عبد الحليم سليمان 

ملخص
مضت 10 سنوات كاملة على تشكيل التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، إذ شهدت هذه الفترة إنجازات لأكبر تحالف دولي في التاريخ منها إنهاء تنظيم “داعش” عسكرياً، لكن التطورات الأخيرة في المنطقة واتفاقاً ثنائياً يقضي بإنهاء مهام التحالف عسكرياً تثير قلق الشركاء على الأرض.

يستمر أكبر تحالف دولي منذ 10 سنوات بمهامه العسكرية والأمنية والاستخباراتية إلى جانب مكافحة تمويل الإرهاب، هذا التحالف الذي أعلن عن تشكيله الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في الـ10 من سبتمبر (أيلول) 2014 في إطار إعلان استراتيجية بلاده في مواجهة تنظيم “داعش” الذي كان أعلن سيطرته و”خلافته” في مناطق عدة من العراق وسوريا.

التحرك الأميركي جاء بناءً على طلب الحكومة العراقية، وكانت البداية بتنفيذ ضربات جوية، ومن ثم إرسال مستشارين أميركيين إلى جانب العراقيين، في حين أن الخطة الأولية كانت تقضي بتدريب مسلحين معارضين سوريين لمواجهة التنظيم داخل الأراضي السورية، لكن الرأي الأميركي استقر في سوريا على مساندة المقاتلين الأكراد المتمثلين بـ”وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة” الذين حوصروا من قبل “داعش” في مدينة كوباني في تلك الأيام، إذ بدأت طائرات التحالف بإلقاء أسلحة ومساعدات طبية مقدمة من إقليم كردستان – العراق للمقاتلين المحاصرين، لتكون تلك اللحظة بداية لمعركة كسر التنظيم وتقليل مساحات سيطرته في كل من العراق وسوريا، حيث كانت النهاية الدراماتيكية في بلدة الباغوز، آخر نقطة حدودية بين العراق وسوريا في شرق الفرات وتتبع لريف دير الزور الشرقي.

وشكلت الباغوز أهم معركة في محاربة “داعش” بعد كل من معارك محافظة صلاح الدين والأنبار والموصل وسنجار والرقة، حيث اكتسبت كل منها أهمية وعلامة فارقة، بخاصة في مسار محاربة “داعش”، فالباغوز كانت آخر نقطة تجمع وسيطرة للتنظيم الإرهابي وعائلات مسلحيه العرب والأجانب، وفيها انتهت سيطرته الجغرافية عندما أعلنت القوات المتحالفة النصر في الـ23 من مارس (آذار) 2019 في حقل العمر بريف دير الزور الشرقي.

تضحيات كبيرة

وكان لظهور التنظيم وتأسيس التحالف الدولي بمشاركة 87 دولة أثر كبير في المنطقة التي دخلت دوامة عنف منذ عام 2011 إثر الاحتجاجات الشعبية وتحولها إلى حرب أهلية، لا سيما في سوريا، كما برزت تطورات سياسية وعسكرية، بخاصة مع تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” في خريف عام 2015 مكونة من العرب والكرد والسريان ومكونات عرقية ودينية مختلفة في الشمال السوري، إذ سقط لهذه القوات ما لا يقل عن 12 ألف مقاتل في محاربة التنظيم، وأصيب نحو 23 ألفاً آخرين، كما بلغت خسائر “البيشمركة” في المواجهات مع “داعش” نحو 1810 قتلى إلى جانب إصابة 10740 آخرين، أما القوات العراقية فبلغت خسائرها ما لا يقل عن 13 ألف قتيل موزعين بين القوات الأمنية العراقية، وفصائل “الحشد الشعبي”، كما فقد عشرات الآلاف من المدنيين حياتهم وجرح آخرون أثناء سنوات سيطرة “داعش” على مناطق في سوريا والعراق، كما لحق دمار شبه كامل في المناطق التي شهدت معارك ضد التنظيم الإرهابي.

استمرار الخسائر

ولا تنتهي أرقام الضحايا والقتلى عند هذا الحد، فخلايا التنظيم ونشاطاًته ما زالت مستمرة في عدد من المناطق، حيث سيطر سابقاً كالبادية السورية، وتتوزع عناصره، بصورة شبه خفية، في مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال سوريا، حيث تعد مناطق نفوذ لتركيا، كما يقبع نحو 12 ألف مسلح للتنظيم، ينتمون لنحو 60 جنسية مختلفة، في مراكز احتجاز تحرسها “قوات سوريا الديمقراطية” إلى جانب أكثر من 45 ألف شخص من عائلاتهم في مخيمي الهول وروج بشمال شرقي سوريا بينهم نحو 8 آلاف من الأجانب جميعهم من النساء والأطفال والمراهقين، إضافة إلى نحو 20 ألف عراقي بعدما استعادت بغداد قرابة 10 آلاف منهم خلال الفترة السابقة، بينما رفضت قبول عودة آخرين إلى داخل أراضيها.

احتفاء في واشنطن

في نهاية سبتمبر الماضي وبدعوة من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اجتمع نواب رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية وكبار المسؤولين من دول التحالف الدولي ضد “داعش”، والبالغ عددها 87 دولة في واشنطن، احتفاءً بمرور 10 سنوات على تشكيل “أكبر تحالف دولي في التاريخ”، وصدر عنهم بيان مشترك أكدوا فيه التزامهم دعم جهود الحكومة العراقية لحماية أمن وسلام وتنمية الشعب العراقي وأهمية إيجاد حلول دائمة للسكان المتبقين في شمال شرقي سوريا “بما في ذلك تقديم الإرهابيين المحتجزين إلى العدالة، وضمان المساءلة عن الجرائم، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، وضمان إيواء المحتجزين بصورة آمنة وإنسانية، وتحسين ظروف السكان المقيمين في مخيمي الهول وروج للنازحين”. وبحسب البيان المشترك لممثلي دول التحالف فإنهم يحثون على دعم جهود المصالحة وإعادة الإدماج في العراق وسوريا وتعزيز الظروف المواتية للتوصل إلى حل سياسي للنزاع في كل أنحاء سوريا بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

الاجتماع استعرض أيضاً إنجازات التحالف الدولي ودوله في مجال مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع التمويل والدعاية الفكرية، إضافة إلى منع تدفق المقاتلين من الدول الأعضاء والتعاون المعلوماتي والاستخباري في هذا الصدد، وكذلك إلقاء الضوء على التحول الذي يطرأ على مهام التحالف جراء الاتفاق على إنهاء مهام قوات التحالف في العراق، مشيرين إلى أن الانتقال المخطط للمهمة العسكرية للتحالف في العراق إلى شراكات أمنية ثنائية “يعكس التراجع في التهديد الذي يشكله تنظيم (داعش)”.

تبدل في المهام

وكشف مسؤول أميركي للصحافة عن أن عملية إنهاء مهام التحالف الدولي ضد “داعش” ستكون على مرحلتين، الأولى تقضي بانتهاء المهمة العسكرية إلى سبتمبر من العام المقبل، وفي سوريا حتى الشهر ذاته من عام 2026 متضمنة تقديم الدعم لضمان عدم عودة التهديد من “داعش” من شمال شرقي سوريا، مشيراً إلى أن التفاهم تقتضيه الظروف الميدانية والمشاورات السياسية بين البلدين.

قلق الشركاء على الأرض

وعلى رغم الشراكة العسكرية القوية بين “وات سوريا الديمقراطية” والتحالف الدولي، لا سيما في مقدمها الولايات المتحدة، فإن الاتفاق الثنائي بين بغداد وواشنطن يثير قلق وانتقاد المسؤولين في الإدارة الذاتية التي تمثل الواجهة المدنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” “قسد”، وقالت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا إن “التحالف الدولي لعب مع “قسد” دوراً كبيراً في مكافحة الإرهاب وإنهاء سيطرته على جغرافيا واسعة من الأراضي السورية، وما زال له دور كبير في عملية مكافحة الفكر المتطرف”، لكنها شددت على أن إنهاء دور التحالف والانتقال إلى الاتفاق الثنائي من دون توضيح المعالم والآلية التي سيتعامل بها للاستمرار في القضاء على التطرف من النواحي الأخرى “يترك مجالاً لتنشيط هذه المجموعات لفعاليتها، مرة أخرى. وهذا له تداعيات سلبية وخطرة على سكان المنطقة والأمن الدولي”.

“غياب آلية واضحة”

أضافت أحمد في أول رد فعل رسمي من شمال شرقي سوريا على خطوة التحالف الدولي أنه كان من المفروض أن يتم الاتفاق على إطار واضح لآلية الاستمرار بدعم “قوات سوريا الديمقراطية” بمواجهة الإرهاب “الذي باتت صورته تتضح أكثر من خلال ازدياد عمليات العنف التي تنفذها الخلايا التابعة لـ(داعش) في المناطق التي تم تحريرها سابقاً”، وختمت المسؤولة عن العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية قائلة “كان من المفروض أن يتم وضع برنامج أوسع بمجال استهداف الجوانب الفكرية التي تشكل حاضنة لإحياء التطرف وأخطاره على المجتمع من خلال التركيز على المشاريع الخدمية والسياسية”.

المصدر: اندبندنت عربية

شارك هذه المقالة على المنصات التالية