الثلاثاء, أكتوبر 22, 2024
القسم الثقافي

قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991)

خالد علي سليفاني

يعد كتاب “سياسة الحكومة العراقية في كوردستان في ضوء الوثائق الرسمية (1975-1991)” للمؤرخ الأستاذ الدكتور علي تتر نيروي واحدًا من أهم المراجع التاريخية التي تتناول العلاقة بين الحكومة العراقية والحركة التحررية الكوردية خلال فترة حساسة من تاريخ العراق. يتألف الكتاب من مجلدين يحتوي كل منهما على حوالي 700 صفحة، ويعتمد بشكل رئيسي على وثائق رسمية صادرة عن الحكومة العراقية، مما يضفي عليه دقة وحيادًا قلما تجده في الأعمال الأخرى التي تناولت الموضوع نفسه.
أهمية الكتاب:
تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه مرجعًا تاريخيًا موثوقًا يوثق سياسات الحكومة العراقية تجاه كوردستان بموضوعية تعتمد على مستندات رسمية، بعيدًا عن أي انحياز قومي أو تأثير للعواطف. إذ يقدم الكتاب توثيقًا علميًا للمراحل المفصلية التي شهدت قمع الحركات الكوردية والسياسات التعريبية، بالإضافة إلى عمليات الترحيل الجماعية والعمليات العسكرية واسعة النطاق التي نفذتها الحكومة العراقية.
الدكتور علي تتر نيروي، بمكانته كمؤرخ أكاديمي وأستاذ التاريخ، اعتمد على مصادر دقيقة وأرشيفات حكومية كانت مغلقة لفترة طويلة، ما يجعله مرجعًا لا غنى عنه لكل من يبحث عن تحليل دقيق وعميق لهذه الحقبة. ويمثل الكتاب إضافة نوعية إلى المكتبة التاريخية الكوردية والعراقية على حد سواء، فهو يسلط الضوء على الجوانب السياسية والعسكرية والاجتماعية للنزاع بين الحكومة العراقية والكورد من خلال وثائق وأدلة رسمية.
محتوى الكتاب:
يغطي الكتاب مجموعة من المواضيع المحورية التي تشرح سياسات الحكومة العراقية تجاه الشعب الكوردي في جنوب كوردستان (كوردستان العراق) في الفترة من عام 1975 وحتى عام 1991. وفيما يلي بعض المواضيع التي تناولها الكتاب:
أسلوب حكم حزب البعث في العراق: يتناول الكتاب الفترة التي تولى فيها حزب البعث العراقي السلطة وكيف أسس سيطرته السياسية على البلاد، بما في ذلك المناطق الكوردية. ويستند في ذلك إلى الوثائق الحكومية التي تشرح كيفية تطبيق النظام لسياساته القمعية لكبح أي حركة معارضة.
سياسات الترحيل وتعريب كوردستان: يناقش الكتاب بالتفصيل سياسة الترحيل الجماعي للكورد وتعريب كوردستان، وهي سياسة اتبعتها الحكومة العراقية لتغيير التركيبة السكانية في المناطق الكوردية. تشير الوثائق إلى كيفية تنفيذ عمليات ترحيل واسعة لسكان القرى الكوردية واستبدالهم بعوائل عربية، مما يعكس محاولات الحكومة لتغيير الهوية الديموغرافية والثقافية لكوردستان.
الحملات العسكرية (1981-1983): الكتاب يوثق الحملات العسكرية التي شنتها الحكومة العراقية ضد الشعب الكوردي خلال أوائل الثمانينيات، وهي فترة شهدت قمعًا واسعًا للكورد. تُظهر الوثائق الرسمية استخدام الحكومة للأسلحة الثقيلة والقوات الخاصة لسحق أي مقاومة كوردية.
التعاون العراقي-التركي: يكشف الكتاب عن التعاون العسكري والسياسي بين العراق وتركيا في مواجهة الحركة الكوردية في جنوب كوردستان، حيث كانت تركيا تعمل بالتنسيق مع الحكومة العراقية للسيطرة على الحدود ومنع تسرب الأسلحة وعبور المقاتلين البيشمركة.
حملات الأنفال وممارسات الحكومة: يغطي الكتاب الفترة الحرجة خلال أواخر الثمانينيات التي شهدت تنفيذ حملات الأنفال، وهي واحدة من أبشع فصول القمع الحكومي ضد الكورد. ويستند الكتاب إلى وثائق رسمية تكشف كيفية التخطيط لهذه الحملات وتنفيذها، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية والتهجير القسري للمدنيين.
الحرب العراقية الإيرانية وتأثيرها على كوردستان: يناقش الكتاب تأثير الحرب العراقية الإيرانية على كوردستان، حيث استغلت الحكومة العراقية تلك الحرب لتكثيف عملياتها العسكرية ضد الكورد. تُظهر الوثائق الرسمية كيف حاولت الحكومة العراقية إقناع المجتمع الدولي بأن العمليات في كوردستان جزء من الحرب ضد إيران.

منهجية البحث في الكتاب:
أحد أهم جوانب قوة هذا الكتاب هو المنهجية الصارمة التي اتبعها الدكتور علي تتر نيروي في البحث والتوثيق. لقد اعتمد على الوثائق الحكومية الصادرة عن الحكومة العراقية، بما في ذلك المراسلات السرية، تقارير الاستخبارات، ووثائق خاصة بالمفاوضات والعمليات العسكرية. هذا الاعتماد على الوثائق الرسمية يجعل الكتاب مرجعًا حياديًا وموثوقًا يقدم صورة دقيقة للأحداث دون أي انحياز أو تلاعب.
ترجمة الكتاب:
قدّم الكاتب والمترجم المعروف خالد علي سليفاني ترجمة مميزة لهذا الكتاب من اللغة الكوردية إلى العربية، ما أتاح لجمهور أوسع الوصول إلى هذا العمل التاريخي القيم. الترجمة كانت دقيقة، وحرص سليفاني على الحفاظ على الأسلوب الأكاديمي والنبرة الموضوعية التي تميز بها الكتاب، مما يعزز من قيمته كمرجع بحثي في المكتبة العربية.
وأخيراً وليس آخراً:
يعد كتاب “سياسة الحكومة العراقية في كوردستان في ضوء الوثائق الرسمية (1975-1991)” عملًا تاريخيًا رائدًا يقدم تحليلًا موثقًا لواحدة من أكثر الفترات تعقيدًا في العلاقات بين الحكومة العراقية والحركة التحررية الكوردية. نجح الدكتور علي تتر نيروي في تقديم رؤية حيادية ودقيقة تستند إلى وثائق حكومية رسمية، مما يجعله مرجعًا لا غنى عنه لكل من يبحث عن فهم عميق لهذه الحقبة. يقدم هذا الكتاب خدمة جليلة للباحثين والمؤرخين المهتمين بتاريخ العراق وكوردستان، ويُعد نقطة انطلاق لفهم العلاقة المتوترة بين الكورد والحكومة العراقية خلال تلك الفترة.

الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين

شارك هذه المقالة على المنصات التالية