مالفا علي
في طفولتنا علمونا كيف نقف على أقدامنا ونتخطى المصاعب بعدة طرق،في سبيل ذلك استشهدوا لنا بأمثلة كثيرة منها ما كان حقيقة ومنها ماكان من نسج مخيلات الأجداد …
منها ما بقي في عقلنا ومنها ما اندثر من الذاكرة هرباً من أوجاع وطنً مُمزق،ميت، مشنوق المصير.
قالوا لنا: انظروا دائماً إلى نصف الكوب الممتلئ وتفائلوا،الدنيا جميلة وهي تستحقُ منكم ابتسامة، كل المشكلات هي دروس وعبر لكم،كل ألم فيه خيرٌ لكم ووووو….الخ،لكن في سوريا من تلك المقولات وأخصُ بالذكر مقولة الكأس، لم نلقى سوى نصفاً ممتلئاً بشتى أنواع الألم والوجع، والنصف الفارغ كان الموت المحتم.
أطفالنا توارثوا منا رائحة الموت، الحرمان،المبيت في العراء. ظننا أننا سنحقق الخلاص لكل الأطفال أمثال بائعة الكبريت وريمي وأطفال المداخن،كبرنا ونحن نتفاءل بقدوم المستقبل وتربية أبنائنا ليكونوا أفضل جيل يبني مستقبلنا ومستقبل البلاد، قلنا في أنفسنا هم سيكونون أطباء سيخترعون دواءً لمرض السرطان الذي حصد أرواح الكثيرين، سيصبحون مهندسي/ات لبناء مشاريع حقيقية وتحقيق نهضة مواكبة للغرب،تأملنا أن يصبحوا معلمو ومعلمات الأجيال اللاحقة لنشر المعرفة والقضاء على الجهل.
بعض هذه الأحلام تحققت لكن ليس لأطفالنا بل لأطفال الدول الجارة،لكن في سوريا اختلف الحال، أطفالنا تحولوا إلى (بائعة الكبريت وأطفال المداخن ).
شرشبيل تمكن من طفولة أبنائنا، قضى على السنافر،يستمر بالانقضاض عليهم واحداً بعد الآخر،شرشبيل بأنفه الكبير وأصابعه الغليظة،بملامحه المرعبة وعينيه الجاحظتين المخيفتين يقتلع الأرواح من أجساد الأطفال الهشة.
في كل حكاية كنا نرى رجلاً أو امرأة يتسمان بالذكاء والحنكة وفطنة العقل يقدمون نصائح للأطفال أو أبطال تلك القصص وأفلام الكرتون، كانوا يوجهون المجتمع نحو حماية الأطفال ويضعون أرجل أبطال القصة على طريق النجاة من كل مشكلة تصادفهم….
لكن يبدو في قصص أطفال سورية لا أحد يستطيع أن يلعب هذا الدور ولا حتى القرارات الأممية،مواثيق حماية الطفولة ومنظمات حقوق الإنسان تحولت إلى حبرٍ على ورق، نص اتفاقية حقوق الطفل في اليونيسيف تتألف من 54 بنداً،إن اطلعت عليها عزيزي القارئ ستظن أن كل أطفالنا يخضعون لحماية دوليه تغنيهم عن حماية الرب، تغنيهم عن عباءة الجد/ة.
في الحقيقة كل الأطفال عُراة يتقاسمون ظلم الأيام ويلتجؤون للموت أملاً في الخلاص من وحشة وسواد المصير.
لا أتحسرُ على أحد إلا على الأطفال الذين ولِدوا في الحرب وتربوا على صوت أجراسها التي لم تتوقف عن الرنين منذ (12) عاماً وأخيراً فقدوا حياتهم قبل أن تنتهي الحرب .
فقدوا حياتهم فيها ولم يحصلوا حتى على شاهدة قبرٍ تليق بهم.
فقدوا اليد التي تمسك القلم،حُرموا من حضن الأم الدافئ، أرجلهم غدرت بهم ومزقت نفسها عن أجسادهم الطرية،باتوا يحلمون بركل الكرة لثانية واحدة، يفتقدون رؤية العالم الخارجي،يعيشون في ظلام دامس وكأن الحياة تختبئ عن أعينهم، يظنونها تلعب معهم لعبة الغميضة،لكن الغميضة طالت وظلوا يلعبون باستمرار حتى ملّت منهم, لكن التصقت بهم كوشاح خبيث وسرقت النور من بؤبؤ تلك العيون البريئة.
القصص السعيدة للأطفال السوريين قليلة بل تكاد تكون نادرة،لكن الحزينة والتراجيدية لا يوجد أكثر وأغزر منها.
هنا القصص ليس لها أسماء، كلها تم اختصارها بكلمة “سورية”.
الأطفال يأتون للحياة باسم ويغادرونها بلا اسم …
هم موتانا وشركاء الكفن، في المهد كانوا معروفي الهوية أما في القبر أصبحوا مجهولي الهوية ….
حكاية الطفولة في سوريا مبكية ومؤلمة، ليس فيها عبر ولا أمل إلا ما ندر من الحكايات.
حكايات أطفالنا لا تناسب أعمار الأطفال،لا أنصح بقراءتها للأجيال القادمة لإقناعهم بالنوم باكراً حالمين بتلك القصص.
حكايات الطفولة عندنا ممزوجة بالدم،بعضها اختنقت على وسادات الأطفال، غرقت في دموعهم،بعضها الآخر تحول إلى شظايا متطايرة مع رائحة البارود في السماء،ما تبقي منها يرقد تحت أقبية وجدران الوطن المحطمة.
أطفالنا لا يحظون بالهدايا في جوارب معلقة بأشجار الميلاد، أكثر ما ينالونه هي رصاصة قاتلة صدأت في غلافها، في بيت من كتب “قوانين حماية الطفل”.
“قصص الأطفال في سورية هي أنقاض القصص لا تقرؤوها ولا تقربوها،إنها تلدغُ الحياة في الحُجر،وتسرق الأمل من الكأس، ترمي السعادة في خانة الانقراض “.
المصدر: اتحاد مثقفي روجآفايي كردستان
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=13446