عبدالعزيز قاسم: الوجه الآخر للحركة الكردية

كوردأونلاين

in

على مر العصور ظنّ البشر أنّ للقمر وجهان، الأول مُضاء والآخر مُظلمٌ٠ وفيما بعد أكّد العلم أنّ للقمر وجه واحد ويتعرّض للشمس والظلّ، يمكن مقارنة هذا المثال بوضع الحركة الكردية السورية والإشارة إلى الجانب الذي يجهله النّاس لهذه الحركة، فها هي وللحركة وجهها المظلم والذي باتَ جلياً وبوضوح ولا سيما بعد نزع القناع عنها بعد الانتفاضة الكردية في الثالث عشر من آذار، وما يلي الأزمة السورية بشكل عام.

طوال عقود من تأسيس أول حزب سياسي كردي لم تمر الحركة باختبارات مصيرية، كان يُخال  للمتتابع  الوجه الآخر  الظّاهر  المشرق للحركة، وللحديث عن الوجه المخفي للأحزاب الكردية، الذي يثير القلق يمكن الوقوف عند نقطة هامة ومفصلية ومفادها، أنّ الأحزاب الكردية الرئيسية في سوريا كانت تركز على أهمية الحوار مع النظام سعياً لإيجاد حلٍّ للقضية  الكردية في سوريا.

ويدل إلى ذلك لذلك أحد أشهر المقولات الحزبية: “أنّ قضيتنا تُحّلُ في دمشق وَليس في أيُّ مكانٍ آخر …”.

لقد كنا نظنُ وعلى الدوام أنّ النظّام هو من كانَ يغلقُ بابَ التفاوض والحوار؛ ربما كان ذلك صحيحاً  قبل الأزمة السورية؛ ولكن بعد ذلك  تغيرتِ المعادلات وحاول النظام بعد عام ٢٠١١ بفتح قنواتٍ مع الأحزاب الكردية؛ وليسَ خافياً على المتابع أن الأحزاب الكردية رفضتْ دعوة النظام لعقد لقاء مباشر مع رئيس النظام؛ حينها تمت دعوة الأحزاب تلك وأُرسلتْ لهم طائرة خاصّة لتستقلهم من مطار “قامشلو”؛ ولكن قادة تلك الأحزاب امتنعوا عن تلبية الدّعوة تلك؛ بحجج غير مقنعة وفيما بعد أُعلن بعض قياداتها ندمهم لرفض اللقاء والجلوس على طاولة المفاوضات.

 

وبالعودة إلى مجريات الأحداث لتلك الفترة من تاريخ الحركة الكردية، يمكن القول أن بعض قادة الأحزاب كانوا على علاقة بجهات معادية للكرد لنسف هذه المبادرة؛ وبخاصة تركيا التي احتضنت مؤتمرات (للمعارضة) وكان رئيسها آنذاك يُنادي علناً بأنه لا يسمح بتكرار مجزرة “حماة” ثانية!

لقد قرأتُ وقبل أيامٍ منشوراً للباحث والأكاديمي الكردي “مهدي كاكائي” ومفادها أنه كان “لأجدادنا الميتانيين” دوراً كبيراً في ظهور العلاقات الديبلوماسية بين دول الشرق الأدنى القديم !”. والاِشادة بالدور الكبير للأميرة الميتانية نفرتيتي ” تادو- هيپا”؛ في الحياة السياسية والدينية المصرية – الفرعونية، وبناءً على تلك العلاقات تأسست وإزدهرت عدة ممالك كردية فيما بعد.

وتأكيداً على ما ذكره الباحث  د. مهدي الكاكائي فهناك مثل كردي  ومفاده:

(Hezar dost hindikin û dijminek gelek e)

أي أنّ «يُعدّ ألف صديق للمرء قليلاً، وعدوٌّ واحد كثير».

لاشك أن الفرص التاريخية الذهبية لا تتكرر دائماً؛ وعلى الحركات التحررية اقتناص تلك الفرص وكسبها وعليه فشخصية القائد تلعب دوراً في ذلك وعندما يكون دور الحزب في حجم المرحلة ومستوعباً لظروفها؛ يمكنه أن يلعب دوراً مفصلياً؛ وقد يكون دور القائد في التفاوض السلمي ونيل المكاسب أكبر من مكاسب الحروب خاصة عند تفوّق العدو.

وبالعودة إلى تاريخ الحركة الكردية في الماضي القريب نذكر ثورات لعب فيها القائد دوراً محورياً وبغياب الظروف الدولية والإقليمية حتى؛ رغم وجود عوامل أدت فيما بعد لانهيار تلك التجارب الوليدة؛ لكن إرادة الشعوب لا تتوقف برغم الانتكاسات المرحلية فالعلاقات الدولية مبنية على المصالح وليست على الأخلاقيات الفاضلة والقيم المثلى.

وعلى سبيل المثل لا الحصر؛ نذكر ثورة “سمكو شكاكي” ومروراً ب”جمهورية كردستان – مهاباد-1946″ وإنتهاءً بثورة أيلول الوطنية؛ وكيف أن الزعيم ” ملا مصطفى البارزاني” قد توصل مع الحكومة العراقية آنذاك في انتزاع أول وأهم اعتراف رسمي بالحقوق القومية للشعب الكردي في العراق وما تمخض عنه من إقامة “منطقة الحكم الذاتي الكردي 11آذار 1970؛ وبوساطة سوفييتية آنذاك؛ وفيما بعد لاحقاً فقد تطور الحكم الذاتي إلى كيان أوسع رسمياً ولا سيما بعد حرب الخليج  الثانية (1990-1991) وماتلاها من إقامة مناطق حظر الطيران العراقي وإعلان الفيدرالية ولاحقاً لم يغلق القادة الكرد الحوار وباب التفاوض مع النظام العراقي البائد.

وبدهاء القادة قد يعجز الخصم بالاستمرار بالتفاوض وينسحب منه وهذا ما حدث مع شهيد “الحوار والتفاوض” الدكتور عبدالرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني، إذ اغتالته يد الغدر في العاصمة النمساوية ڤيينا -13-تموز1989″ إثر جولة مفاوضات مع الوفد الإيراني.

ولكن بالنسبة لأطراف الحركة الكردية في سوريا  نجد أنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى إتفاق كردي- كردي؛ وبالرغم من وساطة إقليم كردستان والوساطات الأمريكية والفرنسية المتكررة.

حيث يبدو واضحاً أن الضغط الإقليمي لكلٍ من تركيا وإيران أقوى حتى من الدور الأمريكي ذاته وهذا تساؤل يطرح ذاته ومحلٌ للشك؟!

وكمتابع للأحداث وبالرغم من أننا نسمع وعبر وسائل الإعلام  بين الحين والآخر بزيارات ولقاءات لقادة من ال “PYD” إلى دمشق واجتماعهم مع مسؤولين من الحكومة السورية؛ ولكن ضمن اجتماعات مغلقة وبمخرجات لا تظهر للعلن؛ وعمّا يجري التفاوض بشأنه! سيما وأن الحزب المذكور لا يكترث بالحقوق (القومية) الكردية !؟

أمّا من جانب المجلس الوطني الكردي؛ فلا أحد يجرؤ حتى بمجرد الكلام بهذا الخصوص، فعلى سبيل المثال ففي الاجتماع التشاوري والذي  دُعي إليه نشطاء من عفرين المحتلة ومنظمة حقوق الإنسان في عفرين قبل أيام في مدينة بون الالمانية في ٢٣ آذار ٢٠٢٤؛ قدمتُ مداخلةً قصيرةً عبرتُ فيها بأننا أمام الوضع التراجيدي (المأساوي) الحالي في عفرين وعلينا العمل على أكثر من جانب وبخاصةً مع الجانب الروسي كخطوة أولية فيما بعد لدفع الحكومة السورية وعبر الروس في المطالبة بإنهاء الاحتلال التركي لمنطقة عفرين من الأمم المتحدة ويكون مدخلاً لحوار بين الكرد والنظام وبوساطة روسية لإيجاد حلٍ ما للقضية الكردية  وبخاصةً أن الجانب الروسي طلب لأكثر من مرة من ال”PYD”ومن المجلس الوطني الكردي للحوار مع دمشق ؛ وجاء الرد سريعاً على اقتراحي من أحد الإخوة بشكل غير متوقع بحجة أن النظام منتهي الصلاحية وفاقد للشرعية؛ وبالتالي ليس هناك من جدوى حوار مع النظام!

والمستقلون الذين لا يخضعون لأجندات حزبية تتمثل بالاصطفافات والتكتلات والمحسوبيات والولاءات الضيقة والمصالح الفردية وهم يدركون بالفعل أنه ليس النظام فقط وإنما الحركة  الكردية  الراهنة لا تريد حلولاً للمسألة الكردية وهذا هو بالفعل وراء إقصاء واستبعاد شخصيات  كانت لها حضور قوي في المشهد السياسي الكردي في أعقاب “الثورة السورية” ولاحقاً تم إقصاؤهم وصُنفوا ضمن خانة (غير المرغوبين) بهم من جميع أطراف الصراع “؛ ولا لشيء  سوى معارضتهم لانضمام الكرد إلى أُطر المعارضة وبخاصة الموالية لتركيا؛ ولا يسعني إلا وأن أُشدد على ضرورة الحوار الكردي-الكردي.

فمن المتوقع أن نشهد وساطة روسية أو حتى دعوة من النظام بذاته للتفاوض مع القوى الكردية، للحد من النفوذ الإيراني نتيجة ما نشهده حالياً من تزايد الضربات الإسرائيلية على  مواقع في الداخل السوري يُفترض أنها لأذرع إيران، وبغياب أذرع إيران في الداخل السوري، ستكون المنطقة والساحة السورية  بحاجة إلى من يسد الفراغ ويملؤها بفعل الضربات الجوية  الإسرائيلية لمواقع حزب الله وربما سنشهد إجتياحاً إسرائيلياً؛ برياً؛ محدوداً لمناطق من لبنان!

والسؤال الذي يطرح نفسه؛ فهل ستكون لدى الحركة الكردية استعداد أو قابلية لاستثمار تلك الفرصة المحتملة؛ لتكسب حقوقاً قوميةً مشروعة للكرد؟

أم أن تلك المبادرة المحتملة والفرصة التاريخية وإن سنحتْ ثانيةً ستذهبان كسابقاتهما أدراج الرياح؟!.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية