لا بدّ أن المتابع لشؤون الشرق الأوسط يشاهد بأن المنطقة باتت تعيش على صفيح ساخن بسبب التوتر المتصاعد بين الجهات المتصارعة في الشرق الأوسط والتي تدفع بالأوضاع نحو الانفجار والتهديد بشبح حرب عالمية ثالثة، حيث بلغ هذا التصعيد ذروته مؤخراً إثر الهجوم الذي شنته جماعات عراقية موالية لإيران على موقع أمريكي يقع على الحدود الأردنية- السورية (البرج ٢٢)، والذي خلف وراءه ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى من القوات الأمريكية هناك، وكذلك الرّد الأمريكي المكثف على قواعد هذه القوات في سوريا والعراق.
وبالرغم من إبداء الجانبين حرصهما على عدم إنفلات الأمور من تحت السيطرة، إلا أن هذا التصعيد الذي نشهده اليوم، لا يأتي من فراغ، وإنما هو إمتداد للصراع الدائر بين الدول العظمى على مناطق النفوذ في العالم عموماً، وفي الشرق الأوسط خصوصاً، ونتيجة مباشرة لاستمرار الحرب في أوكرانيا وغزة وسوريا وغيرها، ولعل البوصلة الرئيسية التي تنظم هذه الحروب وتدير الصراعات فيها هي مصالح هذه الدول وتعزيز دورها على أرض الواقع، وخاصة الدور الأمريكي الذي بات محاصراً في الشرق الأوسط بطوق من الخصوم الاستراتيجيين، ولا يخفى بأن روسيا والصين وإيران تشكل القوام الأساسي لهذا الطوق، وما يجمع هذه الدول المتناقضة في جوهرها، هو مصالحها الخاصة التي تصطدم بتمدد النفوذ الأمريكي وتنامي دوره في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
إن الصراع القائم بين هذه الدول المتنازعة لا يتم تأجيجه وتصعيده بشكل عشوائي بكل تأكيد، والذي يكاد أن يأخذ شكل (الحرب الباردة)، وإنما تتم إدارته من وراء الكواليس، وتلعب الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال الدور الرئيسي، فهي تدير هذه الفوضى بشكل خلاق حتى اللحظة، ولا تدفع ضريبة هذه الصراعات والحروب سوى شعوب المنطقة التي تصبح وقوداً لها بسبب الفقر والجهل والتخلف المزمن الذي تعيشه، وقد ظل مهندس الديبلوماسية الأمريكية (هنري كيسنجر)، يؤكد هذه الحقيقة حتى وفاته، ويقول: (ليس من مصلحة أمريكا أن تحل أية مشكلة في العالم لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وتحرك هذه الخيوط حسب المصلحة القومية الأمريكية..).
ويمكننا قراءة هذه الحقيقة المرّة خلال الأزمة السورية التي بدأت في ١٥ آذار ٢٠١١، عندما سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإعلان عن تأييدها للجماهير السورية المنتفضة من أجل حريتها وكرامتها، وذلك من خلال مشاركة سفيرها في دمشق (روبرت فورد)، مع الجماهير المحتجة آنذاك في مدينة حماة، ولكنها لم تمض مع الشعب السوري حتى النهاية، وإنما سرعان ما انقلبت عليه بحجة أن البديل سوف يكون من الجماعات الإسلامية، ليعود اليوم روبرت فورد بنفسه، وبعد كل هذه السنوات الكارثية التي تسببت في كل هذا الدمار للبنية التحتية في البلاد، وخلفت قتل ما يقارب المليون من الأبرياء، وتشرد الملايين عن ديارهم، لتعيش البقية الباقية، التي بقيت على الأرض، تحت خط الفقر والجوع والحرمان، ليقول ومن دون أن يرف له جفن: (منذ عشر سنوات لم تعد سوريا تشكل أولوية للولايات المتحدة، وهي تشكل قضية ثانوية حتى مع إدارة بايدن، وأن قضية أوكرانيا تعتبر أكبر منها بكثير، وهناك تايوان وجمهورية الصين الشعبية، وهاتان القضيتان تشكلان لديها أولوية أكبر منها بكثير، وحتى الحرب في غزة تشكل الآن أولوية كبيرة لدى بايدن، وتأتي سوريا في ذيل القائمة..).
ومن هنا، لا جدوى من الانتظار إلى أن يصل الدور إلى ذيل القائمة، وإنما تستدعي المسؤولية التاريخية العودة إلى نقطة الصفر، والبحث معاً (المعارضة والموالاة)، عن قواسم وطنية مشتركة، وهي كثيرة، والاتفاق حولها من خلال مؤتمر وطني واسع وشامل، ووضع حد لهذه الكارثة التي لن يخرج منها أيّ وطني منتصر، صحيح إنها فكرة أقرب إلى المستحيل، ولكن لا بدّ من العمل من أجل تحقيق هذا المستحيل وإلا فإن النفق سيقودنا نحو الجحيم.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=35783