كردستان: حقّ الوجود والعودة إلى الجذور

حجي قادو

كثيرون يرددون اليوم بأن الكُرد في سوريا “لاجئون” وعليهم العودة إلى “بلدهم الأصلي” كردستان، وكأنهم غرباء عن أرضٍ وُلدوا فيها منذ آلاف السنين. ولكن إذا ما سارت الأمور بمنطق “العودة إلى المنشأ”، فليعد إذن كل شعب إلى موطنه الأول: فالعرب إلى شبه الجزيرة العربية، حيث موطن العدنانيين والقحطانيين، والفرس إلى هضابهم القديمة، والترك إلى سهول آسيا الوسطى. فليعد كلٌّ إلى أرضه، إن كان هذا هو معيار الانتماء والشرعية التاريخية.

أما كردستان، فستبقى في مكانها، ويظل الشعب الكُردي في موطنه الأصلي، على أرض أجداده الممتدة من زاغروس إلى الفرات، ومن بحيرة أورمية إلى جبال طوروس. فالكُرد لم يكونوا يومًا طارئين على الجغرافيا، بل هم من صُنّاع تاريخها وهويتها.

من الطبيعي أن يسعى كل شعبٍ إلى الحرية والكرامة والانتماء إلى قوميته، كما يميل العربي إلى قوميته العربية، والفرسي إلى إرثه الحضاري، والتركي إلى قوميته الطورانية. فمن البديهي إذن أن يتمسك الكُرد بقوميتهم الكردية، وهو حقّ أصيل تكفله كل الشرائع والقوانين الدولية.

ولْيعلم كلّ من يحاول إنكار هذا الحق أو تشويهه بدعاوى “الوحدة القسرية” أو “الهوية المفروضة”، أن مشروع كردستان الكبرى ليس حلمًا طوباوياً، بل رؤية استراتيجية واقعية، آخذة في التبلور مع تعاظم الوعي القومي الكُردي، وازدياد عدد السكان الكُرد في المنطقة، وتراكم قدراتهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

فكردستان المستقبل ستكون قوةً فاعلة في الشرق الأوسط، تمتلك مقوّمات الدولة الحديثة:
ثروة نفطية ومعدنية هائلة، موارد مائية وزراعية خصبة، قاعدة بشرية شابة ومتعلمة، ونظام سياسي ليبرالي علماني يرفض التمييز الديني والمذهبي، ويؤمن بالتعددية والعدالة والمساواة.

اللغة الكُردية، بدورها، هي إحدى أغنى اللغات في المنطقة، وتأتي ضمن أبرز اللغات العالمية من حيث التنوع والتاريخ والامتداد، متقدمة على العديد من اللغات الإقليمية الكبرى.

إن قيام دولة كردستان الكبرى لن يكون تهديدًا لأمن المنطقة، بل ضمانًا لاستقرارها. فمشروع كهذا يقوم على مبادئ التعايش والانفتاح والسلام، ويهدف إلى إنهاء عقودٍ من الحروب والصراعات التي غذّتها أنظمة استبدادية عربية وتركية وفارسية.

وعليه، فإن من مصلحة جامعة الدول العربية والدول الإقليمية النظر بعين العقل والواقعية إلى المشروع الكردي، ودعمه بما يخدم أمن المنطقة واستقرارها، لا سيما أن كردستان المستقبل ستكون قوة سياسية واقتصادية تربط بين المشرق والمغرب، وقد تشكل عامل توازن إقليمي إلى جانب دولة إسرائيل في الجهة الغربية، حيث يلتقيان عند نهر الفرات.

إن من يكسب رضا الكُرد اليوم، يكسب شريكًا استراتيجيًا صادقًا وغنيًّا، ومن يعاديهم، إنما يعادي التاريخ والمستقبل معًا. فالغد قريب، وكردستان قادمة لا محالة، كقوة حرة، مزدهرة، وفاعلة في قلب الشرق الأوسط الجديد.

Scroll to Top