الخميس, يوليو 4, 2024

على مشارف القرن… مدينة قامشلو تراث قيِّم وقدم تاريخي

القسم الثقافي

قامشلو/ دعاء يوسف

مدينة قامشلو، وهي على مشارف المائة عام تُعرف بتنوعها العرقي، وقدم معالمها التراثية، حتى غدت صرحاً تاريخياً وثقافياً وأدبياً واجتماعياً، لشعبها المتعدد الأعراق، الذي وجد فيها، وعاش منذ عقود سلفت.
في مدينة قامشلو، تسمع أجراس كنيسة قديمة يعود تاريخها إلى أكثر من 100 عام، يليها أصوات مآذن ترفع الآذان بدخول وقت الصلوات؛ فيملأ صداها أسواق المدينة ومداخل أحيائها المتراصة المتعددة، وهناك بين الأسواق والبيوت جامع يرجع عمره إلى عمر قامشلو، ومكتبة قديمة، يجلس على كرسيها رجل كهل بين كثير من الكتب والمطبوعات القديمة، التي ترجعك إلى عهود تاريخية قديمة، وبين هاتيك المعالم رجال ينتمون لتاريخها الفلكلوري مرتدين أزياء أبت الاندثار أمام التقدم والتعدد في فنون الموضة، وأغلبهم من البائعين المتجولين في شوارعها المستقيمة والمتقاطعة، في منظر لافت للأنظار.
معالم قديمة مميزة للمدينة
وعلى أرصفتها منثورة قطع أثرية نحاسية يعرضها البائعون العالمون بها بمهارة حاذقة، وهناك في الشوارع المتعددة نرى المسيحي والمسلم يتجولان معاً فيتبادلان الأحاديث في حب واندماجية، وفي أحد الشوارع المهمة القديمة بقدم المدينة، يستقيم جنوبا، بالمارة والعربات المزدحمة، تتربع على ناصيته أقدم مطحنة في المدينة، مطحنة مانوك، التي أقامها رجل لخدمة سكان المدينة، وكانت مهوى المزارعين من الأرياف، لبيع قمح الجزيرة المميز، فيما يتقابلان عجوزان يلعبان بأحجار النرد، أينما رحلت بين شوارعها وأحيائها وقد ألفهما زوار الشارع.
فقد عرفها سكانها وزوارها حاضنة لشعوب عدة، ومُلتقىً لحضارات كثيرة، سكنت أرضها، فهي تحتضن كنائس الطوائف المسيحية في المدينة، “السريانية، والأرمنية والكلدانية، الشرقية منها والغربية”، فيما يطالعك نصب تذكاري جميل يرمز للإبادة الجماعية، التي تعرض لها الأرمن في عشرينات القرن الماضي، وهي المدينة التي بني فيها ما يقرب من ستين مسجدا.
وبعيداً عن المعالم الدينية للمدينة، تُقام قهوة تراثية أضحت مزاراً لمن يريدون أنّ يشهدوا جمعات وحكايا الأجداد والآباء، الذين دفنوا على ثراها الطيب، وهناك في أحد شوارعها سوق تفوحُ منه رائحة القدم والأصالة، رغم أنّ مؤسسيه رحلوا إلا أن روائح الأعشاب والأدوية ما تزال تعبق وتزداد كلما اقتربت منه.
لا تستغرب عندما تسمع مجموعة من اللهجات واللغات المختلفة في الأسواق، أنت في مدينة قامشلو، فهناك من يتحدث الكردية، فيجيبه أحدهم بالعربية ويناقشهم الآخر بالسريانية، وكلما تعمقت في شوارعها وأسواقها وأحيائها، ستجد شيئاً مُلفتاً للنظر ومُثيراً للاهتمام بالفعل، لأنها شارفت على المئوية منذ قيامها، وتأسيسها.
قدم بروح الحضارة
والمدينة تقع بالقرب من آثار مدينة أوركيش القديمة (تل موزان حاليًا) التابعة للحوريين، التي أُسِّست خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد، ففيها معالم وآثار قديمة لحضارات سادت زمنا طويلاً، فبالرغم من أنها مدينة تتمتع بتطورها العمراني والثقافي، إلا أنها حافظت على الأماكن الأثرية الكثيرة التي توثق تاريخها العريق، وأنها مدينة لازالت تحتفظ برونق شوارعها وأسماء أحيائها المميزة التي لها صلة بتاريخها المديد.
ومن المؤكد أن المدينة أُنشئت أوائل العشرينات من القرن الماضي، وتوسعت بالاتجاهات كلها، خاصة نحو الشرق حيث حي العنترية، وغربا حيث حي الهلالية ذات البعد التاريخي، وجنوبا حيث الريف الجميل، وموقع مطارها الدولي، وكان هذا التوسع قد انتشر منذ سبعينات القرن الماضي، وانتشر البناء الحديث في المدينة بالاتجاهات كلها، وخاصة أبنية الجمعيات السكنية، وقد بلغ مجموع الوحدات السكنية، التي تم بناؤها من القطاعين العام والخاص والمؤسسة العامة للإسكان 3251 وحدة سكنية (شقة)، خلال الفترة ما بين 1981 ـ 1985،  وبلغ إجمالي عدد المساكن في مدينة قامشلو خلال الفترة 1981 ما يقرب من 14099 مسكناً من مختلف النماذج والأنماط.
وازداد هذا التوسع العمراني مع مرور السنوات، وتطور العمران، ولكن رائحة القدم مازالت تفوح من مدينة قامشلو، التي حملت اسمها نسبة إلى القصب المنتشر حول نهر جقجق المار بها.
قامشلو فيها الأصالة والعراقة المبنية على الفنون الشّعبية، والمهن المُتوارثة عبر الأجيال، وحافظت على فلكلور وموزاييك الشعوب المختلفة، وأحيت ما اندثر منها، وبقيت طقوس الصلوات والأديان تصدح في الأماكن الدينية، كل حسب معتقداته ودياناته، وأصبحت حاضنة للعديد من السكان، الذين لجؤوا إليها هرباً من الحروب، التي طالت أذرعها العديد من الدول السورية.

المصدر: صحيفة روناهي

 

شارك هذا الموضوع على