عبدالله ناصر العتيبي: قائمة غضب أردوغان
كورد أونلاين تاريخ النشر: 10 يناير، 2017«عليك أن تعرف قدرك. أنت لست في مستواي. أنت لست نظيراً لي. أنت لست من نوعيتي…».
«عليك أن تعرف قدرك. أنت لست في مستواي. أنت لست نظيراً لي. أنت لست من نوعيتي…».
هكذا تكلم رجب طيب أردوغان قبل أسابيع موجهاً حديثه إلى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على خلفية تصريحات للأخير تتعلق بطلب تركي المشاركة في العمليات العسكرية في الموصل!
كان الرئيس التركي غاضباً جداً من حيدر العبادي، لدرجة أنه لم يكتفِ بإرسال رسالة احتجاج شديدة اللهجة من طريق سفير بلاده في بغداد، وإنما دعا إلى تنظيم ملتقى جماهيري – كما هي عادته – ليفرغ ما في صدره من حنق وغضب، ثم يمضي منتصراً إلى قصره الرئاسي.
تصاعد التوتر بين الدولتين بعد ذلك لأيام قليلة، ثم ما لبث الجانب التركي أن أبدى رغبته في التواصل مع العراق من خلال مبادرة حسن نوايا تقدم بها رئيس الوزراء بن علي يلدريم، تتضمن زيارة العراق والالتقاء بمسؤولين عراقيين في بغداد وأربيل.
وبالمناسبة، ليست هذه هي المرة الأولى التي يغضب فيها الرئيس التركي ثم يعود بعد ذلك مباشرة إلى ترميم ما أحدثته فورة الغضب، إذ غضب مرة من الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز في ملتقى دافوس الشهير، وأسمعه كلاماً قاسياً تباشرت به الجموع العربية من الخليج إلى المحيط، ثم عاد بعد ذلك إلى تلطيف العبارة مع المسؤولين الإسرائيليين. وغضب مرة على الرئيس الروسي بسبب تصريحات روسية عن مجزرة الأرمن وطالب بمحاسبة بوتين شخصياً لانتهاكه القانون الدولي في شبه جزيرة القرم، ثم عاد بعد أشهر وعقد معه شراكة حيّرت المراقبين الدوليين.
واليوم يبعث أردوغان رئيس وزرائه إلى العراق ليلتقي العبادي (الذي ليس في مستواه) ويباشر معه مصالحة ديبلوماسية قد تُغيّر الكثير من المواقف في المنطقة خلال الأشهر المقبلة.
والسؤال: لماذا جاء بن علي يلدريم إلى العراق في هذا الوقت؟ وكيف تحولت الخلافات الشائكة بين البلدين إلى مجرد مواضيع على الطاولة يمكن نقاشها وإيجاد الحلول لها؟
ثلاثة أسباب رئيسة حولت مؤشر التقارب التركي تجاه العراق، وسببان آخران جعلا بغداد ترحب بهذا التوجه.
السبب الأول هو منع أي فرصة لظهور تقارب مصالح بين حزب العمال الكردستاني والحكومة المركزية في بغداد في حال ذهب الخلاف بين البلدين بعيداً! تركيا يهمها في الوقت الحاضر بقاء العراق مجرد حاضن لأعضاء الـ «بي كا كا» (العمال الكردستاني) مثلما يؤكد المسؤولون العراقيون الذين يقولون بمناسبة ودونها إن الدستور العراقي يمنع مهاجمة أي دولة من الأراضي العراقية. يهمها جداً ألا تتطور هذه العلاقة بين الحزب وحكومة بغداد إلى رعاية واحتواء وتوجيه، الأمر الذي من الممكن أن يصنع من الـ «بي كا كا» تهديداً حقيقياً للجنوب التركي، قد تضطر معه أنقرة في المستقبل إلى تقديم تنازلات عدة هي في غنى عنها!
السبب الثاني وهو المتغيّر الأبرز في هذه الفترة هو قطع الطريق على نشوء علاقة من أي نوع بين أتباع فكر فتح الله غولن والحكومة العراقية! وهذا ما طرحه صراحة رئيس الوزراء يلدريم خلال الزيارة، وخرج بمقتضاه – وفق الفريق الإعلامي المرافق له – بتأكيدات عراقية رسمية بالعمل على إقفال كل المدارس التابعة لغولن في العراق. تركيا الجديدة تعرف جيداً أن لا خطر عليها يداني خطر فكر ونظريات غولن! تدرك ذلك جيداً لأنها باتت اليوم مؤمنة أكثر من أي وقت مضى بأن الانتماء للفكرة والنظرية أقوى بكثير من الانتماء للمسدس أو القنبلة. الانقلاب الذي حدث قبل أشهر قليلة دق ناقوس الخطر في أوساط حزب العدالة والتنمية، وجعل عرّابيه يؤمنون بأنه من السهل جداً حشد المؤيدين والأتباع في وجه القوى المسلحة، إنما من الصعوبة بمكان إقناع الرأي العام بالوقوف ضد فكرة تريد قلب الحياة السياسية في البلاد رأساً على عقب!
السبب الثالث يتمثل في خيبة أمل تركيا الكبيرة في الاتحاد الأوروبي وأميركا. هذه الخيبة التي جعلتها تدور على نفسها وتبحث بجدية عن شركاء سياسيين واقتصاديين موثوقين ولو اضطرها ذلك إلى «تصفير المشكلات» مع خصوم الأمس! حلم «تركيا الأوروبية» أصبح متعذر التحقق على الأقل خلال هذا العقد، وارتباطها بـ «أميركا قوية» تكسّر على يد باراك أوباما، ولم يعد أمامها سوى الاتجاه جنوباً وغرباً لعلها تقطف بهذا التوجه ثمرتين كبيرتين: مكايدة الغرب وتمتين اقتصادها!
خرجت بريطانيا «بريكزيت» من الاتحاد الأوروبي، فراحت تبحث على الخريطة العالمية عن شركاء جدد يحمونها من «برد الوحدة» وصقيع الاستقلال الاقتصادي، وأغرى هذا التوجه تركيا، فباعت مرحلة مهمة من تاريخها الحديث، وقررت التوقف عن الركض خلف المؤتمرات الأوروبية والدخول بقوة في قلب المنطقة، لعل ذلك يغير من الموازين الدولية في محيطها!
أما العراق فقد رحّب – في تقديري – بهذا التوجه التركي لسببين، الأول هو السعي الشخصي لرئيس الوزراء حيدر العبادي إلى العمل مع جيرانه سياسياً واقتصادياً ليستطيع كسر الدائرة التي وضعه فيها منافسوه في كواليس الحكم في بغداد. حيدر العبادي يريد أن يكبر قليلاً، ويتوسع خارج المنطقة الخضراء ليحصل في المستقبل على حصانة شعبية لقراراته ومراسيمه، سواء أعجبت اللاعبين الكبار في الساحة العراقية أم لم تعجبهم! يعرف العبادي جيداً أن البقاء كل الوقت تحت ظل إيران والمرجعيات الدينية والتحرك البطيء في المساحات الضيقة يجعلان منه مجرد أداة موقتة عليها الاختفاء متى ما انتهت «الحاجة العليا» إليها! كل علاقة جديدة مستقلة ومتكافئة للعراق هي خروج معلن للعبادي عن عباءة الوصاية الداخلية والخارجية، وكل خروج للعبادي هو تمتين لنخبته الحاكمة، سواء أكان في ذلك مصلحة عراقية عليا أم مصالح لأطراف بعينها!
أما السبب الثاني فيتمثل في أن تركيا تستطيع متى شاءت ضبط الحدود الشمالية للعراق، ما قد يزيل أي خطر محتمل قد يطيح بالحكومة المركزية في بغداد، أو على الأقل يضعفها من خلال استدراجها لحروب داخلية عبثية قد تمتد لسنوات طويلة.
عاد بن علي يلدريم إلى بلده بعد هذه الزيارة المفاجئة، لكن السؤال يبقى: من هو التالي يا ترى الذي سيكون على قائمة غضب السيد أردوغان؟
* كاتب سعودي
“الحياة”
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=2907