في مسار مختلف للنضال يبرز دور الفن والثقافة لإيصال قضايا الشعوب وصوتهم، ويزخر تاريخ الفن الكردي بمن حملوا قضية شعبهم في فنهم لإيصالها للعالم ومنهم الفنان الكردي علي مردان الذي كرس موهبته وفنه ليؤكد للعالم أن الكرد شعب ذو حضارة فنية عريق.
علي مردان، فنان وطني كردي ، حمل حسه الوطني الكردي إلى قلب عاصمةٍ لم يكن فيها للكرد لا صوتًا ولا لونًا، غنّى المقام الكردي في بغداد وطهران، ولم يُصغِ إلى العقول الفاشية التي أنكرت الكرد، بل حمل انتماءه الكردي بفخر وسط أمته.
أولئك الفنانون البارزون الذين عملوا معه على الأغاني، لم يكونوا كردًا، ولذلك شكّل الفن لعلي مردان تحديًا مضاعفًا، ومع ذلك، فقد بثّ روحه الكردية في صوته ولم يسمح للموسيقيين العرب والفرس أن ينتزعوا الحس الكردي من أغانيه.
لم يكن علي مردان مجرد فنان يغني أو يعزف، بل كان كرديًا صلبًا أراد أن يوصل قضيته للعالم عبر الفن، ومن أبرز إنجازاته الوطنية تأسيس القسم الكردي في إذاعة بغداد، التي أصبحت عبره منبرًا لفنانين كرد كثر، سجلوا فيها أغاني خالدة لا تزال في ذاكرة الناس حتى اليوم.
وُلد علي مردان عام 1904 في حي برتكية بمدينة كركوك، وبدأ تعلم المقامات الكردية في تكية الشيخ حسيب الطالَباني، على يد الفنان المقامي المعروف “خضر بارام جاوەش”، وتعلّم منه مقام “الألّاوسية” لأول مرة.
كان علي مردان مدرسة كاملة في المقام والغناء، ولم يبقَ فنه حبيس مدينته أو بيته، بل جال به في العراق وإيران وعدة بلدان أخرى، ليؤكد للعالم أن الكرد شعب ذو حضارة فنية عريقة.
في عام 1965، عندما ذهب إلى إذاعة طهران لتسجيل أغنية، ذُهل الموسيقيون الفرس من أدائه ونَفَسه وارتجالاته المقامية، فأدركوا أنه كنز حي وموسوعة للمقامات الكردية، لذلك، تمّ تسجيل عدة أغنيات له في طهران في فترة وجيزة.
زار عدد من الفنانين الفرس والكرد طهران خصيصًا لرؤيته والتعلم منه، وغنى بعضهم معه، واكتسبوا منه معلومات حول المقام الكردي، بل إن بعض الفنانين الفرس، حين عرفوه عن قرب، لقبوه بـ”الأستاذ”
في عام 1936، أصبح أول فنان كردي يُغنّي في إذاعة بغداد، وفي عام 1939، التحق بها بشكل دائم، وكانت في ذلك الوقت الإذاعة الوحيدة التي يتابعها الناس بلهفة، كان أول مقام أدّاه فيها مقام “آي آي” بأسلوب باجَلاني.
في إذاعة طهران، شكّل علي مردان مع طاهر توفيق، رسول گَرْدي، حسن جزيري، باكوري، نسرين شيروان، ومحمد عارف جزراوي، نواة القسم الكردي، وعملوا معًا كعائلة واحدة، فساهموا في إثراء التراث الكردي من المقامات والأغاني.
أدخل نفسًا جديدًا إلى الموسيقى الكردية، وتمتع بأذن موسيقية دقيقة وصوتٍ مؤثر، وقد لحّن معظم أغانيه بنفسه،
ساهم علي مردان فنيًا في دعم عدد من الفنانين الكرد، أمثال: حسين علي، نسرين شيروان، گُلبهار، وەندي، وغيرهم.
كثير من الفنانين الكرد الكبار تحدثوا عنه بإجلال، واعتبروه أستاذًا ومدرسة للمقام الكردي. ومنهم الفنان الكردي الكبير الراحل حسن زيرَك، الذي قال “ان يزورني كل عام في إيران، إنه عالٍ، عالٍ جدًا، والكرد لا يعرفون قدره، كنت أضع أسطواناته أمامي كمرآة”.
في عام 1932، أُقيم مؤتمر فني في القاهرة، وكان علي مردان يتمنى أن يشارك فيه كفنان كردي، فذهب ضمن وفد العراق الفني، عن تلك المشاركة قال “كان فخرًا لي أن أُغنّي بالكردية وأُسمع مقامًا كرديًا جميلًا في مؤتمر حضره فنانون لم يسمعوا حتى كلمة (كرد). كنت الكردي الوحيد بينهم”.
بعض أغانيه الشهيرة تم غناؤها لاحقًا من قِبَل فنانين من شعوب أخرى، مثل:
- أغنية “مامە گیانی مامە” غناها الفنان التركي “إبراهيم تاتليسس” بعنوان “قەرە زیندان”.
- أغنية “ئەم پەرچەم و ئەگریجە” غناها الفنان الإيراني الشهير “إيرَج بَسْتامي”.
كان علي مردن خبيرًا في غالبية المقامات الكردية والشرقية، مثل: الراست، البيات، السيگاه، الحجاز، الحسيني، الأورفة، المنصوري، الصبا.
بعد سنوات طويلة من العطاء الفني والتعليمي في مجال المقامات، رحل في 24 من عام 1981، وسكنت روحه ذات الحس الكردي العميق إلى المقام الأخير.
وقد وُري جثمانه في مقبرة الشيخ مهيدين بمدينة كركوك، ليكون مثواه الأخير في وطنه.
المصدر: روج نيوز
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=72603