ضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا

“ترقية شخص متورط بهذه الجرائم إلى موقع قيادي تمثل إهانة للضحايا وتشجيعًا علنيًا على ارتكاب المزيد من الانتهاكات. الأمر لا يتعلق بأخطاء فردية بل بسياسة ممنهجة تُمارس منذ سنوات”.

“منح مواقع رسمية لقادة متهمين بارتكاب جرائم حرب ينسف أي جهود للعدالة الانتقالية، ويقوّض ثقة السكان في مستقبل يحترم القانون وحقوق الإنسان”.

مع كل تحوّل سياسي تشهده سوريا، يتجدد الأمل في محاسبة من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، وتُطرح أسئلة مؤلمة: هل يُمكن بناء مستقبل عادل دون فتح ملفات الماضي؟ وهل يمكن لضحايا الجرائم أن يثقوا بمؤسسات تُعيّن المتهمين بارتكاب جرائم حرب في مواقع السلطة؟

أحدث الأمثلة وأكثرها إثارة للجدل، قرار وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة بتعين أحمد الهايس “أبو حاتم شقرا” قائداً للفرقة 86 في الدير والرقة والحسكة. وهو قرار أثار موجة غضب واستنكار بين منظمات حقوقية ونشطاء سوريين، اعتبروه “صفعة للعدالة” و”مؤشراً خطيراً على استمرار ثقافة الإفلات من العقاب”.

من هو “أحمد الهايس “أبو حاتم شقرا””؟
أحمد الهايس، أو “أبو حاتم شقرا”، هو قائد فصيل “أحرار الشرقية” المنضوي ضمن “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركياً. وقد أعلن حلّ فصيله ودمجه ضمن وزارة الدفاع السورية، خلال “مؤتمر النصر” الذي انعقد أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، وهو المؤتمر الذي نُصّب فيه أحمد الشرع رئيسا لسوريا في المرحلة الانتقالية، وتم خلاله الإعلان عن حلّ جميع الفصائل العسكرية ودمجها في مؤسسات الدولة. وكان الهايس حاضرا في المؤتمر، وألقى كلمة خلاله.

ذاع صيت فصيل الهايس بارتكاب “جرائم بشعة”، وينسب إليه ارتكاب جرائم بحق الإيزيديين في منطقتي اعزاز وعفرين بريف حلب، إلى جانب تورطه في عمليات اختطاف والمتاجرة بالأسر المختطفة.

وفي العام 2021، أُدرج الهايس مع الميليشيا التي يتزعمها على قائمة العقوبات الأميركية، بسبب ارتكابه انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، شملت القتل والخطف والتعذيب ومصادرة الممتلكات الخاصة، فضلا عن تجنيد عناصر من تنظيم “داعش” ضمن صفوفه، وفق بيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية.

أحمد الهايس تورط شخصيا بالقتل غير القانوني لهفرين خلف السياسية الكُردية والأمين العام للحزب السياسي “سوريا المستقبل” بالإضافة إلى حراسها الشخصيين شمال شرقي سوريا، خلال تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، وفق وزارة الخزانة الأميركية. كما انه متورط في قتل ثلاث مسعفين قرب بلدة تل ابيض في ذات التاريخ.

وفصيل “أحرار الشرقية” متهم أيضا بقتل عدة مدنيين في شمال شرقي سوريا، وبحسب الخارجية الأميركية، فإن الفصيل المذكور انخرط كذلك في عمليات اختطاف وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة من المدنيين، ومنع النازحين السوريين من العودة إلى ديارهم.

وطبقا لبيان الخارجية الأميركية، فإن “أحرار الشرقية” شيدت وتسيطر على مجمع سجون كبير خارج حلب حيث تم إعدام المئات منذ عام 2018.

كذلك استخدم الفصيل هذا السجن في عملية خطف واسعة النطاق مقابل فدية استهدفت شخصيات بارزة من رجال الأعمال والمعارضة من محافظتي إدلب وحلب.

عندما يصبح المجرم قائداً
تعيين “شقرا” في موقع عسكري رفيع لا يعكس فقط استخفافًا بمعاناة الضحايا، بل يوجه رسالة مقلقة مفادها أن الجرائم لا تُحاسب بل تُكافأ، وهو ما يُهدد فكرة العدالة الانتقالية برمتها.

ففي الدول الخارجة من النزاعات، تُعتبر محاسبة مجرمي الحرب ركيزة أساسية لإرساء السلم الأهلي، ومنع تكرار الانتهاكات. لكن ما يحدث في بعض مناطق الشمال السوري يظهر عكس ذلك تمامًا: غياب للشفافية، وتكريس لثقافة الإفلات من العقاب، وتدوير للوجوه المتهمة بانتهاكات مروّعة.

مطلب العدالة لا يسقط بالتقادم
العدالة ليست ترفًا، بل ضرورة أخلاقية وسياسية. وعلى السلطات الجديدة، إن كانت جادة في بناء دولة قانون، أن تبدأ من ملفات الانتهاكات، لا بتجاهلها. كما أن على المجتمع الدولي، الذي يراقب بصمت، أن يفعّل أدوات المحاسبة المتاحة، وأن يرفض التعامل مع قادة ميليشيات متورطين في جرائم حرب كأمر واقع.

إن ترقية “شقرا” لا يجب أن تمرّ بصمت. إنها لحظة اختبار حقيقية: إما السير نحو عدالة تداوي جراح السوريين، أو الاستمرار في إنتاج مزيد من الضحايا.

روابط لتقارير سابقة عن جرائم ابو عمشة وميليشياته هنا

​المصدر: مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا