بدران جيا كرد
الانتهاكات الممنهجة التي طالت المكون الدرزي في الجنوب السوري، وما سبقها من انتهاكات مشابهة في الساحل السوري، تؤكد بوضوح الرفض العميق للتعددية الثقافية والدينية من قِبل وزارة الدفاع الانتقالية والمؤسسات التابعة لها، وهو ما يؤدي إلى تقويض أسس العيش المشترك ضمن جغرافيا وطنية واحدة. إن استمرار هذه الممارسات يدفع بسوريا نحو مزيد من التشظي والتفتت على المستويين السياسي والاجتماعي، ويضع جميع المكونات السورية أمام تحدٍّ خطير وممنهج، سواء كان ذلك بشكل جماعي أو فردي.
قضية المكون الدرزي هي وطنية سورية بامتياز ولا تنفصل عن قضايا باقي المكونات، فكل منها يُشكل جزءاً لا يتجزأ من الجسد السوري الواحد. ونتضامن مع أهلنا من أبناء هذا المكون في معاناتهم، وندعو إلى الحفاظ على هويتهم العريقة وحقوقهم الأصيلة.
ومن هذا المنطلق، فإن على الحكومة الانتقالية أن تبادر إلى مراجعة شاملة وعاجلة لنهجها في التعامل مع الداخل السوري، والبدء بحوار وطني جاد ومسؤول مع مختلف المكونات، مع احترام خصوصية كل مكون وهويته الثقافية والدينية. فالأولوية اليوم يجب أن تُمنح للعودة إلى الحوار السوري الداخلي والانفتاح على الداخل، لا أن يُقدَّم الانفتاح الخارجي على حساب التوافق الوطني. فلا يمكن لأي سلطة أن تكتسب شرعيتها دون هذا التوافق، ودون اعتراف متبادل بين جميع أبناء الوطن.
لا يمكن فرض سيادة الدولة عبر أدوات القمع والترهيب، فجميع الأنظمة التي سلكت هذا الطريق سقطت بفعل إرادة شعوبها. وهذا النهج لا يهدد فقط التماسك الوطني، بل يفتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية، ويحوّل سوريا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي في ظل غياب القرار السوري المستقل.
تقع المسؤولية الوطنية على عاتق كل مكونات المجتمع السوري، وكلنا مدعوون اليوم لتحمّل مسؤولياتنا في رسم ملامح مستقبل البلاد، من خلال توحيد الجهود والمواقف، والعمل على بلورة مشروع وطني ديمقراطي تعددي، بعيد عن الفئوية والنهج الإقصائي.
كما أنه من الضروري أن تنخرط السلطات الانتقالية في دمشق بجدية في عملية الحوار الوطني، وأن تُقدم على تنازلات فعلية عبر نقل بعض الصلاحيات إلى السلطات المحلية، بما يعزز الثقة ويكرس مفهوم الشراكة. كذلك، تتحمل هذه السلطات المسؤولية الكاملة عن الخطاب الطائفي التحريضي، سواء عبر منابرها الإعلامية أو من خلال الخطاب “الشعبوي” المنتشر في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي، والذي لا يؤدي إلا إلى التجييش والصدام المجتمعي.
وفي السياق ذاته، فإن على القوى الإقليمية والدولية الفاعلة أن تلعب دوراً مسؤولاً في دعم حلول وطنية شاملة تُعبّر عن تطلعات جميع السوريين، لا أن تسعى فقط لتحقيق مصالحها الخاصة. فلا بد أن تكون أولوية الشعب السوري هي الأساس في أي مبادرة، خاصة في ظل اتساع رقعة المخاطر التي تهدد المنطقة برمّتها نتيجة إفرازات الأزمة السورية.
من الضروري الآن فتح تحقيق دولي مستقل في الجرائم التي وقعت في السويداء، وتسليم ملف التحقيق في الجرائم المرتكبة في الساحل السوري إلى لجان دولية محايدة، نظراً لفشل التحقيقات السابقة في الوصول إلى نتائج ملموسة. هذا يشكل مدخلاً ضروريًا نحو مصالحة وطنية شاملة، قائمة على العدالة، وتعزيز الثقة، والمشاركة الفعلية لجميع المكونات في العملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية، تمهيداً لبناء مؤسسات وطنية وصياغة دستور جديد يعبر عن إرادة جميع السوريين.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=72268




