ شَوْقٍ

عَادَ يَغْفُو فِي الزَّوَالِ

فَأُنَادِي القَلْبَ مَهْلًا إِذْ أُنَادِي

فالهَوَى صَعْبُ المَنَالِ

يَا فُؤَادِي كَمْ تُعَانِي مِنْ جِرَاحٍ

مَا لَهَا فِي الدَّهْرِ آلِ

كُنْتُ أَمْضِي شَارِدَ الذِّهْنِ حَبِيسًا

بَيْنَ أَسْوَارِ الضَّلَالِ

عَلَّ رُوحِي تُمْسِكُ الحُلْمَ أَسِيرًا

قَبْلَ أَنْ يَطْوِيَ ظِلَالِي

هَائِمٌ أَبْحَثُ عَنْ دَرْبٍ عَتِيقٍ

ضَاعَ مِنِّي فِي خَيَالِي

فَدَنَتْ مِنِّي عَجُوزٌ حَيْثُ قَالَتْ:

يَا بُنَيَّ.. لَا تُبَالِي

فَاللَّيَالِي لَا تُبَالِي بِأَنِينٍ

أَوْ دُمُوعٍ أَوْ وَبَالِ

إِنَّ مَنْ تَهْوَى سَتَأْتِي، فَتَجَلَّدْ

يَنْجَلِي هَمُّ اللَّيَالِي

لَيْسَ فِي الدُّنْيَا سِوَى الصَّبْرِ مَلَاذًا

حِينَ يَعْيَا كُلُّ حَالِ

فَاسْتَرِحْ مِنْ لَوْعَةِ الشَّوْقِ المُعَنَّى

وَاهْجُرِ الغَمَّ لَيَالِي

وَاسْتَعِنْ بِالصَّبْرِ مِنْ حُرْقَةِ عِشْقٍ

قَدْ تَمَادَى فِي اشْتِعَالِ

إِنَّمَا العِشْقُ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ

بَيْنَ هَجْرٍ وَوِصَالِ

قُلْتُ يَا سَيِّدَتِي هَلْ لِي خَلَاصٌ

مِنْ جَوًى يُرْهِقُ حَالِي

فِي دُرُوبِ العِشْقِ أَضْحَى القَلْبُ شَاكٍ

مِنْ حِكَايَاتِ الوِصَالِ

قَدْ بَنَيْنَا مِنْ رَمَادِ الأَمْسِ قَصْرًا

بَيْنَ أَحْضَانِ التِّلَالِ

وَرَسَمْنَا أَلْفَ حُلْمٍ مُسْتَفِيضٍ

فَوْقَ كُثْبَانِ الرِّمَالِ

ثُمَّ جَاءَ الرِّيحُ يَمْحُو كُلَّ أَثْرٍ

مَا تَبَقَّى مِنْ وِصَالِ

قَدْ تَبِعْنَا وَهْجَ وَعْدٍ مِنْ سَرَابٍ

لَاحَ فِي لَيْلِ السُّؤَالِ

نَرْتَجِي صَمْتَ المَوَاقِيتِ وَنَخْشَى

كُلَّ ظَنٍّ وَاحْتِمَالِ

كُلُّ دَرْبٍ فِيهِ ذِكْرَى.. فِيهِ جُرْحٌ

كُلُّ جُرْحٍ فِيهِ بَالِ

كَيْفَ أَمْضِي وَالمَسَافَاتُ بِحَارٌ

وَالمُنَى مَوْجٌ عُجَالِ

نَحْنُ فِي التِّيهِ نُنَاجِي كُلَّ نَجْمٍ

عَلَّهُ يَمْحِي الضَّلَالِ

لَيْتَ فِي الأَيَّامِ رِفْقًا أَوْ سُكُونًا

لَا انْتِظَارًا لَا مُحَالِ

هَمَسَتْ تِلْكَ العَجُوزُ بِاتِّزَانٍ

يَا بُنَيْ سِرْ لِلْمَعَالِي

فَقَمِيصُ يُوسُفَ الشَّافِي سَيَأْتِي

حِينَ تَشْقَى بِالثِّقَالِ

وَتَأَسَّى صَبْرَ يَعْقُوبَ فَتَلْْقَى

أَنَّ هَذَا الصَّبْرَ بَالِي

وَاصَلَتْ تِلْكَ العَجُوزُ النُّصْحَ حَتَّى

أَقْبَلَتْ مَنْ فِي خَيَالِي

فَالْتَقَيْنَا.. بَيْنَ صَمْتٍ وَانْكِسَارٍ

بَعْدَ هَجْرٍ وَانْفِصَالِ

فَلَمَحْتُ الدَّمْعَ فِي عَيْنَيْهَا يَغْفُو

مِثْلَ حُزْنٍ لَا يُقَالِ

فَدَنَتْ مِنِّي بِغُنْجٍ وَدَلَالِ

ثُمَّ قَالَتْ بِانْفِعَالِ

فَلْنُصَافِحْ هَذِهِ الأَحْزَانَ سِرًّا

ثُمَّ نَمْضِي لَا نُبَالِي

رُبَّمَا فِي آخِرِ الدَّرْبِ ارْتِيَاحٌ

أَوْ جَوَابٌ لِلسُّؤَالِ

فَالْتَزَمْتُ الصَّمْتَ مُرْتَابًا لِظَنِّي

لَسْتُ أَدْرِي مَا جَرَى لِي

فَدَنَتْ مِنْهَا العَجُوزُ ثُمَّ قَالَتْ

يَا ابْنَتِي لَا.. لَا تُغَالِي

ذَلِكَ العِشْقُ إِذَا مَا عَادَ يَوْمًا

عَادَ مِنْ دُونِ جِدَالِ

إِنَّمَا العِشْقُ إِذَا طَالَ اغْتِرَابًا

عَادَ كَالقَطْرِ المَسَالِ

وَإِذَا أَمْسَى بَعِيدًا.. عَادَ قُرْبًا

رَغْمَ أَهْوَالِ المُحَالِ

فَاحْذَرِي أَنْ تُفْرِطِي فِي الظَّنِّ يَوْمًا

وَاحْذَرِي صَمْتَ الرِّجَالِ

Scroll to Top