عيد رأس السنة الإيزيدية – الأربعاء الأحمر
سليمان جعفر
ser sala Êzdî – çarşema sor
لكل دين أو شعب يوم عطلة أو يوم مقدّس , لكي يستطيع المرء القيام بواجباته الدينية في ذلك اليوم , وأيضاً لكي يرتاح من عناء اسبوع من العمل والجهد , ليستقبل الاسبوع التالي بنشاط أكبر.
فالمسلمون عطلتهم الاسبوعية يوم الجمعة , واليهود يوم السبت , والمسيحيون يوم الأحد , واليونانيون القدماء يوم الإثنين , وقدماء الفرس يوم الثلاثاء , والكرد يوم الأربعاء , وقدماء المصريين يوم الخميس, فما هي حقيقة الأربعاء ومن أين جاءت قدسية الأربعاء ؟
حسب ما تقوله الميثولوجيا الإيزيدية أن الله بدأ بخلق الكون يوم الجمعة وانتهى منه يوم الأربعاء , وقد جاء في قول ( حديث ) التكوين Aferîna dinyayê :
Xwedawendê me înê kir esase
Şemboyê birî kirase
Çarşemboyê kir xilase
و الميثولوجية الإيزيدية تقول أن الكون كان عبارة عن ظلمة وضباب , و كانت الأرض مغطاة بطبقة أو قشرة من الجليد , وقد أرسل الله طاووس ملك يوم الأربعاء الى الأرض لكي يعمرها ويوجد الحياة فيها, وأنه نزل لأول مرة في لالش, ولوجود طبقة من الجليد حطّ على شجرة العزة الربانية ( هرهر Herher ) , وبفعل حرارة الشمس فقد ذابت طبقة الجليد, وظهر وجه الأرض على حقيقتها وازدانت الأرض بحلة قشيبة من الزهور والرياحين والورود وبألوان الأحمر والأصفر والأخضر ( ومنها أخذ الكرد الوان علمهم ). لهذا فقد اعتبر الكرد هذا اليوم بداية للربيع وبداية السنة الجديدة.
يقع هذا العيد في يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان حسب التقويم الشرقي، علماً أن الإيزيديين كانوا يسيرون حسب التقويم الشمسي، الذي تم إخفاءه وإحلال تقاويم فرضتها أقوام حسب قوتها الدينية أو العسكرية، فخضع الإيزيديون للتقويم الشرقي..
وهناك أعياد كثيرة عند الإيزيديين شأن بقية الأديان، ولكن هذا العيد يُعتبر أقدسها وأهمها واُطلِق على هذا اليوم عدة تسميات، منها رأس السنة الإيزيدية، ومنها عيد الربيع، عيد الأربعاء الأحمر…والإيزيديون يعتبرون هذا العيد بمثابة أربعة أعياد في عيد واحد، العيد الأول: هو عيد التكوين عندما انفجرت الدّرة البيضاء وتكونت منها العناصر المقدسة التراب والماء والهواء والنار، أي أن الإيزيديين عرفوا بالانفجار الذري قبل أن يتحدث عنه العلماء بآلاف السنين.
والعيد الثاني: عيد غليان الأرض ثم تجميدها وتكوينها واخضرارها.
العيد الثالث: عيد الخليقة عندما خلق الله آدم وضخ الدم الأحمر بجسده. ويقول البعض من هنا جاءت تسمية الأحمر.
العيد الرابع: عيد الخصوبة .
وهناك رأي آخر يقول: حتى العام 612 قبل الميلاد كان الناس يحتفلون بهذا اليوم كعيد ديني فقط , ولكن وبعد أن ارتوت أرض كردستان في مثل هذا اليوم بدماء شهدائها الذين حققوا الحرية والاستقلال على أعتى امبراطوريات تلك الحقبة, ولكثرة إراقة الدماء من الطرفين أطلقوا عليه ( الأربعاء الأحمر ) , ومنذ ذلك اليوم فقد أصبح هذا العيد عيداً قومياً ودينياً بنفس الوقت .
وعلى الرغم من كل حملات الإبادة والتنكيل بالكرد عامة وبالإيزيديين خاصة فقد استمروا في ممارسة طقوس هذا العيد حتى يومنا هذا , ولم تثن كل تلك المجازر عزيمتهم, بل حافظوا على عيدهم وهم أكثر عزيمة وثباتاً وتمسكاً بديانتهم وعقيدتهم ولغتهم, خاصة وأن هذا العيد كما ذكرنا قد تم قبوله كعيد ديني وقومي , حتى أن الشيخ آدي أقرّ بذلك حيث تقول إحدى السبقات الدينية :
Çarşema serî Nîsanê
ŞêxAdî şêxŞims xweste dîwanê
Xwedê berê xwe dide Êzdîxanê
Ewe cejna Kurdistanê
ففي هذا اليوم ومنذ الصباح الباكر ينهض الإيزيديون ويرتدون أفضل مالديهم من ملابس , ويضحّون حسب الوضع الإقتصادي لكل شخص ( خروف – جدي – عجل … الخ ) . ويزينون مداخل بيوتهم بالورود وشقائق النعمان .
وفي الوقت الذي تكون النساء منهمكات في إعداد الطعام، يقوم الشباب والصبايا بتلوين إثنى عشرة بيضة مسلوقة , كل ثلاث بيضات بلون فصل من فصول السنة, ويضعونها ضمن طبق وسط البيت , ( والبيضة ترمز الى كروية الأرض ) وسلق البيض اشارة لتجمّد الأرض , وقشرة البيضة بعد سلقها ترمز الى ذوبان طبقة الجليد عن وجه الأرض , وما تلوين البيضة إلا إشارة الى الوان الورود والأزهار التي تفتحت بقدوم طاووس ملك, أي الربيع , والربيع هو بداية الحياة , ( لاحظ أن الإيزيديين عرفوا أيضاً كروية الأرض, قبل أن يرى العالم الإيطالي الشهير جاليلو النور بآلاف السنين ) ثم يأتي كل شاب بعدة بيوض ليلعبوا لعبة تسمى ( hêkane ) أي لعبة التكاسر بالبيض .
وقبل الظهيرة يزور الناس قبور موتاهم , ومن ثم يمدّون السفرة ( المائدة ) في أحد أطراف المقبرة وتضع عليها كل عائلة الطعام الذي أحضرته , ويشارك الجميع في تناول ذلك الطعام . وبعد أن يغادرون المقابر يتوجهون زرافات زرافات ( جماعات ) الى بيت كبيرهم أو بيت شيخهم ويباركونه بالعيد ثم يزورون أكبر عدد ممكن من البيوت , ولايستثنون حتى بيوت خصومهم , حيث يكون هذا العيد مناسبة لإزالة كل حقد وضغينة بينهم , وينهون زياراتهم بالعودة الى البيت الذي بدؤوا منه .
وهناك تقاليد خاصة بهذا العيد منها الامتناع عن نبش التربة والحراثة, في هذا الشهر, لأن المزروعات والزهور والورود ومعظم النباتات تتفح في هذا الشهر , وأيضاً كان يتم تأجيل عقد الزيجات الى حين انقضاء هذا الشهر وكان يعتقد أن القيام بعقد الزيجات والإتيان بعروس سيجلب لأصحاب البيت الويلات , وتقول المعتقدات أن شهر نيسان هو عروس بحد ذاته , وهو اعتقاد يبدو صحيحاً لأنه من أجمل الشهور, حتى أنهم أطلقوا على نيسان اسم عروس السنة : nîsan bûka salê / di ser xwere bûka nîne
أي : نيسان عروس السنة / لاترضى الإتيان بعروس غيرها. وأيضاً يتم في شهر نيسان اشعال فتائل الزيت في الأماكن والمزارات والمراقد المقدسة كل ليلة أربعاء . حتى أن السفر في هذا اليوم ( إلا للضرورة ) غير مستحب ( لأن العيد هو مناسبة للم الشمل لكي تزداد الألفة بين العائلة الواحدة ) . وقديماً كانوا يقيمون سباقات الخيول ليبرز كل شاب مواهبه في الفروسية أمام أقرانه , وكان يرافق ذلك الأفراح والدبكات .
ومع غروب الشمس ينتهي هذا العيد بعد أن امتلأ الجميع فرحاً وسروراً.
على أمل أن نحتفل بالعيد القادم في عفرين بعد طرد المحتل والمستوطنين الذين دنسوا تراب عفرين الطاهر.
Sersala we pîroz be
كل عام والانسانية بخير
مخيمات الشهباء ١٥/٤/٢٠٢٤
سليمان جعفر
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=41093